◄اكتشف العلماء أنّ بعض خلايا الدماغ (المخ) تقوم بعملية حفظ المعلومات وتخزينها وإعادتها عند الحاجة إليها، وأجروا بعض التجارب على اكتشاف تلك الأماكن في الدماغ وتحديد وظائف بعض الخلايا، ولكنهم في نفس الوقت وصلت أبحاثهم إلى أنّ جميع جسم الإنسان يتغير أكثر من مرة خلال حياته، وهذا التغير يشمل الدماغ أيضاً، فالمادة الدماغية اليوم ليست هي المادة الدماغية قبل عشرين عاماً، وعليه سنوجه الأسئلة التالية ونجيب عليها:
السؤال الأوّل: إذا تغير في الدماغ الموضع الخاص بمعرفة نفس الشخص صاحب الدماغ، فهل سينسى الشخص اسمه وتاريخ حياته؟
الجواب من وجهة النظر المادية:
كلا سوف لن ينسى والسبب، لأنّ الخلية التي ماتت وحلت محلها خلية أخرى تحمل نفس صفات الخلية السابقة ومنها اسم وتاريخ الشخص.
أقول إذا كان كذلك فلابدّ أن تكون الخلية اللاحقة كالخلية السابقة في كلِّ شيء، فإن قلتم نعم – وهو خلاف الواقع – زال تغير الإنسان من الشباب إلى الشيخوخة، وأن قلتم كلا اختلفت الخلية اللاحقة عن الخلية السابقة، وبمرور الزمن وتغيرُ الخليةِ ذاتِ نفس العمل في الذاكرة، تنتهي الذكرى والحادثة المحفوظة، وهذا خلاف الواقع، فهناك من الأحداث لا تتغير مطلقاً وتبقى محفوظة إلى موت الإنسان، فأين حفظت هذه المعلومة؟
السؤال الثاني: لماذا يقول الشخص منذ صغره إلى موته أنا؟ فهل هذه الأنا وهو طفل نفس الأنا وهو رجل وهو شيخ طاعن في السن أو لا؟
الجواب عند الماديين:
نعم يقول أنا، لأنّه يتكلم عن نفسه، رغم تغير جميع خلاياه بما فيما الدماغ كلّه، وأكثر من مرة، أقول نفس الإشكال السابق، كيف يقول أنا وقد تغير كلّه ولم يكن هو؟
أما إذا كان الحفظ والذاكرة في القلب، وهو الحامل للروح والعقل أو محل الروح والعقل، فليس هناك أدنى التباس أو خلل في التحليل، لأنّ الروح والعقل جواهر لا تتبدل ولا تتغير ولا يطرأ عليها الفناء بتغير الأجسام والأبدان، وأنا القائل أنا، الروح وليس الجسم، والقلب وليس الدماغ، وأنّ القلب يؤثر بالدماغ أكثر بكثير من تأثير الدماغ بالقلب، لعله بنسبة اختلاف شدة التيار الكهربائي في القلب إلى شدة التيار الكهربائي في الدماغ وهو (1/ 50) أو بشدة اختلاف المجال الكهرومغناطيسي وهو (1/ 5000)، وأنّ القلب إذا أراد استخراج حادثة قبل مائة عام بعث بها إلى الدماغ ليسلك بها إلى الأعصاب ثمّ إلى اللسان حتى ينطق بها الإنسان فيتصور البعض أنّ الدماغ هو الذي أخرج هذه الكلمات وهذه الذكريات من أرشيفه.
الخلاصة:
ونخلص إلى النتيجة التالية، وهي: إنّ الجهاز العصبي عبارة عن ثلاثة أجهزة، الأوّل: الجهاز الموجود في كلِّ خلية من خلايا الجسم بما فيها القلب والدماغ، والثاني: الجهاز الموجود في الدماغ، والثالث: الجهاز الموجود في القلب، فأما الجهازان الأوّل والثاني فهما اللذان يتحسسان كّل متغير في المحيطين الداخلي والخارجي لهما، والجهاز الثاني هو المفسر لتحسس الجهاز الأوّل ومصدر الأوامر العصبية في الاستجابة والرد على هذه التحسس، وهما تحسس مادي بحت، يعتمد على الحركة والحرارة والكهرباء.
أما الشعور بالخجل والخوف والفرح والسعادة فهي من مختصات الجهاز الثالث، وهو الجهاز الموجود في القلب، فهو التحسس الروحي، وهو حقيقة التحسس، ولا يمكن أن يغفل هذا التحسس، أو أن يخطأ، حتى لو ظهر خلاف ذلك في التحسس المادي، سواء من قبل كلّ الجسم أو من تفسير الدماغ لهذا التحسس، ولا خلاف في أنّ تحسس الدماغ موجود، وهو المقدمة لتحسس القلب الروحي، ولكن هذه المقدمة ليست هي العلة في التحسس الروحي، وإنما في العمل الطبيعي لجسم الإنسان أن تنقل الأخبار الخارجية والداخلية للقلب من خلال الجسم وتفسير الدماغ، لغرض تفرغ القلب لأهميته في حياة الإنسان ووجوده، وأما نتائج الحس الروحي فتظهر من خلال الدماغ إلى بقية الأعضاء، باعتبار أنّ الدماغ أمير التحسس المادي، وأما القلب فهو أمير البدن كما قرأت معنا الروايات. وأما لو حدث خلل لأي عضو من أعضاء الحس فإنّ التحسس ينتقل عبر القلب بدون واسطة، ونشبه هذه العلاقة بين التحسس المادي والروحي، كالاتصال السلكي بين جسمين مع قدرة أحدهما على الاتصال بدون استخدام السلك، كما يجري في التخاطر عن بعد، ولكن لو عطل وانقطع السلك سلك العضو الأقوى طريق التخاطر والتحسس بغير وسيط مادي، فالقلب له القدرة على التحسس الروحي، وهو أقوى بكثير من التحسس المادي، وذلك لأنّ لا معوق في طريقه سوى الروح، والروح أقوى من الجسد. وهذا تقسيم للتحسس:
التحسس
المادي
الروحي
القلب (الآمر لكلِّ شيء)
كلّ الجسم
(الناقل)
الدماغ
(المفسّر والموجّه)
لنرى ما توصل إليه العلماء:
تبيّن للعلماء أيضاً أنّ الذاكرة ليست موجودة فقط في الجلد، إنما جميع خلايا الجسم تختزن الذاكرة والمعلومات. ولذلك يقول العلماء اليوم: إنّ تاريخ كلّ منا مكتوب داخل كلّ خلية من خلايا جسدنا، فنحن عندما نقوم بأي تصرف، فإنّ خلايا العين مثلاً والخلايا المتصلة معها إلى الدماغ جميعها تمر المعلومات عبرها، وعملية مرور المعلومات التي نشاهدها من العين إلى الدماغ هذه (ملايين الخلايا)، تمر عبرها المعلومات وتختزن في سجلات دقيقة وبرامج أودعها الله تبارك وتعالى في داخل كلّ خلية. كذلك كلّ صوت نسمعه أو نتكلم به، فإنّ هذه الترددات الصوتية تنتقل عبر الأذن إلى الدماغ وطيلة هذه الرحلة من الأذن إلى الدماغ هنالك أيضاً بلايين الخلايا تمر عليها وتختزن في داخلها. إذاً نستطيع أن نستنتج أنّ خلايا السمع تختزن المعلومات، وخلايا البصر تختزن المعلومات[1].
إنّ قوله تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النور/ 24)، دليل على وعي الجوارح لمعنى الشهادة حين حدوث العمل، وإلا لو لم يكن واعياً للحدث كيف يشهد؟ فضلاً عن مشاهدته له، وذكر المصاديق في الآية من باب المثال لا الحصر، لأنّ الملاك واحد، وهو الحياة، ولأنّ الإيمان مبثوث لجميع الجوارح كما في الحديث.
وهنا قول آخر لأحد العلماء:
الدكتور (جاك كوبلاند) أشرف على أكثر من 700 حالة زراعة قلب فماذا وجد هذا الطبيب؟ الذي وجده أنّ هؤلاء المرضى يحدث دائماً مع كلّ تغيير للقلب تغييرات عميقة في شخصيتهم ولذلك قال أنا لا أستبعد أن يكون هنالك شيء ما في هذا القلب نجهله تماماً. وهنالك الكثير من الأطباء الذين يؤكدون هذه الحقيقة اليوم ولكن ليس لديهم دليل مادي ملموس على ذلك سوى الظواهر التي يشاهدونها أمامهم[2].
إنّ هذه العدد الكبير ليس من باب المصادفة ولا من باب العشوائية في حياة الناس أن تتغير أخلاقهم وتصرفاتهم وقيمهم وعقائدهم بهذه السرعة، ومباشرة بعد إجراء العملية، ثمّ التغير بحسب طبيعة صاحب القلب المتبرع.
الهامش:
[1]- الأكاديمية العالمية للتدريب والتطوير في 28/ 9/ 2008، ويكيبيديا.
[2]- نفس المصدر.
المصدر: كتاب العقل بين القلب والدماغ
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق