• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

سر السجود وآدابه

سر السجود وآدابه

◄يروى عن الصادق (ع) :"ماخسر والله من أتى بحقيقة السجود ولو كان في العمر مرّة واحدة وما أفلح من خلا بربه في مثل ذلك الحال تشبيهاً بمخادع نفسه غافلاً لاهياً عمّا أعده الله للساجدين من أنس العاجل وراحة الآجل. ولا بعد عن الله أبداً من أحسن تقرّبه في السجود ولا قرب إليه أبد من أساء أدبه وضيّع حرمته بتعلق قلبه بسواه في حال سجوده فاسجد سجود متواضع لله تعالى ذليل علم أنه خلق من تراب يطؤه الخلق وأنه اتخذك من نطفة يستقذرها كلّ أحد وكوّن ولم يكن وقد جعل الله معنى السجود سبب التقرب إليه بالقلب والسر والروح فمن قرب منه بعد من غيره، إلا ترى في الظاهر أنه لا يستوي حال السجدة إلا بالتواري عن جميع الأشياء والاحتجاب عن كلِّ ما تراه العيون، كذلك أمر الباطن فمن كان قلبه متعلقاً في صلاته بشيء دون الله تعالى فهو قريب من ذلك الشيء بعيد عن حقيقة ما أراد الله منه في صلاته، قال عزّ وجلّ :{ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (الأحزاب/4). وقال رسول الله (ص):" قال الله تعالى : لا اطلع على قلب عبد فاعلم فيه حب الإخلاص لطاعتي لوجهي وابتغاء مرضاتي إلا توليت تقويمه وسياسته ومن اشتغل بغيري فهو من المستهزئين بنفسه ومكتوب اسمه في ديوان الخاسرين ".

سرّ السجود:

ترك النفس وغمض العين عمّا سوى الحقّ تعالى، وفي وضع الرأس على التراب إشارة إلى أنّ عظمة الله لا ترى وجماله لا يرى إلا إذا عرف الإنسان قدر فقره وذلّته فتواضع لله، فبذلك يرى عزّ الربوبية وجمالها وجلالها... وأدب وضع الرأس على التراب إسقاط أعلى مقامات نفسه عن عينه ورؤيتها أقل من التراب.

فالسجود تذكير للإنسان أصله وهو التراب، وبتذكره لأصله يأمل منه أن يترك الاستكبار والعجب .

ووضع رؤساء الأعضاء الظاهرة (الرأس بما يحويه –اليدان- الرجلان) – على أرض الذلة والمسكنة – وتلك الأعضاء هي محال الإدراك، وظهور التحريك والقدرة – علامة التسليم التام وتقديم جميع القوى، فإذا قوي تذكر هذه المعاني في القلب فينفعل القلب بها تدريجياً فتحصل حالة هي حالة الفرار من بالنفس وترك رؤية النفس، وتنيجة هذه الحال حصول حالة الأنس بالله تعالى عبادته.

آداب التشهّد:

الصلاة تبتدأ بالشهادة وتنتهي بالشهادة، فهي تعني أولية الحقّ جلّ وعلا وأخريته { هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ } (الحديد/3)، وفيها سرّ عظيم وهو أنّ سفر السالك من الله وإلى الله كما بدأكم تعودون.

والتشهد في آخر الصلاة يعني تذكر العبد السالك أنّ حقيقة الصلاة حصول التوحيد الحقيقي .

وفي الشهادة بالرسالة لعلّها إشارة إلى أنّ مساعدة النبي الخاتم في السلوك إلى الله تعالى لا بدّ منها ليتوفق الإنسان للوصول إلى الله تعالى . 

وهنا نذكر ما روي عن الإمام الصادق (ع) في آداب التشهد: "التشهّد ثناء على الله فكن عبداً له في السر خاضعاً له في الفعل كما أنك عبد له بالقول والدعوى وصل صدق لسانك بصفاء سرّك فإنه خلقك عبداً وأمرك أن تعبده بقلبك ولسانك وجوارحك وأن تحقق عبوديتك له بربوبيته لك وتعلم أن نواصي الخلق بيده فليس لهم نفس ولا لحظ إلا بقدرته ومشيئته وهم عاجزون عن أتيان أقل شيء في مملكته إلا بإذنه وإرادته، قال عزّ وجلّ: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (القصص/68). فكن عبداً شاكراً بالفعل كما إنك عبد ذاكر بالقول والدعوى وصل صدق لسانك بصفاء سّرك فإنه خلقك فعزّ وجلّ أن تكون إرادة ومشيئة لأحد إلا بسابق إرادته ومشيئته فاستعمل العبودية في الرضا بحكمه وبالعبادة في أداء أوامره،  وقد أمرك بالصلاة على نبيه (ص) فأوصل صلاته بصلاته وطاعته بطاعته وشهادته بشهادته، وانظر لا يفوتك بركات معرفة حرمته فتحرم فائدة صلاته وأمره بالاستغفار لك والشفاعة فيك إن أتيت بالواجب في الأمر والنهي والسنن والآداب وتعلم جليل مرتبته عند الله عزّ وجلّ".

آداب السلام:

وهنا نذكر ما روي عن الصادق (ع) في آداب السلام: "معنى السلام في دبر كلّ صلاة الأمان أي من أدّى أمر الله وسنّة نبيه (ص) خاشعاً منه قلبه فله الأمان من بلاء الدنيا وبراءة من عذاب الآخرة. والسلام اسم من أسماء الله تعالى أودعه خلقه ليستعملوا معناه في المعاملات والأمانات... وتصديق مصاحبتهم فيما بينهم وصحة معاشرتهم، وإذا أردت أن تضع السلام موضعه وتؤدي معناه فلتتق الله وليسلم منك دينك وقلبك وعقلك ولا تدنسها بظلمة المعاصي ولتسلم حفظتك من ألا تبرمهم ولا تملهم وتوحشهم منك بسوء معاملتك معهم ثم صديقك ثم عدوك فإنّ من لم يسلم منه من هو الأقرب إليه فالأبعد أولى، ومن لا يضع السلام مواضعه هذه فلا سلام ولا تسليم وكان كاذباً في سلامه وإنّ أفشاه في الخلق".

اعلم أنّ الأدب القلبي للسلام مرتبط بالأدب في جميع الصلاة وإذا لم يحصل له في هذه الصلاة قرب من الله وعروج ولم يخرج من هوى نفسه فلا سلام له، وأيضاً إذا لم يخلص من تصرفات الشيطان وتصرفات النفس الأمارة فلا سلام له.

التعقيب:

وهو من المستحبات المؤّكدة، والتعقيبات الواردة كثيرة، منها التكبيرات الثلاثة الاختتامية.

ورفع اليد في التكبيرات هذه لعلّه إشارة إلى طرد صلاته وعباداته لئلا يتطرق العجب ورؤية النفس إلى قلبه.

ومن التعقيبات الشريفة، التسبيحات للصديقة الطاهرة سلام الله عليها التي علّمها رسول الله (ص) لتلك المعظمة وهي أفضل التعقيبات.

وفي الحديث:"إنه لو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله فاطمة (ع)".

والمعروف في ترتيبها التكبير أربعاً وثلاثين مرة والتحميد ثلاثاً وثلاثين مرة والتسبيح ثلاثاً وثلاثين مرة.

والتعقيبات المروية كثيرة مذكورة في كتب الأدعية فلينتخب كلّ إنسان ما يناسب حاله.

خلاصة

- سر السجود عند أصحاب العرفان، ترك النفس وغمض العين عمّا سوى الله، وفي وضع الرأس على التراب معرفة مبدأ الإنسان الترابي وبذلك ينبغي أن يستشعر الإنسان فقره وذلته أمام الله العظيم.

- من آداب التشهد: في الابتداء بالشهاة في بداية الصلاة والانتهاء بها في آخرها سر عظيم وهو: سفر الإنسان السالك من الله وإلى الله:{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (الأعراف/29).

-والشهادة بالرسالة إشارة إلى أنه لا بدّ من مساعدة الرسول (ص) للسلوك إلى الله تعالى.

- السلام مرتبط بالأدب في جيمع الصلاة، فمن لم يحقّق غاية الصلاة فلا سلام له.

- التعقيب مستحب ولا ينبغي إهماله، ومن التعقيبات تسبيح الزهراء (ع)، ورفع اليد في التكبيرات الاختتامية – التي هي من التعقيبات إشارة إلى أنّ الإنسان عليه أن لا يعجب بما أتى من صلاة.

كما يروى عن الصادق (ع): "... فاسجد سجود متواضع لله تعالى ذليل علم أنه خلق من تراب يطؤه الخلق...".

أسرار صلاة الجنازة:

أما الجنازة فأحضر عند مشاهدتها ووضعها بين يديك ما قد خلقته من الأهل والأولاد، وتركته من الأموال، وقدمت على الله تعالى صفر اليدين من الجميع، لم يصحبها إلا الأعمال الصالحة، وما تاجرته من أعمال الآخرة الرابحة، وتأمّل بهجته كيف قد ذهبت، وجلدته كيف تحوّلت، وعن قريب يمحو التراب صورته، وتأكل الأرض بهجته،  وما قد حصل له من يتم أولاده، وترمّل نسائه، وتضييع أمواله، وخلوّ مسجده ومجلسه، وانقطاع آثاره بعد طول أمله وكثرة حيله، وانخداعه... وغفلته عن الدخول في هذا التراب، والقدوم على ما سطر عليه في الكتاب، وركونه إلى القوّة والشباب،  واشتغاله عمّا بين يديه من الموت الذريع، والهلاك السريع، وكيف كان يتردد ويشيّع غيره من الأموات، والآن قد تهدّمت رجلاه ومفاصله، وكيف كان ينطق وقد فسد لسانه، وكيف كان يضحك وقد تغيّرت أسنانه، وكيف كان يدبّر لنفسه ما لا يحتاج إليه إلى عشر سنين في وقت لم يكن بينه وبن الموت إلا شهراً أو أقل، وهو غافل عما يراد به، حتى جاءه الموت فجأة في وقت لم يحتسبه فيه، فقرع سمعه نداء الجبّار إما الجنة أو النار، ولينظر في نفسه أنه الآن مثله في غفلته، وستكون عاقبته كعاقبته، فلينهض حينئذ إلى الاستعداد، وليشتغل باكثار الزاد، فإنّ المسافة بعيدة، والعقبة كؤود (شاقة)، والخطر شديد، والندامة بعد الموت غير نافعة، فهذا الفكر وأمثاله يحصّل قصر الأمل، والاستعداد بصالح العمل...

 

ارسال التعليق

Top