• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المفهوم الإسلامي للإعلام والاتصال

الخبير الإعلامي ميسّر سهيل

المفهوم الإسلامي للإعلام والاتصال

·      معنى الإعلام والاتصال:

كلمةُ إعلام هي مصدرُ الفعل (أعْلَمَ) أي نقل إلى غيره معلومة أو أكثر لم يعرفها من قبلُ، ويتمّ نقلُها عبرَ عمليةٍ اتصاليةٍ، لأنّ الإنسانَ مخلوقٌ اتصالي لا يستطيعُ العيشَ دون التواصل مع الآخرين، يأخذُ منهم ويعطيهم، ويقومُ الإنسانُ بالاتصال مع نفسه حين يَكونُ متأملاً ومفكراً، ومع الآخرين ليشاركهم أفكارَهم، ويتبادل معهم المعلومات والخبرات والمصالح سواء بالاتصال الشخصي أو الجمعي أو الجماهيري.

وفي كلِّ أشكال الاتصال فإنّ الرموزَ المستخدمة للتعبير عن الأفكار، وإيصال المعاني بين المتصلين تكونُ لفظيةً؛ أي كلمات منطوقة، أو غير لفظية كالإشارات والإيماءات ونبرة الصوت وغيرها؛ وهو ما يُعرف بالترميز غير اللفظي.

وكلمةُ اتصال تعني المشاركةَ، وتلاقي العقول التي تسعى لإيجادِ مجموعةٍ من الرموزِ المشتركة في أذهان أولئك الذين يقومون بالاتصال.

وعمليةُ الاتصال تتمُّ باتجاهين معاً ينتجُ عنها استجابات مشتركة بين المرسل والمتلقي، فهي عمليةٌ اجتماعيةٌ مستمرة تتحقّق من خلال اللغة المنطوقة أو المكتوبة، وكذلك من خلال مجموعة من الأفعال كالابتسام والعبوس والإشارات المختلفة.

 

·      طبيعة الاتصال:

يحتاجُ الاتصالُ إلى مجموعةٍ من المواصفات التي تتعلّقُ بالمرسل والرسالة والوسيلة والمتلقّي، وتبقى للقائم بالاتصال أهمية كبيرة، لأنّه حامل العملية الاتصالية إلى المتلقي. وهناك عِدّةُ عوامل مؤثرة يمكن تلخيصُها بالناحية الجمالية التي تلعبُ دوراً كبيراً في نجاح الرسالة الإعلامية شكلاً ومضموناً.

وقد تبين أنّ فنّ الاتصال يكمن في القدرة العالية للتعبير، الذي يستخدمُ الكتابةَ في الوسائل الإعلامية المطبوعة، والإلقاء في الوسائل الجماهيرية المسموعة والمرئية، فلا يمكن أن يحقق التعبير أغراضَه في الكتابة والإلقاء إلا إذا كان القائم بالاتصال قادراً على نقل الفكرة إلى السامع بصورة حية، فكُلُّ كلمةٍ، وكلُّ جملةٍ لابدّ أن تعطَى حقها في التعبير، ووسيلة ذلك الكلمة أو الصوت الذي يمكن تلوينه بحيث يؤدّي إلى إيضاح المعنى.

والقائم بالاتصال لا يمكن أن يكون معبِّراً إلا إذا كان فاهماً، إذ لا يمكن نقلُ الفكرة أو المعنى إلى أسماع الناس وأذهانهم إلّا إذا كان المرسل نفسه قد سبر غور المعاني التي يتضمنها النص، وأحسّ وتأثر بالفكرة، ثم نقلها بحيوية متدفقة.

وبدأ مفهومُ عملية الاتصال في الإسلام منذ نزول الوحي الإلهي على رسول الله (ص) في أوّل آية بقوله تعالى في سورة العلق: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق/ 1-5).

والقراءةُ هي تلقّي المعلومة، وفهمها، والتفاعل معها تفاعلاً مناسباً يعبّر عن المضمون، ويرتبط هذا التفاعل ارتباطاً وثيقاً بمستوى الخلفية المعرفية في عملية الاتصال الذاتي.

وهذه بعض الآيات توضح بعض أنواع الاتصال؛ قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل/ 125).

وقال عزّ وجلّ: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ) (الشعراء/ 214).

وقال جلّ شأنه على لسان أنبيائه ورسله: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) (الأعراف/ 65).

فهذه الآياتُ وغيرُها تشيرُ إلى مهمة اتصالية لها عناصرها، وتتم باستخدام الترميز اللفظي وغير اللفظي لتحميل الرسالة بالمعلومات والمعاني التي توصل إلى الهدف.

فالاتصال في المفهوم الإسلامي مهارةٌ إنسانية متميزة، وهي عمليةٌ مستمرة فيها جانبان:

الأوّل: يحدثُ داخلَ الإنسان من خلال التفاعل مع الرموز والمعاني.

والثاني: يحدث من خلال تبادل تلك الرموز والمعاني مع الآخرين.

والرسالة الصادرة عن التفكير أو الواردة إليه تؤدي إلى التأثير في المواقف والأفكار والقيم، ومن ثمّ في السلوك الإنساني، وهذا ما يقصد إليه العمل الإعلامي.

والدعوة إلى الله هي أرقى عمليات الاتصال أسلوباً وهدفاً، وهي مهمة الأنبياء ثمّ أنبل بني البشر، لأنّها تحمل دلالات تتصل بمعرفة الخالق العظيم الذي يرجع إليه الأمر كلّه، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصّلت/ 33).

 

المصدر: كتاب الإعلام الإسلامي وقواعد تقويمه

ارسال التعليق

Top