مجموعة مؤلفين/ تقديم: عبدالعزيز القاسم
تعددت النظم الاقتصادية التي تسعى لمعالجة المشاكل الاقتصادية المختلفة، وتنوعت ما بين أنظمة تقيّد السوق وأنظمة تعطيه حرية كاملة، وذلك بحسب ظروف وأحداث كل دولة.
ودراسة النظم الاقتصادية عموماً تؤدي إلى الاستفادة من التجارب السابقة بتبني الجوانب الناجحة والابتعاد عن الأخطاء والسلبيات وتطوير أو تطويع ما يحتاج إلى ذلك منها.
ويمكن القول بأنّ هناك ثلاثة نظم اقتصادية معاصرة وهي:
1- النظام الرأسمالي: (اقتصاد السوق الحر)
تأخذ الدول المتقدمة والعالم الغربي بهذا النظام الذي يتسم بعد أمور أهمها:
أ- رفع يد الدولة عن النشاط الاقتصادي
حيث تترك الحكومةُ قوى السوق تعمل بحرية، وأن تتحدد الأسعار حسب العرض والطلب، حيث يترك النظام الرأسمالي أمر الإنتاج والاستهلاك للمنتج والمستهلك من دون تدخل بينهما ومن دون تحديد لنوع أو كمية الإنتاج أو لأسعار السلع. وينحصر دور الحكومة في الرقابة للتأكد من التزام الجميع بالقوانين وشروط المنافسة بين المنتجين من دون احتكار، فتكتفي الدولة بالتشريع لخدمة السوق، وبالحراسة لضمان سريان النشاط الاقتصادي وفق القوانين والقواعد العامة الملزمة.
وتسمى الحكومات في النظام الرأسمالي بالحكومة الحارسة، اشتقاقاً من وظائفها التي تنحصر في مهام الدفاع (الجيش)، والأمن (الشرطة)، والتشريع والقضاء.
ب- حرية الإنتاج والاستهلاك
من حق المنتج اختيار نوع وكميات السلع التي يريد إنتاجها دونما تدخّل من الدولة، كذلك للمستهلك الحرية الكاملة في تحديد نمط الاستهلاك ونوعيته اللذين يرغب فيهما من دون أي توجيه مباشر من قبل الدولة.
ج- حماية وتشجيع الملكية الخاصة
وهو عنصر أساسي في النظام الرأسمالي، بل يكاد يكون هو صلب النظام الرأسمالي، إذ لا يستقيم الحديث عن نظام رأسمالي من دون الحديث عن حرية الملكية الخاصة وانتقالها بين أفراد المجتمع بكل حرية وفي ظل حماية الدولة.
د- الدور الفعال لجهاز الثمن:
حيث يلعب الثمن دوراً رئيسياً في السوق وفي كشف رغبات المستهلكين في استهلاك سلعة معينة، ومن ثمّ يوضح للمنتج ما يحتاجه لتوفير السلعة في السوق عند ذلك الثمن وباتفاق كل من المنتج والمستهلك عند سعر معين، فإن هذا السعر يعمل على توجيه الموارد الاقتصادية إلى استخدام أمثل لها في السوق سواء من جهة ما ينفقه المستهلكون على شراء السلع والخدمات أو من جهة المنتجين الذين يخصصون الموارد اللازمة للإنتاج. ولعل النموذج الأمريكي والاتحاد الأوروبي يُعدّان النموذج الأبرز لتطبيق النظام الرأسمالي.
هـ- التخطيط التأشيري:
تتبع الدول الرأسمالية في توجيه النشاط الاقتصادي حتى تضمن فعالية أدائه نوعاً من التخطيط القائم على التوضيح وعرض الرؤى وإطلاق الحوافز المشجعة من دون إلزام أو تقييد، هذا التخطيط يسمى بالتخطيط التأشيري أو التوجيهي، فلو أنّ الدولة تريد زيادة إنتاج سلعة معينة كسلع التصدير مثلاً فإنها تعطي النصح لمجموعة المصدرين، أو تضع مجموعة من حوافز تشجيع السلع التصديرية من أجل تدعيمها، وذلك من دون إلزام المنتجين بإنتاجها.
2- النظام الاشتراكي: (التخطيط المركزي)
يعتمد هذا النظام على عدة ثوابت أساسية تدور حول ملكية الدولة لوسائل الإنتاج وتخطيطها للاقتصاد تخطيطاً مركزياً في ذلك إلى المبادئ الماركسية التي وضعها كارل ماركس في كتابه (رأس المال)، ويمكن التطرق لأهم الأسس التي يقوم عليها هذا النظام بشيء من التفصيل في ما يلي:
أ- الملكية العامة لوسائل الإنتاج
ويعني أنّ الملكية تكون لكل أفراد المجتمع، والدولة أو الحكومة هي التي تدير هذه الملكية وتحدد ما يجب إنتاجه، وبأي كمية، ثمّ توزّع الناتج بين الأفراد.
وفي هذا النظام لا يملك الفرد ملكية خاصة لوسائل الإنتاج والموارد الاقتصادية، والتي لا يترتب عليها أي عمليات إنتاجية، فلا يحق للفرد تملّك رأس المال حيث إنّ الفكرة الأصيلة في قلب هذا النظام أنّ النظام الرأسمالي قائم على استغلال رأس المال لقوة العمل، فالذي يملك رأس المال ووسائل الإنتاج لابدّ له من أن يستغل طبقة العمال التي لا تملك إلا قوة عملها، حيث يقوم الرأسمالي بشراء قوة عمل أفراد البروليتاريا (الطبقة الكادحة) ويوجهها لإنتاج السلع، وعلى هذا فبملكية الدولة وسائل الإنتاج تقوم بحماية البروليتاريا من استغلال رأس المال.
ب- التخطيط الاقتصادي المركزي
بأن تدير الدولة النشاط الاقتصادي من الألف إلى الياء، وتضع الخطط، وتحدد نوعية وكمية السلع المنتجة، وأن تضطلع بمهمة التصنيع والتوزيع وحدها، وأن تحدد سعر الصرف دونما اعتبار لقوى السوق الحر.
ج- انعدام دور جهاز الثمن
تقوم الحكومة بتسعير السلع والخدمات بأسعار غير حقيقة لا تعكس قيمتها أو تكلفتها، فغالباً ما تباع بأسعار متدنية من أجل تحقيق أهداف اجتماعية (الدعم) حيث تتحمل الحكومة الجزء الأكبر من ثمن السلعة كي توفرها للمواطنين بأسعار معقولة بعيداً عن السعر الحقيقي.
د- التفسير المادي للتاريخ
في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر كان يوجد تياران فلسفيان متعارضان أحدهما مثالي والآخر واقعي. وقد وقع ماركس فريسة للصراع بين المثالية والمادية، بين ما ينبغي أن يكون وبين ما هو كائن بالفعل، أي بين المثالية والواقعية. ولكن ماركس سرعان ما ابتعد عن المثالية التي ترتبط بالفكر المجرد أو المطلق وبعالم ما وراء الطبيعة، وتبنّى الفلسفة المادية، وبنى حولها نظاماً لتفسير التاريخ أطلق عليه التفسير المادي للتاريخ.
هذه الطريقة المادية في تفسير التاريخ تعني التأكيد على أن كل الأحداث والتطورات غير المادية سواء أكانت اعتقادات أم أدياناً أو فلسفات أو قواعد أخلاقية أو اجتماعية أو قانونية أو سياسية، كل هذه الأحداث والتطورات تتحدد بأحداث ذات طبيعة مادية وليس العكس.
بعبارة أخرى، إن تطور القاعدة أو الأساس المادي (الأساس الاقتصادي) هو الذي يحكم تطور العوامل والمؤسسات الذهنية والاجتماعية والسياسية وليس العكس. فالعوامل والمؤسسات غير المادية تعتبر مرآة تعكس الأساس المادي أو الاقتصادي الذي أسماه ماركس "نظام الإنتاج"، وبحسب رؤية ماركس، فإنّ الهياكل السفلية (ويقصد بها الهياكل الاقتصادية) هي التي تحدد الهياكل العلوية (ويقصد بها الهياكل التشريعة والاجتماعية والذهنية وغيرها من الهايكل غير المادية، وذلك بالرغم من وجود علاقة تفاعلية بين هاتين المجموعتين من الهياكل).
3- النظام الاقتصادي المختلط: (الاشتراكية الديمقراطية الحرة) (الطريق الثالث):
يتسم هذا النظام بجمعه بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي، حيث يوجد قطاع عام تديره الحكومة بجانب القطاع الخاص في ظل وجود مؤثر للمنتجين والمستهلكين، ولعل أهم ما يميز هذا النظام هو وضع الدولة لسياسات اقتصادية لها أثرها في السوق في ظل أثر مماثل في السوق بناء على قرارات المنتجين والمستهلكين.
ظهر هذا الاتجاه بشكل واضح في القرن العشرين حيث أخذت الاشتراكيات في أوروبا الغربية شكلاً مؤثراً، لكنها كانت بعيدة عن الاشتراكية الماركسية الثورية العنيفة التي طبقت في الاتحاد السوفياتي منذ عام 1917، وكان أكثر تركيز لها في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت الاشتراكية الديموقراطية الحرة بشكلها المعروف بعد نجاح الأحزاب السياسية الاشتراكية ووصولها إلى الحكم في أوروبا الغربية وأستراليا وكندا، وأخذت هذا المسمى تحديداً حتى لا يختلط أمرها بالاشتراكية الماركسية، حيث إنّ الاتجاه الأساسي للاشتراكية الديموقراطية الحرة هو اتجاه إصلاحي، وليس ثورياً.
ولعل أهم الأسس التي يقوم عليها هذا النظام هو محاولة إلغاء الربح الاستغلالي من النظام الاقتصادي بزيادة التدخل الحكومي تدريجياً، كذلك الجمع بين الحرية والتخطيط؛ بمعنى وجود خطة تستخدم في التوجيهات العامة للاقتصاد الوطني، وتتولى تخطيط الإنتاج وتوجيه توزيع الاستثمارات من دون أن تؤثر هذه الخطة في حرية التصرف الفردية في المجالات كافة.
المصدر: كتاب في الاجتماع السياسي والتنمية والاقتصاد وفقه الإصلاح
ارسال التعليق