ينبغي علينا أن نفعل في حياتنا نصوص الوحي التي تدعونا إلى العفو والتسامح والمصالحة الاجتماعية والتواصل الإنساني والرحمة ببني البشر، كما قال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران/ 134) ويبدأ هذا التسامح بالتسامح مع النفس، فلا نرهقها بحمل الأحقاد والضغائن، ولا نعذبها بالكراهية والعدوانية، بل نغرس فيها شجرة الرحمة والمحبة والإيمان والسلام، ونتسامح مع والدينا وقرابتنا وأهلنا وذوينا، فنصل ما أمر الله بوصله، ونرعاهم بالبر، ونحوطهم بالرفق والرعاية، ونعفو عن زلاتهم، ونتحمّل أذيتهم، ونتسامح مع أبناء مجتمعنا، حتى إذا أخطأوا أو أذنبوا أرشدناهم برفق، ونصحناهم بلين معتقدين أنّنا مثلهم، يقع منا ما يقع منهم، وعلينا أن نرسل للعالم رسالة التسامح وتقديم رسالتنا في حلة السلام، والحرص على نجاتهم وفلاحهم ليأمنوا جانبنا، فنحن وإياهم نعيش على كوكب واحد، وبيننا مصالح مشتركة، ومنافع متداخلة، ويربطنا بهم حقّ الإنسان على الإنسان، وواجب البشر تجاه البشر، فيحسن بنا أن نريهم الوجه الجميل للإسلام البريء من العنف والفظاظة والغلظة والاحتقار والكبت والقهر، لأنّ الله أمرنا بالحكمة في الدعوة واللين في الخطاب والرفق في المعاملة مع حسن الحوار، بل نهانا عن الإرهاب الفكري، والسيطرة على العقول بالقوة، فقال تعالى: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية/ 22) وقال تعالى: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس/ 99)، فالإقناع والحوار والحجة هي طريقنا الصحيح لتقديم رسالتنا وعرض مبادئنا.
إنّ العالم لن ينصت لنا إذا فهم منا أنّنا نريد الاستيلاء على مقدراته، وسلب حقوقه والانتقام منه وتهديد حياته وتخويفه، بل علينا قبل أن نقدم له الحقيقة الناصعة والحجة البينة عن ديننا، أن نجعله يشعر بحرصنا على حياته ونجاحه وسعادته، فإنّ الرسول (ص) أتى لإسعاد البشرية لا لشقاوتهم، ولنجاة الناس لا لهلاكهم، ولسلامتهم وحرمة نفوسهم المعصومة، لا لإزهاق أرواحهم إلّا بحقها الشرعي، بل صرّح (ص) يوم الحج الأكبر بكلمته الناصعة الساطعة الموحية المؤثرة، حيث قال: «ألا إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا»، كيف يقتنع العالم بدعوتنا، ويدخلون ديننا وهم يرون بعضنا يحملون عليهم في أوطاننا سلاح التهديد والوعيد، وهم عزل من السلاح لم يأتوا لمقاتلتنا ولا لحربنا، وإنما أتوا لمصالح إنسانية ومنافع مشتركة وتعاون دنيوي.
لقد جرّب الحكماء منّا دعوتهم باللين والرفق إلى الإسلام فدخلوا في دين الله أفواجاً، بخلاف مَن لم يسلك طريق الدعوة ولا الحكمة ولا الحجة الصحيحة، وإنما استخدم أسلوب الخطف والسلب والنهب والإرغام والإكراه، فلم يحصل له ثواب ولا نصر، حيث لم يظفر بإسلامهم واعتناقهم الدين، ولم يحقق ما يظنه نصراً جديداً وفتحاً مبيناً، بل قدّم للعالم رسالة خاطئة مفادها أنّنا نتربص بالبشر وننتظر غفلتهم ونتحين الفرصة على الانقضاض عليهم، ونرفض التعايش معهم، بل نهدد حياتهم ومستقبلهم، حينها يعدون العدة للاقتصاص والانتقام، وهم في عالم الدنيا أكثر عدداً وأقوى عدة وعتاداً وأمضى سلاحاً، ونحن لضعف تمسكنا بديننا نعيش الضعف مع قلة الاستعداد، وتفرّق الكلمة، وشتات الشمل، والبدائية في الحضارة المادّية، لماذا ندعو العالم إلى المنازلة والمصاولة؟ ولماذا نخرج الحيات من جحورها والثعابين من بيوتها ثم نعجز عن قتالها؟ إنّ مَن يقوم ببناء المساجد والمراكز الإسلامية ونشر الكتب والقنوات الفضائية، وإقناع العالم بالحكمة والبرهان والموعظة الحسنة، لهو أفيد للإسلام والمسلمين مليون مرة ممن شهر السلاح على المعاهدين والمستأمنين، وأخذ يطلق خطاب الوعيد والتهديد واللعن والشتم، فهو زعلان وطفشان وزهقان وغضبان من العالم ومن نفسه ومن الغير ومن الأخ ومن الآخر ومن الماء ومن الهواء، لنقص حظه من العلم والمعرفة ولضيق نفسه عن أن يعيش الأمن والسلام والمحبة للناس، والتواصل مع بني البشر ورحمة الإنسان بالإنسان، فهل آن لنا أن نمد يد الصلح والتسامح، وأن نقدم بطاقة التعارف والتواصل لينصت العالم لدعوتنا؟
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق