• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حرية المرأة مرتبطة بوعيها الإيماني

العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله

حرية المرأة مرتبطة بوعيها الإيماني

   لعلَّ شعارَ تحرير المرأة، في طبيعته، ناشئٌ من الواقع السيِّئ الذي كانت المرأة تعيشه، في أجواء التقاليد والعادات المتخلِّفة التي تضطهدُ إنسانيتها وتعاملها كما لو كانت مجرد شيء من أشياء الرجل التي صُنعت للاستمتاع، من دون أن يكون لها أيّ دور فاعلٍ في الحياة.

حتى الأمومة التي هي رسالتها في مضمونها الإنساني، لا ينظر إليها، من قبلَ المجتمع المتخلِّف، إلا في دائرة الخدمة التي تؤدِّيها لأولادها بعيداً عن عملية التوعية والتربية والتوجيه لأنّ مسألة تعلُّم المرأة ليست واردة في حسابهم، باعتبار أنّ ذلك ليس حاجة، في علاقتها بالزّوج والولد والبيت.

وهكذا تمتدُّ المسألة، في هذا التقليد الاجتماعي، لترى في تشريع الحجاب أساساً لإبعادها عن كلِّ أجواء العمل المادي، والنشاط الاجتماعي والموقف السياسي، والثقافة العامة، لأنّ الحجاب، كما يقولون يشمل المعنى الداخلي، والمضمون الحركي للشخصية، كما يشمل الجانب المتَّصل بتغطية الجسد.

كلُّ ذلك أعطى للواقع، في حركة المرأة في الحياة، معنى الإنسان المقهور المُستَعبد الذي لا يعيش حركية إنسانيته، واستقلال إرادته بل هو مجرّد ظل للآخرين، وصدىً لأصواتهم، وأداة استهلاكية لحاجاتهم وغرائزهم؛ الأمر الذي جعل القضية تنطلق في معنى الثورة، ومضمون التحرير، لاتّصالها بالتغيير الذي يختزنُ في داخله حركة حريّة الإنسان ليكونَ تحريرُ المرأة جزءاً من تحرير الإنسان في الجوانب الذي تُضْطهَد فيها إنسانيته، لتعود المرأةُ إنساناً صاحب رسالة، ومخلوقاً متعدِّد الأبعاد، يتحرّك في عقله وعاطفته وإرادته وطاقاته، ليضيف إلى الحياة شيئاً جديداً.

أمّا خصومُ الحرِّية، فإنّهم يرون فيها إفساداً للمرأة، لأنّه يؤدّي بها إلى الدخول إلى المجتمع من الباب الواسع الذي يمكن أن ينفذ الرجل منه لتضليلها واستغلالها بشكل أوسع، لغرائزه وشهواته. وهذا ما نلاحظه في الواقع الذي عاشته المرأة، في المضمون الفكري الاجتماعي للحضارة الغربية الذي أدخل المرأة في جوّ جديد للاستهلاك الغريزي، ولكن بصورةٍ عصريّةٍ إيحائية توحي للمرأة بأنها تمارس حرّيتها، عندما تمارس خضوعها لغرائز الرجال بأساليبهم المتعددة.

وهكذا يرى هؤلاء أنّ ما حصلت عليه المرأة من فرص للعمل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لم يحلّ مشكلة الإنسان، بل زادها تعقيداً، لأنّها أخذت دورها في ذلك على حساب دور الرجل، الذي فقد فرصة العمل في أكثر من موقع فزادت نسبة البطالة لديه. كما أنها زادت أعباء المرأة التي لم تتخل عن دور الزوجة في مسؤولياتها، والأمومة في مشاكلها ومتاعبها.. أما المرأة التي تخلّت عن الأمومة في طبيعتها، أو في دورها، فقد خلقت لنفسها مشكلة الفراغ النفسي الذي تطوف العقد النفسية في داخله، كما خلقت للمجتمع أكثر من مشكلة.

وهكذا يرى هؤلاء أنّ رسالة الأمومة، ومهمّة الزوجية، وقيمة العفة قد خسرت الكثير بسبب حرية المرأة، بينما لم تحصل المرأة، ولا الإنسانية، على المقابل من ذلك، في ثروة الحياة الروحية والمادية.

ولكنّ القضية ليست بالصورة القاتمة التي يصوُّرها هؤلاء، لأنّ دور الأمومة في المرأة يقابلُه دور الأبوة في الرجل، فإذا كان دور الأبوّة لا يلغي للرَّجل أدواره الأخرى في حركة الحياة، من خلال البعد الإنساني الواسع في شخصيته فكيف يكونُ من الضروري أن يلغي دورُ الأمومة للمرأة أدوارها الأخرى المتصلة بإنسانيتها وإذا كانت الأمومة أكثر تعقيداً من الأبوة لصلتها بالجانب الجسدي العضوي من وجودها، بينما تتصل الأبوة بالجانب الخارجي من وجوده، فإنّ ذلك لا يلغي طبيعة الدور مهما كانت طبيعته ودرجة خطورته، وهكذا هي النّظرة في مهمة الزوجية التي لا تلغي دور الإنسان في المهمة الإنسانية الملقاة على عاتقها.

أمّا قيمة العفّة، فإنّ الضوابط الإسلامية لحدود الحرية كفيلة بإبقاءِ المسألة الأخلاقية في الدائرة المضبوطة في مجال الإرادة الإيمانية للمرأة المؤمنة، تماماً  كأية امرأة خاضعة لحركة القيمة في وعيها الإيماني وشخصيَّتها الفاعلة.

إنّ المشكلة، في الكثيرين من دعاة الحرية وخصومها، أنّهم ينطلقون من ملاحظاتٍ سريعةٍ في الواقع، ومن دراسة نماذج معيّنة للإنسان، ومن سطحية في مواجهة المشكلة والحلّ؛ الأمر الذي يجعلهم يستعجلون الحكم على الأشياء: إيجاباً أو سلباً في آفاق المطلق الغارق في الضباب.

ولذلك، لابدّ من التوقُّف أمام شعار حرية المرأة، لنطرح السؤال الكبير: ما هي الأمور، أو الأوضاع، التي ينبغي للمرأة أن تتحرر منها؟

وما هو مفهوم الإسلام للحرية مقارناً بمفهوم دعاة حرية المرأة للحرية؟

وهل تقف حرية الإنسان في حدود معينة تتقاطع فيها مصالحه وقضاياه وأهدافه؟ أو أنها تتحرك في اتجاه المطلق من دون حدود أو قيود؟

وللجواب عن ذلك لابدّ من أن ندرس قضية الحرية في بُعدها المطلق الذي لا يقف فيه الإنسان عند حدّ معين في نزواته وشهواته وأطماعه ومشاريعه الخاصة والعامة، بحيث تكون القضيّة في الحياة قضية واقعه الفردي، كما لو لم يكن في الوجود غيره، فلا مشكلة لديه إذا كانت حريته تضغط على حرية الآخرين أو تلغيها.

لعلّ من الطبيعي أن يكون الحديثُ عن الحرية المطلقة حديثاً غير ذي موضوع لأنّها تمثِّل الفوضى في النظام الكوني، عندما تتعارض حركتها لدى الناس فتؤدي إلى التنازع والتقاتل في ما بينهم، وتكون النتيجة إلغاء بعضهم لبعض.. حتى الإنسان الفرد الذي يمارسُ حرِّيته من دون قيود، فقد تصطدمُ حرِّيته، في موقع بالحرية في موقع آخر، الأمر الذي يفرض عليه اختيار أحدهما، انطلاقاً من المصلحة الأهمّ في هذا الأمر أو ذاك، فيؤدِّي ذلك إلى تحديد المساحة والحركة والموقف.

وفي ضوء ذلك، لابدّ من وضع الضوابط العملية التي تجعل من الحرية حركةً واقعية في المصلحة العليا للإنسان على مستوى الفرد، في ما يحمي له سلامة حياته وتوازنها في حركة الروح والجسد، وعلى مستوى الجماعة في الساحة المفتوحة على تنوّعات المجتمع في المجال الضيق والواسع، الأمر الذي ينظّم للمجتمع نظامه المدني الذي تتوازن فيه حاجاته وقضاياه، وتتحرك فيه وسائله وأهدافه، في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، بحيث يجد فيه كلُّ فردٍ حاجته التي تتكامل مع حاجات الآخرين، ليقدم تنازلاً من بعض حدود حاجاته، للآخر بدلاً من الدخول في صراع الذاتية المتحركة نحو إلغاء الآخر، مما يؤدي إلى خراب الحياة وسقوطها في ساحة التنازع والتقاتل.

وقد لا تحتاج إلى المزيد من الدُّخول في التفاصيل المتعلّقة بهذا الموضوع لأنّ الإنسانية، في كلِّ حركتها، تنطلق من السعي نحو إيجاد النظام المتوازن الذي يكفل لكلِّ إنسانٍ حاجته في حدود الحاجات العامّة للمجتمع.

ومن الطبيعي أن تكون للحرية حدودها الأخلاقية من خلال الفلسفة الإنسانية في عمق المصلحة العامة للإنسان.

فهناك الفلسفة المادية التي تتحدَّث عن الحرية الفردية بطريقةٍ تشبه المطلق، فلا تضع لها حدوداً إلا في المدى الذي تتحوّل فيه إلى حالةٍ عدوانيةٍ ضد الآخر، فللإنسان الذكر والأنثى، الحقُّ في ممارسة حريته في حدود حياته الشخصية، من دون حدود خاصة مفروضةٍ عليه من جهة عليا – أياً  كانت طبيعته – إلّا في نطاق النظام العام الذي يفرضه القانون المدني، في حدود الحريات العامة.

ولكن بعض الناس – من الخاضعين لهذه الفلسفة – قد ينتقدون واضعي القانون في فرض هذه القيود، لأنّها ترهق الإنسان، وتصادر إنسانيته.

وقد يجمع الخيالُ ببعض الشعراء في استغراقهم في الذات في أجواء المطلق فلا يجدون أيّ عذرٍ لتقييد الحرية، تماماً كما هي الحال عندما نفكر بحبس الهواء الذي يتنفَّسه الناس، أو الضوء الذي تشرق به الحياة.. حتى أنّ هؤلاء قد يجدون في القانون تهديداً للحرية بحيث يفكِرون بأنّ على الحياة ألا تخضع للقانون في المطلق.

وهناك الفلسفة الدِّينية التي تضع الإنسان في صورته الطبيعية الواقعية، فهو مخلوق لله بكل وجوده وبكلِّ طاقاته، وهو جزء من الكون من حيث طبيعة التفاعل العضوي بينه وبين مفرداته التكوينية والاجتماعية فهو عنصر فاعلٌ في الحياة ومنفعل بها، لا يملك أن ينفصل عنه كما لا تملك الانفصال عنها – في ساحة الوجود الحيّ في داخله وفي ساحاتها، ولذلك فإنّ حركته جزءٌ من حركة النظام الكوني.

وهو – من خلال ذلك – عبد لله خاضع لأوامره ونواهيه التي لن تكون ضدّ مصلحته الفردية والجماعة في مستوى إنسانيته، لأنها جزءٌ من نظام التوازن الذي أقام الله عليه الحياة، وأراد للإنسان أن يطبقه على نفسه وعلى الكون من حوله. وهكذا كان النِّظام الأخلاقي خطاً طويلاً ممتداً في كلِّ مفاصل وجوده، وفي كلِّ دروبه المنفتحة على الله وعلى الإنسان وفي الآفاق المنفتحة على حاجاته الجسدية والروحية، باعتباره مزيجاً من الروح والمادة في سرّ وجوده العميق.

وهكذا كانت المسألة الأخلاقية هي التي تنظِّم له حركة حريته، لتوازن له حياته العامّة والخاصّة، فليست القضية قضية مزاج ذاتي، ولا خيالات ضائعة في المطلق، بل هي قضية واقعٍ محدود بحدود المصلحة العليا التي حددها خالق الإنسان للإنسان.

وبذلك لن تكون هذه الحدود الموضوعة للحرية حالة مأساوية للإنسان الخاضع لها، لأنّ المأساة ليست مجرد حالة شعورية في الإحساس بل هي حالة عملية في الواقع، فهي مسألة نسبية في الحياة فلابدّ للإنسان من أن يعاني مثل هذه الأحاسيس الذاتية المأساوية عندما تصطدم حريته بحرية الآخرين، فلا مشكلة – من هذه الجهة – عندما تعيش حالة التصادم بين الجانب الفردي والاجتماعي في المسألة الأخلاقية التي هي سرّ مصلحة الإنسان.

وفي هذا المجال، نلاحظ أنّ الإسلام قد وضع قيوداً أخلاقيةً شرعيةً في المسألة الجنسية للرجل والمرأة معاً، فاعتبر الزواج هو المتنفّس الطبيعي للغريزة، وحرّم كل العناوين الأخرى، لأنّ الفوضى الجنسية قد تحلّ للإنسان مشكلته في نطاقه الذاتي من جهةٍ معينة، ولكنا تعقّد له المشكلة من جهةٍ أخرى، كما تخلق له مشاكل أخرى في موقع آخر.

وإذا كان الإسلام قد أعطى الرجل مساحةً أكبر في اتباع غريزته من خلال الزواج المتعدد، فإنّ ذلك لم يكن تمييزاً تعسفياً بين الرجل والمرأة بل كان منطلقاً من خصوصية الغريزة المتنوِّعة بين الرجل والمرأة بشكل عام.

ومن خصوصيّة النظام الأبوي الذي يتصل به موضوع النسب على أساس المسألة الطبيعية التي تربط الشجرة بالبذرة لا بالأرض التي تنبت فيها، والمسألة الاجتماعية في التنظيم العام المتحرك الذي يخضع له المجتمع الإنساني في حركة المسؤولية المباشرة.

وفي هذه الأجواء التي تضع للغريزة الجنسية نظاماً وترسمُ للعلاقة بين الرجل والمرأة حدوداً، لابدّ من وضع الضوابط العملية في تطويق عمليات الإثارة ومحاصرة انفعالات الإنحراف. لذلك كان الحجاب هو النظام الإسلامي للزيّ الذي تظهر به المرأة أمام الرجال الأجانب، باعتبارها الإنسان الرمز للإثارة في التاريخ الشعوري في انفعال الرجل بالمرأة، مما يفرض عليها الاحتراز عن التحرُّك أمامه بالصفة الأنثوية المثيرة لغرائزه ليكون البديل عن ذلك أن تتحرك بصفتها الإنسانية المثيرة لاحترامه.

ولم يجعل الإسلام الحجاب في هذه الدائرة سجناً لأنوثة المرأة لأنّ لها الحقّ في أن تعبر عن مظاهر الأنوثة في الزيّ أو في الزينة في المجتمع النسائي، وفي دائرة محارمها من الرجال، وفي البيت الزوجي الذي جعل لها كلّ الحرية في التعبير عن كلِّ عمق الأنوثة الجسدية مع زوجها، من دون أيّ قيدٍ، الأمر الذي يملأ فراغها العاطفي، في منطقة الإحساس العميق بشخصيتها الخاصة كامرأة في خصوصيتها الغريزية.

وقد نلاحظ أنّ المرأة لا تجد في حرية أنوثتها في الجوّ الاجتماعي الملتهب بعناصر الإثارة، أي طموح ذاتي يرضي إنسانيتها، أو يحقق لها الاستقرار النفسي لا سيّما أنها تعيش الإحساس بأنّ نظرات الإعجاب بجمالها لا تختزن الانفعال بالجمال كقيمة شعورية جمالية، بل تحمل في داخلها جوع الغريزة واستهلاك الشهوة تماماً  كأيّ طعام وشراب يستهلكه الإنسان من دون أن يمثِّل أي معنىً للقيمة الحياتية.

ولذلك، فإنّ الزهو الأنثوي الذي تعيشه الفتاة، أو المرأة من خلال النظرات الشهوية قد يثير فيها بعض الانفعال الذاتي بالفخر والرضا. ولكنها عندما تتحرّك في خط التجربة التي تلحقها فيها الكلمات اللاهبة، والمشاعر الجائعة، وتحاصرها فيها الأوضاع الشاذة فإنها تجد في نفسها أكثر من مشكلةٍ تشعر معها بالحرج والخجل فتدفعها إلى الهروب، أو تخلق لها أكثر من عقدةٍ نفسيةٍ متأزمةٍ.

وهكذا نرى أنّ الإسلام لم يخنق في المرأة أنوثتها، ولم يسجن لها غريزتها، ولم يقيد حريتها، بل جعلها في الدائرة التي تتوازن فيها المسألة الذاتية والمسألة الأخلاقية والاجتماعية في نطاق الحالة الخاصة والعامة للإنسان الفرد – والمجتمع في نطاق الإيمان بالله والوقوف عند حدوده التي هي حدود المصلحة العليا للإنسان.

وقد أثرنا – فيما يأتي في حديث – بعض الأحاديث عن الفكرة التي تقول: إنّ الحجاب يعطّل طاقة المرأة عن الانفتاح على المسؤولية المتنوِّعة في الحياة العامة، لأنّه يعزلها عن المجتمع من خلال الموقف السلبي من الاختلاط، والحدود المتزمتة للزيّ المحتشم.

وقلنا، هناك، إنّه بإمكان المرأة أن تمارس كلّ حركتها في ذاتها كإنسان، من خلال حركة العلم في شخصيتها إلى أبعد الآفاق ومن خلال حركة النشاط العملي والسياسي والاجتماعي في الدائرة الأخلاقية التي جعلها الله مشتركة بينها وبين الرجل مع ملاحظة خصوصيتها كامرأة في مقابل خصوصيته كرجل.

لأنّ الاختلاط المحرم هو الاختلاط الذي يؤدي من خلال ظروفه الموضوعية إلى الانحراف، فليس من اختلاط محرّماً، كما أنّ الحجاب لا يعني تغطية المرأة لوجهها بل يعني ستر الجسد ما عدا الوجه والكفين على أساس قوله تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور/ 31).

وتبقى المرأة إنساناً مستقلاً عن الرجل في شخصيتها الإنسانية في داخل الحياة الزوجية وخارجها، من دون أن يكون له أية سلطة عليها في هذا المجال، فيما عدا بعض الحدود التي تفرضها طبيعة المسؤوليات التي تفرضها طبيعةُ التَّنظيم الإسلامي للحياة الزوجية في توزيع الأدوار وتنويع الخصوصيات، مع ملاحظة مهمة، وهي وجود بعض الشروط المعتبرة في ما يمكن للمرأة أن تتجاوز – من خلالها – بعض السلبيات الخاصة في مسألة اعتبار الطلاق بيد الرجل، مما لا يخلو منه أيّ تشريع بنسبةٍ معينّة.

إنّ الفرق بين الإسلام في مجتمعه الإسلامي الذي يريد أن يصنعه للإنسان الرجل والمرأة، وبين الانحراف في المجتمع الرأسمالي، هو أنّ الإسلام يريد الارتفاع بالمرأة والرجل ليعيش كلُّ منهما إنسانيته بوصفه إنساناً مستقلاً، في روحه وجسده، بينما يعمل المجتمع الرأسمالي على تحويل المرأة إلى سلعة للاستهلاك الإعلامي، والابتذال الجنسي في صورة الإثارة، الأمر الذي يجعلها مادة رخيصة للإعلان بدلاً من أن تكون عنصراً محترماً للإنسان.

وخلاصة الفكرة، أنّ الحرية المسؤولة هي التي تلتقي بالمعنى الإنساني للإنسان في حركة أبعاده المتنوعة التي تتوازن فيها الخصائص والأدوار في النطاق الفردي والاجتماعي، وليست هي التي تلتقي بالأهواء الذاتية التي تستغرق الإنسان في شهواته وغرائزه ومزاجياته بعيداً عن مسؤولياته في واقع الحياة من خلال حاجة الوجود إليه.

 

المصدر: كتاب تأملات إسلامية حول المرأة

ارسال التعليق

Top