• ١٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«الورع» أعلى درجات التقوى

أ. أحمد عزالدين البيانوني

«الورع» أعلى درجات التقوى

أعلى درجات التقوى الورع، وهو ترك الشبهات.

عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، أنّه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول:

"إنّ الحلال بيّن، وإنّ الحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهنّ كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإنّ لكلِّ ملك حمى، ألا وإنّ حمى الله محارمه، ألا وإنّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب"[1].

وعن أنس (رض)، أنّ النبي (ص) وجد تمرة في الطريق فقال:

"لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها"[2].

وعن عقبة بن الحارث رضي الله عنه، أنّه تزوج ابنةً لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة، فقالت:

إني قد أرضعت عقبة، والتي قد تزوج بها.

فقال عقبة: ما أعلم أنك أرضعتيني، ولا أخبرتيني.

فركب – أي من مكة – إلى رسول الله (ص) بالمدينة، فسأله، فقال رسول الله (ص):

"كيف وقد قيل؟"

ففارقها عقبة، ونكحت زوجاً غيره[3].

وعن الحسن بن عليّ (ع) أنّه قال:

حفظت من رسول الله (ص): "دع ما يَريبك إلى ما لا يريبك"[4].

معناه: اترك ما تشُك فيه، وخذ ما لا تشك فيه.

وقال رسول الله (ص):

"لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين، حتى يدع ما لا بأس به، حذراً مما به بأس"[5].

ودخل الحسن البصري (رض) مكة، فرأى غلاماً من أولاد عليّ بن أبي طالب (ع)، قد أسند ظهره إلى الكعبة يعظ الناس.

فقال له الحسن: ما ملاك الدين؟

قال: الورع.

قال: فما آفة الدين؟

قال: الطمع.

فتعجب الحسن من صحة مقاله، وسرعة جوابه!

وبقدر ما يحاسب العبد نفسه، ويحملها على الورع، يهتدي إلى دقائق عجيبة فيه.

 

كيف اهتدى الورعون إلى دقائق الورع:

ربَّ قائل يقول: كيف اهتدى أهل الورع إلى هذا الورع الدقيق، في أمثال هذه الأمور البعيدة عن الأذهان، والتي لا تخطر على البال.

فأقول: إنّ الذي يعيش في الحرام والشبهات، كالذي يعيش في ظلام، والقائم في ظلمة لا يرى مما حوله شيئاً.

والموفقون إلى التقوى والورع، يعيشون في نور تقواهم، وسناء ورعهم، فيبصرون بهذا النور ما لا يبصره الأعمى، أو البصير إذا كان في ظلمة.

أو كمن هو في حفرة ضيقة، ولا يمتد نظره فيما إلى أفق بعيد، بل هو محصور في دائرة هذه الحفرة الضيقة، فإذا ارتقى منها، اتسعت دائرة ما يقع بصره عليه، وهكذا حتى إذا كان على جبل شاهق، أو منارة عالية، رأى الآفاق البعيدة، التي لا يسموا إليها نظر الذي يقيم في منخفض.

والأتقياء الورعون، اهتدوا في سمو تقواهم، ورفعة ورعهم، إلى هذه الدقائق العجيبة في الورع، التي لا تخطر على بال الذين انغمسوا في الحرام، أو هاموا على وجوههم في أودية الشبهات.

 الهوامش:


[1]- رواه البخاري ومسلم.

[2]- رواه البخاري ومسلم.

[3]- رواه البخاري.

[4]- رواه البخاري.

[5]- رواه الترمذي.

ارسال التعليق

Top