• ٣ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الخطاب الإسلامي وأثره في فهم الغرب للإسلام

نايف محمد المتيوتي

الخطاب الإسلامي وأثره في فهم الغرب للإسلام
◄الخطاب هو الكلام الصادر من شخص يمثل نفسه أو يمثل جهة أو فئة أو جماعة دينية أو قومية أو عرقية معيّنة... ومن ثم فإنّ الخطاب الإسلامي الصادر من العلماء والدعاة المسلمين بمذاهبهم وتياراتهم وانتماءاتهم الفكرية المختلفة مثّل في أغلب الأحيان وجهة نظر الجماعة التي ينتمي إليها كل منهم، أو بالأحرى الخلفية الفكرية التي ينتمون إليها وإن كان الخطاب بمظهره الخارجي يمثل وجهة النظر الإسلامية بشكل عام أو هكذا يدعي أصحابه. والمشكلة التي واجهت الخطاب الإسلامي في العقود الأخيرة هي عدم التمييز بين الخطاب الداخلي والخطاب الخارجي، أي الخطاب الموجه للمسلمين والخطاب الموجه لغير المسلمين، ففي أغلب الأحيان كان الخطاب الإسلامي الذي يوجه لعامة المسلمين غايته نصرة مذهب أو تيار فكري معيّن على حساب الآخر، وهو الخطاب نفسه الذي يوجه لغير المسلمين وهذا خطأ كبير وقع فيه معظم الدعاة المسلمين مما أدى إلى نقل صورة غير واضحة للإسلام في ذهن الإنسان غير المسلم ولا سيما في الغرب وكأنّه يستمع إلى خطاب لأديان عدة وليس لدين واحد. والذي أسهم في تشتيت الخطاب الإسلامي في مفهوم غير المسلمين – وأخطر مافية – هو تبعية بعضه للخطاب السياسي الحكومي الرسمي في كل دولة، أي الخطاب الصادر من علماء السلطة، ويمثل وجهة نظر الحكومة التي ينتمي إليها هؤلاء العلماء، بمعنى آخر توظيف الدين لأغراض سياسية قد تكون اتخذت أصلاً ضد الدين نفسه، أو في غير صالحة على أقل تقدير... هذا التذبذب في الخطاب الإسلامي يتلقفه الباحثون ورجال الدين والساسة والمثقفون والإعلاميون الغربيون من أجل إيصاله وبشكل أكثر تشويهاً إلى عامة الناس في مجتمعاتهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة لقطع الطريق على من في نيته التعاطف مع الإسلام أو الدخول فيه.. كما أنّه سهل عليهم اختراق بعض التيارات الإسلامية من الداخل واستخدامها في مواجهة التيارات الأخرى. زد على ذلك أن تشتت الخطاب الإسلامي – وتضاربه في بعض الأحيان – قد أوقع المسلمين الموجودين في دول الغرب في موقف محرج أيضاً لأنّه شتت جهودهم في الدعوة إلى الإسلام، واضطروا إلى التخندق حسب التيارات التي نيتمي إليها كل منهم، وعلى ذلك أصبح هناك تكتلات إسلامية متعددة داخل المجتمع الغربي، وبشكل عام يمكن تقسيم الخطاب الإسلامي وفق الاتجاهات الرئيسة الآتية: 1- خطاب يُعنى بالجانب الفكري والتشريعي ويركز على أمور العقائد والعبادات. 2- خطاب يُعنى بالجانب السياسي ويركز على أمور السلطة والحكم. 3- خطاب يُعنى بالجانب الجهادي ويركز على أمور مجاهدة الكفار واستخدام السلاح لنصرة المسلمين. 4- خطاب يُعنى بالجانب الاجتماعي ويركز على الأمور الاجتماعية في التشريع الإسلامي. ومع إيماننا بأنّ الإسلام يشمل هذه الجوانب جميعاً إلا أنّ بعض التيارات الإسلامية ارتأت تقديم جانب على آخر وكل لديه منهجه وأسبابه وحججه في ذلك، ومن ثمّ فقد انقسم الخطاب الإسلامي حسب الرؤى الفكرية لكل تيار، والمشكلة التي وقع فيها الخطاب الإسلامي هي الانحسار الفكري لكل تيار في حدوده الضيقة محاولاً إبراز نفسه على التيارات الأخرى وجعل الحق معه والإشارة إلى أخطاء الآخرين بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ولأنّ الغرب ساسة وإعلاميين قد وظفوا هذا النوع من الخطاب من أجل تشويه صورة الإسلام بإتهامه بالإرهاب – هذا المصطلح الذي تطور عن مصطلحات سابقة وُصِف بها المسلمين بشكل أو بآخر متشددين أصوليين متطرفين... – وقد نجح هؤلاء فعلاً في إلصاق التهمة بالمسلمين بشكل عام والعرب بشكل خاص حتى أصبحوا في نظر العالم أنهم الخطر الذي يهدد البشرية، يقول الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون في كتابه الأخير انتهاز الفرصة ليس لأمة في العالم ولا حتى الصين صورة سلبية في الضمير الأمريكي مثل صورة العالم الإسلامي[1]. ولتحسين هذه الصورة ظهر في السنوات الأخيرة خطاباً إسلامياً باتجاه معاكس – إن جاز التعبير – يؤكد على الجوانب الاجتماعية والمدنية في التشريع الإسلامي ولا يتطرق إلى قضايا الجهاد والقتال، وذلك بالحديث عن حقوق المرأة والطفل والرفق بالحيوان وما شاكل ذلك في محاولة لتغيير فكرة المواطن غير المسلم – ولا سيما في الغرب – عن الإسلام والمسلمين. ولما كان أكثر انتقاد الغرب في هذا الجانب للمسلمين هو عن حقوق المرأة السياسية فقد بالغ دعاة هذا الخطاب في التركيز على هذه المسألة على حساب المسائل الأخرى.. وفي الحقيقة إنّ الجوانب الاجتماعية ربما تكون أكثر تأثيراً في المجتمع الغربي فيما لو وصلت إليه بصورة صحيحة ومتكاملة لا سيما في المسائل التي يفتقدها ذلك المجتمع كعلاقة الزوج بالزوجة ووفاء كل منهما للآخر ودور المرأة في تربية الأطفال وبر الوالدين وصلة الرحم وغيرها من الأمور، وقد قامت بعض الجاليات العربية في الغرب ببعض النشاطات في هذا المجال وحققت نجاحات كبيرة فعلى سبيل المثال ما قامت به إحدى المثقفات المسلمات في الولايات المتحدة بإلقاء محاضرة عامة عن كيفية محافظة المرأة على أطفالها ولا سيما الفتيات وذلك بتعليمهنّ الحفاظ على أنفسهنّ من الانحراف ومراقبتهنّ على ذلك وقد نالت المحاضرة إعجاب من حضرها من النساء الأمريكيات وطلبن من المُحاضِرة المزيد من المعلومات في هذا الجانب[2]. ومع أننا نؤيد ونشجع هذه الجهود إلا أننا نتمنى أن تستغل مثل هذه اللقاءات لإعطاء صورة متكاملة عن الإسلام لا سيما مع عامة الناس الذين يجهلون الكثير عنه أو يعتمدون في معلوماتهم على وسائل الإعلام المسيسة والموظفة ضد الإسلام. وفي مقال لإدوارد سعيد في جريدة الغارديان البريطانية بتاريخ 2/ 8/ 2003 يقول: كنت أتمنّى أن أقول إنّ الفهم العام للشرق الأوسط وللعرب وللإسلام في أمريكا قد تحسن بعد 11/ 9 ولكن في الحقيقة لم يتحسن بل إنّ رفوف المكتبات الأمريكية امتلأت بكتب عن الإسلام ولكنها كتب سيئة مليئة بعناوين رئيسية صارخة عن الإسلام والإرهاب والتهديد العربي والخطر الإسلامي[3]. ولا أدري كيف يتوقع كاتب مثل إدوارد سعيد أنّ صورة العرب والمسلمين ستتحسن في أمريكا بعد أحداث 11 أيلول ومعظمنا يعلم أنّ أمريكا كانت تنتظر الفرصة للتشهير بعدائها للمسلمين عموماً والعرب منهم بشكل خاص، وإلا فالمخططات الأمريكية ضد العرب والمسلمين قديمة وليست مخفية على أحد ممن يهتم بهذه الأمور، ولكن على العموم فإن دل كلامه على شيء فإنما يدل على وجود حملة كبيرة منظمة ومدعومة من أجل تشويه صورة الإسلام والمسلمين ليس في أمريكا فحسب ولكن في العالم أجمع، لا سيما إنّ عوام الناس في البلدان غير الإسلامية يجهلون الكثير عن الإسلام إن لم نقل لا يعرفون عنه شيئاً، وربما يعود السبب في ذلك لعدم توفر الإمكانيات اللازمة والدعم للدعاة المسلمين وقصور في عمل وسائل الإعلام الإسلامية والعربية، ففي استطلاع عن الإسلام قامت به صحيفة دلي تلغراف البريطانية بعد أحداث 11 أيلول كانت النتيجة 17% فقط يعرفون شيئاً عن الإسلام في حين اعترف 83% من المشاركين بأنهم لا يعرفون إلا القليل عن الإسلام أو يجهلونه تماماً[4]. والأمر لا يقتصر على المجتمع الغربي فحسب فالنتيجة لا تختلف كثيراً في بلدان الشرق غير الإسلامية أيضاً، ففي استبيان أجراه آيري طأمورا أستاذ الجامعة الدولية في طوكيو على عدداً من طلاب الجامعات اليابانية في تصورهم عن العرب والإسلام كانت النتيجة 80% يجهلون تاريخ العرب والإسلام و90% من تصورهم هو النفط والصحراء والعمامة والجمل، وقلة منهم الذين تذكروا الرسول محمد (ص) والدولة الإسلامية، وإن أكثر النعوت رواجاً في وصف الإسلام والعرب (مخيف، خطير، ساخن المزاج، متزمت، غامض)[5]. وبعد حرب الخليج عام 1991 ازداد اليابانيون بتمسكهم بآرائهم أنّ العرب الذين يعيشون في الشرق الأوسط ويؤمنون بالإسلام هم حربيو المزاج لا عقلانيون وعديمو الفائدة[6]. والذي نريد أن نخلص إليه هو أنّ الخطاب الديني الإسلامي الموجه خارج بلاد المسلمين ولا سيما في البلاد الغربية يجب أن يكون خطاباً إسلامياً عاماً يشمل جميع نواحي الحياة الإسلامية مع التركيز على الجوانب الإيجابية في الحضارة الإسلامية، ولا نريد هنا أن نقدم دعوة لتغيير الخطاب الإسلامي فذاك مبتغى أعداء الإسلام والمسلمين واستجابة لمطالبهم وضغوطهم، ولكن نريد أن نقدم بعض المقترحات التي نعتقد أنها تساهم في تصحيح مسيرة الخطاب الإسلامي وتزيد من فاعليته في المجتمعات غير الإسلامية: 1- ضرورة وجود مجمع فقهي إسلامي كبير تنصهر فيه جميع المجامع الفقهية الموجودة حالياً فضلاً عن ممثلين للمذاهب والتيارات الفكرية الإسلامية الرئيسة في البلدان العربية والإسلامية من أجل الاتفاق على الفتاوى في الأمور التي تخص جميع المسلمين – شرط أن لا يكون المشاركون في هذا المجتمع مرتبطين بالنظام السياسي لبلدانهم لأبعاد الفتاوى عن القرارات السياسية – وذلك للتقليل من الفتاوى التي تظهر بين الفينة والأخرى بين إفراط وتسهيل يضيع به الإسلام وتشديد وتضييق يضيع به المسلمين وعلى سبيل المثال لا الحصر الفتوى التي أصدرها الشيخ حماني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر والتي أثارت مشكلة بين المسلمين، ومفادها أن كل من تجنس بجنسية دولة كافرة فقد ارتد ويحرم تزويجه بالمرأة المسلمة وتجري عليه أحكام الردة كاملة ولا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين[7]، إن فتاوى من هذا النوع تنفر المسلمين من دينهم فكيف غير المسلمين، وهل نشترط على من يدخل الإسلام منهم أن يتجنس بجنسية دولة إسلامية لنقول بصحة إسلامه!!. 2- ضرورة التمييز بين الخطاب الموجه للمسلمين والخطاب الموجه لغير المسلمين أي لا بأس أن يكون الخطاب الموجه للداخل منوعاً ويتناول الأمور والأفكار الخاصة بكل مذهب أو تيار أما الخطاب الموجه للخارج فيجب أن يكون عاماً شاملاً وجامعاً لا مذهبياً ولا فرقياً، وذلك بتناول الأمور المشتركة والمتفق عليها بين جميع المذاهب والفرق الإسلامية بمعنى آخر أن يركز الخطاب الخارجي على الأصول دون الخوض في الفروع قدر المستطاع وذلك لترسيخ صورة واضحة وموحدة عن الإسلام في أذهان الآخرين. 3- أن لا يقتصر الخطاب الإسلامي على أمور العقائد والعبادات فحسب بل يجب أن يتناول الأمور الأخرى التي يهتم بها العالم كعلوم الطب والفلك والهندسة وغيرها من العلوم التي أكّد عليها القرآن الكريم وبرع بها المسلمون. 4- يجب أن نخاطب الطرف الآخر بشكل عام والغربي بشكل خاص بطريقة تفكيره هو وبما يفكر فيه هو إذ من غير المعقول أن نخاطب الإنسان الغربي الذي يحمل مفاهيم خاصة تختلف عن مفاهيمنا بنفس الخطاب الذي يوجه للمسلمين في البلاد الإسلامية. 5- يجب أن يتسع الخطاب الإسلامي ليشمل الناس كافة من غير المسلمين أياً كان انتماؤهم الديني والعرقي والقومي والجغرافي... بحيث لا ندع مجالاً لمن يروجون عن الإسلام أنّه دين عنصري أو طبقي أو تعصبي. 6- من خلال الخطاب الإسلامي يجب إبراز الجوانب المشرقة في الحضارة الإسلامية وبيان دورها في مسيرة الحضارة الإنسانية بشكل عام والغربية منها بشكل خاص. 7- أن لا يكون الخطاب الإسلامي خيالياً وبعيداً عن الواقع بل يجب أن يكون خطاباً منطقياً مع إمكانية تحويله إلى برنامج عملي يحقق مبتغاه. 8- أن يوجه جزء من جهد الخطاب الإسلامي إلى أبناء الجاليات الإسلامية الموجودين في البلدان غير الإسلامية يتم به التأكيد عليهم بضرورة التمسك بتعاليم دينهم نقلها إلى الغرب من خلال سلوكهم اليومي ومعاملتهم معهم، فالإسلام انتشر في كثير من بقاع الأرض عن طريق التجار المسلمون الذين كانوا يحملون أخلاقاً إسلامية مكنتهم من كسب ثقة الناس وودهم وبالتالي أسلم على أيديهم الكثير من الناس، وكذلك لتشجيع عامل اعتزاز المسلمين هناك بأنفسهم فأغلب المسلمون اليوم يعيشون حالة من اليأس ويشعرون أنّ الإنسان الغربي هو أفضل منهم ولذا نجدهم أذلاء أمامه، وقد انعكس ذلك على نظرة المواطن الغربي للمسلمين فأصبح يراهم كما يرون أنفسهم ولذا يجب أن يكون الخطاب الإسلامي فيه من العزة والثقة بالنفس ما يجبر الآخرين على احترام المسلم أياً كان فالذي لا يكون معتزاً بنفسه كبير الثقة بها لا يكون كذلك في نظر الآخرين. 9- الاستفادة القصوى من التكنولوجيا الحديثة من القنوات الفضائية وشبكة المعلومات الدولية فضلاً عن الصحف والمجلات التي تصدر في البلاد غير الإسلامية وذلك بالإستعانة بأساتذة متخصصين في المجالات كافة – ولا سيما الإعلاميين – في كيفية تنظيم وإخراج حملة إعلامية شاملة وكبيرة ومستمرة لتوضيح صورة الإسلام الحقيقية في المجتمعات غير الإسلامية وتصحيح ما شوهه الساسة والإعلاميون الغربيون منها.       الهوامش:
[1]- محمد عابد الجابري، مسألة الهوية العروبة والإسلام... والغرب، مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت، 1997) ص179. [2]- ياسر الزعاترة، الظاهرة الإسلامية قبل 11 أيلول وبعده، الدار العربية للعلوم (بيروت، 2004) ص134. [3]- علاء بيومي، صورة الإسلام في أمريكا الجذور والحاضر، مجلة المعرفة على شبكة الإنترنيت، 17/ 1/ 2006. [4]- ياسر الزعاترة، ص145. [5]- آيري طأمورا، صورة الإسلام في اليابان الماضي والحاضر، ضمن كتاب صورة الآخر – العربي ناظرا ومنظورا إليه – مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت، 1999) ص582. [6]- المصدر نفسه، ص584.

[7]- نقلا عن عبدالجبار عبدالخالق، أولويات العمل الإسلامي في الغرب (الكويت، 1993) ص29.

المصدر: كتاب (العلاقة مع الغرب.. من منظور الدراسات الإنسانية)

ارسال التعليق

Top