• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصعوبات التي تواجه التصرفات الأخلاقية

جون باينس/ ترجمة: أحمد رمُو

الصعوبات التي تواجه التصرفات الأخلاقية

ينتظر المجتمع من كلّ واحد ويطالبه بأن يلتزم، على نحو كافٍ، بالمعايير التي يعتبرها ملائمة، ولكن هذا الدستور الأخلاقي يُنتَهَك في كلّ لحظة، سواء بالارتكاب أو الإغفال. وعندما تقع هذه الأخطاء التي تتراوح من الجنح الصغيرة إلى الجرائم الخطيرة التي يعاقب عليها القانون، فإنها تُبرَّر بمختلف الذرائع. وكذلك عندما يقوم شخص من الطبقة الدنيا بارتكاب جريمة ما، فإنها تُعلّل عادة بوصفها نشأت من "عدم توفر الفرصة"، أما إذا كان الجاني من الطبقة العليا، فإنّ جريمته توصف نموذجياً بأنّها "فساد".

قد يتساءل المرء عما يقود الناس إلى أنماط سلوكية لا أخلاقية. ولا ريب في أنّ هذه الأنماط السلوكية تنشأ من خلال البحث عن السعادة، والفشل في تحقيقها. فكما قال أرسطو، "كلّ البشر يبحثون عن السعادة من خلال فعل الخير". ولكنهم، لسوء الحظ، يخلطون بين الخير الأسمى والفضيلة الظرفية والظاهرة، ويُعرِّفون ذلك بوصفه متعة، مع أنّهم يخصون الألم بنظرة سلبية. ومن هنا، فإنّ الناس الذين يحملون نوايا طيبة، ينتهون عادة إلى ارتكاب الخطأ، لأنّهم يسمحون لأنفسهم بالاستسلام لإغراء ما يحقق اللذة، وكما نعرف، فإنّ الأحاسيس تخضع، بصورة طبيعية، إلى اللذة، ويتطلب السلوك القويم أكثر من مجرد النوايا الطيِّبة. فقد يكون أحدهم طيب النية في طويته، ولكنه، مع ذلك، يقوم بأعمال لا أخلاقية، وبالمقابل، لا يمكن لأحدهم أن يكون أخلاقياً إذا كان يحمل نوايا سيئة.

لكي يكون الإنسان صالحاً عند مستوى الرغبة فقط، فهو لا يحتاج إلى أن يشعر بالألم، لأنّ هذا يُعتبر سلوكاً تلقائياً عند معظم الناس. ولكنه يحتاج، لكي يكون فاضلاً، إلى عمل مضنٍ يتطلب جهداً متواصلاً خلال فترة طويلة من الزمن. فتوقعات الفضيلة الواضحة أو المباشرة، تصعق عادة أحاسيس المرء وتشوش وجهة نظره، وبالتالي تقوده إلى سلوك بدائي حقاً.

صحيح أنّ معظم الناس يضمرون الخير كهدف نهائي لهم، مع ذلك، فإنّ الرذيلة والفساد أكثر شيوعاً مما يمكن أن نتوقع، لأنّ الإنسان في حالته الطبيعية ليس كائناً أخلاقياً ويبحث عادة عن طريق أقل مقاومة. ومن سوء الحظ أن يستسهل الناس العاديون إغفال القاعدة الذهبية، "عامل الناس كما تحب أن يعاملوك"، في اندفاعهم وراء ربح سهل وفائدة مباشرة، وكثيراً ما يحل هذا محل الحذر والاستقامة.

والمجتمع يدرك تماماً هذه المعضلة، ولهذا يعاقب على السلوك اللاأخلاقي والمعادي للمجتمع بطرق عديدة. ففي الحالات الشديدة، يمكن لعقوبات النفي أو السجن أن تردع الجناة، ولكن هذا لا يحدث في الممارسة الشائعة، لأنّ الناس غير أخلاقيين فقط بطبيعتهم، وبالتالي تصبح المعايير الأخلاقية مجرد غرسة اجتماعية لا صلة لها بأي شيء داخلي. وعلينا أن نستذكر أيضاً أنّ قواعد السلوك هذه ليست أكثر من معايير يعتبرها مجتمع ما صحيحة وأنّها تختلف، إلى حد كبير، من مكان إلى آخر، وتتبدل باستمرار بمرور الزمن. ففي عهد محكمة التفتيش الأسبانية، مثلاً، كان من الطبيعي تماماً أن يُعذّب المتهم بقسوة بموجب القانون، وفي وسط آخر، وبصورة طبيعية جدّاً، أشار الأخلاقيون الأغريق في كتاباتهم إلى ضرورة "عدم امتلاك عدد كبير جدّاً من العبيد"، ولكن دون إدانة الرق كممارسة شائعة.

وفي الواقع، إنّ الأخلاقية ليست قابلية وراثية ولا هي اكتساب فردي طوعي، ولكنها، لسوء الحظ، أصبحت "قشرة خارجية" تنتجها الحضارة بقوانينها التي تنسجم فقط مع الثقافة المعاصرة. فإذا اعتبر مجتمع ما أنّه من المناسب إفناء الناس المسنين، فإنّ الجميع سيقومون بذلك دون تردد. وإذا اعتُبرَت ممارسات كالسرقة، والجريمة، والاحتيال، والسلب في مكان آخر جديرة بالثناء، عندئذٍ، يتوجب معاقبة الناس المستقيمين لكونهم مواطنين سيئين. وفي مثل هذه الحالة، سوف نواجه تناقضاً في رؤيتنا لرذيلة تحظى بالمثوبة وفضيلة تلقى العقوبة من قبل المجتمع ووكالاته، وكلّ ذلك باسم الأخلاقية.

ويصبح هذا شذوذاً أخلاقياً، ولكنه، في الحقيقة، يزداد انتشاراً يوماً بعد يوم، وإن يكن بصورة غير مقصودة. ولذلك، يجب على المرء أن يعتبر أنّ الأخلاقية الحقيقية لا تتطابق مع التكييف البيئي الميكانيكي، بل يجب أن تعتمد على التنمية الأخلاقية الفردية للطبيعة التأملية التي فيها يقوم الفرد، عن طريق الاختيار الحر، بتبني أكثر القيم الأخلاقية المتسامية رفعة. صحيح أنّ المجتمع يشن حملات أخلاقية متواصلة بوسائله المألوفة، وعلى الرغم من ذلك، فإنّه يندر أن نجد فرداً يمكن أن يتمثل هذه المفاهيم، بشكل شامل، دون ضغط أو إكراه من الخارج.

إنّ معظم الناس يجدون في الأخلاقية عبئاً ثقيلاً أو واجباً مزعجاً، ونحن ملزمون بالتعايش معه، وهو لا يتطلب كبير اهتمام إذا لم يرتب علينا إفساد تسليتنا المفضلة. والشيء المؤكد هو أنّه، إضافة إلى ضغوط البيئة، يمكن لكلّ شخص أن يختار بين أن يطلق العنان لعواطفه أو أن يعمل على تصعيدها. وهكذا، يكون قد استسلم للرذيلة أو الفضيلة. وهذا اختيار طوعي. ولسوء الحظ أنّه لا يوجد، على المستوى الثقافي، معرفة تعمل بحقّ على مساعدة الفرد على اتخاذ قرارات الضمير، لأنّ نهج مواجهة الواقع بموضوعية لم يُكتَشَف. ولا يمكن للناس أن يميزوا، بفضل تغذيتهم الراجعة من الطبيعة، كيف يتأثر الفرد بأفعاله الصالحة أو الطالحة. ولا يمكن أيضاً أن يميزوا دوافع محددة تدفعهم إلى التصرف باستقامة، وهم يضعون في اعتبارهم ما يتطلبه هذا التصرف من جهد متواصل. إنّهم يغفلون الفوائد العملية الهائلة التي تنتج عن التزامهم بالفضيلة وهكذا يستسلمون لخط المقاومة الأدنى. يتصل المفهوم الثقافي للأخلاقية فقط بما يعتبره مجتمع ما مناسباً في لحظة معلومة في تاريخه، ولكن هذا لا يعني أنّ لهذا الدستور أي أساس واقعي في الطبيعة.

الأخلاقية الأصيلة، وهي غير معروفة اليوم، تقوم على أساس بنية الطبيعة، ويتألف دستورها من ملاحظة القوانين الكونية التي تسبق تاريخ الإنسان والتي هي الآلية العليا التي تمد الخليقة بأسباب البقاء. وبسبب الصفة الثقافية والدينية للمفهوم الذي نحمله عادة حول الأخلاقية، يمكن أن نفهم تماماً أنّ الإنسان لن يعير اهتماماً لهذا المفهوم ويعتبره مزعجاً، أو مملاً، أو صارماً، أو استبدادياً، أو مجرد تعبير عن أفضلية شخصية.

وأنا على ثقة من أنّه لو استطاع الناس أن يفهموا مدى ما يكسبونه إذا تصرفوا دائماً على نحو مستقيم ومثالي، فإنّنا لن نجد سوى قلة من الأشخاص اللاأخلاقيين؛ ولن نكون بحاجة إلى قضاة وشرطة إلّا في حالات استثنائية. والأخلاقية التي نعرفها فضفاضة ومجاملة لأنّها تستبعد المعايير الأخلاقية للطبيعة الكونية، ولهذا، فهي تفتقر لأي مغزى أعلى.

 

المصدر: كتاب أُسس التعامل والأخلاق للقرن الحادي والعشرين

ارسال التعليق

Top