• ١ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٢ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

علاقة الحجاب بالثقافة الإسلامية

د. غلام علي حداد عادل

علاقة الحجاب بالثقافة الإسلامية

إنّ التباين الرئيس بين الثقافة الغربية الحديثة والثقافة الإسلامية، ينعكس في تعريف الإنسان.

فإذا كان الإنسان في الثقافة الغربية كائناً تشكّل المعنوية فرعاً وشيئاً فوقياً من حياته المادّية، فهو في الثقافة الإسلامية كائن يرى في المعنوية الكمال الذي ينشده والغاية التي يسعى إليها في حياته. فالمعنوية كمال لا يُنال إلّا بالمراقبة والجهد والجد والدقة في استخدام كافة المواهب الجسمية والروحية. والقضية المهمّة هي أنّ المعنوية والروحانية في الإسلام لا تتعارض أبداً مع المادّية والجسمانية. وليس صحيحاً في الإسلام أن يلجأ المرء لتحطيم واقعيته المادّية من أجل الوصول إلى الحقيقة المعنوية. فالمعنوية في الإسلام لا تنافس المادّية كي تسعى لإقصائها عن الميدان، وإنّما تسلك إزاءها سلوك المرشد والموجّه. فالدين لم يأتِ كي يقتطعنا بشكّل نهائي عن الجسم والدنيا، وإنّما جاء ليعلّمنا "القياس"، كي نبقى في منأى عن التطرّف من خلال الاحتفاظ بالتوازن والاعتدال، وأن لا ننظر على سبيل المثال إلى جسمنا فحسب وأن لا نقصر التفكير على الانتفاع به واستثماره فقط.

الغريزة الجنسية، إحدى غرائز الإنسان، وإحدى حقائق وجوده. والإسلام لم يتجاهل أية حقيقة من حقائقه بما فيها الغريزة الجنسية، ولم ينظر إلى استخدامها على أنّه عمل متعارض مع المعنوية ومناقض للروحانية. والتحديدات والممنوعات التي وردت في الشريعة الإسلامية على صعيد الغريزة الجنسية، وإنّما أريد منها كبح جماح هذا الحصان الجامح، وصيانته من سياط العابرين وإثاراتهم الطفيلية، كي لا يؤدي ذلك بالجواد إلى العدو بشكل مجنون، حيث لا يحول دون وصول الراكب إلى غايته فحسب، بل ويضرب به الأرض ويلحق الأذى به وبالآخرين.

في مثل هذه الرؤية، لا يُنظر إلى الجسم بأنّه الجزء الوحيد من وجود الإنسان. والإنسان ليس جسماً فحسب كي يفنى بالموت. كما أنّ التمتّع الجسمي المحدود بين الولادة والموت، ليس هو الفرصة الوحيدة للحياة والتلذذ والسعادة. فالإنسان يتّجه نحو الله الذي هو الكمال المطلق ومصدر كافة المحاسن والقيم. وحينما يستخدم الجسم ويتلذذ به، فإنّما يفعل ذلك بمقدار، وليس في كلّ وقت، ولا في كلّ مكان، ولا مع كلّ أحد، ويرى أنّه أشرف من أن يُعرَف بجسمه، ومهمّته أخطر من أن ينبري فيها للكشف عن جسمه أو تزويقه وتجميله. الإنسان في كافة الأفكار والرؤى المعنوية - ومنها الإسلام - لا يرتدي اللباس من أجل أن يعرض جسمه، وإنّما يرتديه لكي يستره. فاللباس بالنسبة له صيانة وبمنزلة سور القلعة الذي يحفظ جسمه، ويذود به عن كرامته. الهدف من اللباس، التقليل من الإثارة الجنسية لا تثوير الغريزة. إنّه ليس الجلد الثاني للإنسان، وإنّما بيته الأوّل. إنسان الإسلام لا يرى كماله في تزويق جسمه وتجميله كالبضاعة التي تُعرض للبيع، بل يلجأ إلى بيع نفسه لله، بدلاً من بيع جسمه للناس.

نعم، قضية اللباس والزيّ، ليست بسيطة أو سطحية كي يمكن أن نعدّها خاضعة للذوق فحسب. إنّها قضية ثقافتين ورؤيتين للعالم، والتباين بينهما بحجم المسافة بين الأرض والسماء. ويتجلّى هذا التباين في كافة القضايا الرئيسة المتصلة بالإنسان ومن بينها لباسه وزيّه. وليس هناك شيء أسهل من تقليد الآخرين في أزيائهم من الناحية النظرية، غير أنّ القرون تمرّ وتبقى المجتمعات محتفظة بأزيائها التقليدية ولا تبادر إلى تقليد الآخرين، لأنّ تغيير اللباس لا يحدث اعتباطاً وإنّما هو نتيجة من نتائج تغيّر الثقافة. وما لم ينسلخ المرء عن ثقافته، لا يمكن أن ينسلخ عن زيّه. وما لم ينصع لثقافة أُمّة ما، لا يرتدي زيّها. ولهذا السبب بالذات ورد في الحديث: "مَن تشبّه بقوم فهو منهم". فلباس أي إنسان، إنّما هو عَلَم بلاد وجوده، وهو عَلَم يرفعه فوق بوابة بيت وجوده، ويعلن به عن الثقافة التي يتثقف بها. ومثلما تعبّر الأُمم عن إيمانها بهُويّتها الوطنية والسياسية من خلال وفائها واحترامها لِعَلَمِها، يعبر الإنسان عن إيمانه بقيمه وأفكاره من خلال ارتداء الزيّ الذي ينسجم مع تلك القيم والأفكار.

في اللغة الفارسية نشير إلى اللباس بمفردات مثل "پوشش" و"تن پوش" و"پوشاك"، كما نستعمل فعل "پوشيدن" و"پوشاندن". وغالباً ما تُستعمل مفردة "لباس" في اللغة العربية، أمّا في اللغة الإنجليزية فتستخدم مفردتا "clothes" و"Dress". ولو ألقينا نظرة فاحصة لرأينا أنّ مفردة "پوشش" الفارسية - وتعني اللباس - مشتقة من مصدر "پوشيدن"، بمعنى الإخفاء والستر. ولو قال أحد على سبيل الافتراض أنّ المعنى الأصلي لكلمة "پوشيدن" كان "الارتداء"، ثم أخذت تعطي فيما بعد معنى الإخفاء والستر، لأثبت أيضاً ما ذهبنا إليه. وما يُفهم من مفردات "پوشش" و"پوشاك" و"پوشيدن" هو أنّ اللباس كان بالنسبة لشعبنا وسيلة لستر الجسم وتغطيته. وقد تجلّى الغرض من اللباس في هذه المفردات بشكل طبيعي ودقيق وبدافع من عوامل ثقافية ومعنوية. أي أنّ كل فارسيّ - متعلّماً كان أو أُمياً - حينما يستخدم مفردتي "پوشش" و"پوشيدن" فإنّه يريد بهما "اللباس" و"ارتداء اللباس" و"اللبس" و"الاكتساء"، اعتماداً على المفهوم الذي لديه لهاتين المفردتين والمشتقات القريبة منهما، والذي يتصل في أعماق الشعور بثقافته الأصيلة.

ولو رجعنا إلى أصل كلمة "لباس" العربية، لرأينا شبيه ما رأيناه في الفارسية أيضاً. فالمصدر "لَبْس" يعني الخلط وجعل الأمر مشتبهاً بغيره وخافياً، كما يعني أيضاً "الشبهة والإشكال وعدم الوضوح" (المنجد). ودخلت مفردتا "تلبيس" و"التباس" إلى الفارسية بهذا المعنى أيضاً. ونرى أنّ مفردة "لباس" التي تلتقي مع هذه المفردات في أصل واحد، توحي للعربي بأنّه وسيلة لإخفاء الشكل الأصلي للبدن وتغييره، وإظهاره في صورة أخرى، وخلطه مع شيء آخر، ووسيلة لإزالة وضوح ومواصفات البدن. ومن هنا نرى كيف أنّ ثقافة أُمّة من الأُمم مستترة ومتجلية في لغتها في آن واحد.

والمفردة الأخرى التي يُشار بها إلى اللباس هي: "شعار". والمعنى الآخر لهذه المفردة هو "العبارة والعلامة الخاصّة التي تتخذها فئة من الفئات للتعبير عن نفسها". وتستخدم هذه المفردة بالمعنى الثاني في اللغة الفارسية. واستخدام مفردة "شعار" في اللغة العربية بمعنى "لباس" وبمعنى "العلاقة التي تحدّد فئة أو جماعة ما"، إنّما يبرهن بشكل دقيق حول أنّ لباس كلّ شخص وزيّه، على اتصال برؤيته وأسلوبه، وأنّه ينمّ عن مكنونات ضميره ويعبّر عن شخصيته.

نحن نقول بأنّ لباس كلّ شخص، شعاره الذي يعلن من خلاله عن موقفه للآخرين، ويقفون من خلاله على هُويّته. ولو راجعنا المعاجم اللغوية لوجدنا أنّ مفردة "شعار" تُطلق على اللباس أيضاً. وفحوى الكلام هو أنّ هذا الإطلاق لم يكن عفوياً أو من قبيل الصدفة، وهذا الاشتراك في اللفظ إنّما ناجم بشكل دقيق عن الاشتراك في المعنى، ويؤكد أنّ هؤلاء الناس يؤمنون بأنّ اللباس بمثابة الشعار، والشعار بمثابة اللباس، وأنّ هذا الإيمان نابع من أعماق أنفسهم وثقافتهم.

وقد نجد استخدام مفردتي "شعار" و"دثار" بشكل مترادف في الأدب الفارسي، كأنْ يُقال: "إنّه يتظاهر بتلك الفكرة إلى درجة أنّه جعلها شعاراً ودثاراً له". والدثار هو الثوب الذي يُلبس فوق الشعار، أو ما يتغطّى به النائم (تذكّروا (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) في القرآن الكريم). والمراد بالشعار والدثار هنا هو أنّ اتصال الفرد وعلاقته بالعقيدة أو الفكرة المعينة، وثيقة إلى درجة بحيث يعتبرها بمثابة لباسه الداخلي والخارجي الذي يلتصق به ويعبّر من خلاله عن هُويّته. ويمكن على هذا الأساس أن نقول بأنّ ارتداء الثوب واللباس يعبّر عن تعظيم الشعائر الثقافية التي يتّصل بها ذلك اللباس. ونحن حينما نرتدي الزيّ الغربي، إنّما نعظّم بذلك الشعائر الغربية وبشكل مستمر.

ولو ألقينا نظرة على مصدر كلمة "Dress" الإنجليزية والتي تعني اللباس والكساء، لوجدنا أنّ معناها الأصلي - والمشتق عن المفردة اللاتينية  Directus - هو: "تقويم، وترتيب، وإعداد، وتجميل، وتزيين" وما شابه، وقد أُطلقت فيما بعد على اللباس واللبس. ومن هذا يتضح بشكل جلي كيف أنّ المعنى الأصلي والعميق للباس، هو التجميل والتزويق والزينة والترتيب والتنظيم، ونفهم من هذا أيضاً كيف أنّ الأُمّم تُفصح عن مرادها من اللباس والزيّ بألفاظ ومفردات متناسبة مع ذلك المراد.

وفي اللغة الفرنسية استُعملت مفردة "Habit" بمعنى اللباس والثوب، ثمّ مفردة "Habiter" بمعنى الإقامة، والسكنى، ثمّ مفردة "Habitat" بمعنى المسكن الطبيعي. وسبق أن قلنا بأنّ "اللباس، هو البيت الأخص لكلّ إنسان، وكلّ إنسان يسكن في لباسه أوّلاً ثمّ في داره". ونلاحظ كيف يتجلّى مثل هذا الحس إزاء اللباس، في الثقافة وفي اللغة.

- اللباس وسرّ الضمير

ربّما سمع الكثير من القرّاء بهذا الشطر الشعري الذي يقول "لونُ الوجه يُفصح عن سرّ الضمير"، ومراد الشاعر أنّ تغير اللون الذي يظهر بشكل طبيعي في وجه الإنسان، ينبئ ولا شك عن التغيّر الناجم في باطنه. وبإمكاننا أن نذهب أبعد من مراد الشاعر فنقول ليس اللون الطبيعي للوجه فحسب، بل الألوان الصناعية الأخرى التي يُصبَغ بها تُنبئ أيضاً عن سرّ الضمير. فنوع مساحيق التجميل التي تصبغ بها المرأة وجهها، على صلة مباشرة بوضعها الباطني ونزعاتها النفسية. وليس تزويق الوجه فحسب، بل تزويق وتجميل الجسم بأسره، والشكل وطبيعة الفستان والثوب وقصره أو طوله، تكشف جميعها عن سرّ ضمير المرأة أيضاً.

اللباس أو الزيّ لا يخضع لتأثير الثقافة الاجتماعية فحسب، بل ويكشف أيضاً عن هُويّة أفراد المجتمع. ومن الطبيعي أنّ هناك صلة وثيقة بين هُويّة الأفراد والثقافة الاجتماعية العامّة. والمجتمع الذي لا قيمة فيه للقيم المعنوية والإنسانية العليا، ويخلو العالم الباطني للإنسان فيه من الكرامة، وليس لديه معنى مستقل عن المظاهر الخارجية، فلابدّ أن تتبّلور فيه شخصية الإنسان وهُويّته بشكل عام على أساس اهتمامات الآخرين وآرائهم فيه. ومن البديهي أن يلجأ أفراد مثل هذا المجتمع إلى بلورة شخصياتهم عن أي طريق ممكن بما فيه الزيّ. وتفصح تصاميم الأزياء والتغييرات الهائلة وغير المنطقية التي تطرأ على الأزياء دون انقطاع، عن وجود مثل هذه الأرضية في ضمير الأفراد ونفسياتهم.

وفي المجتمعات الغربية بشكل خاص أدّى النظام الإداري القوي، والمكننة وهيمنة الأنظمة الاقتصادية والحكومات على التربية والتعليم ووسائل الإعلام، إلى ازدياد الشبه بين أفراد المجتمع يوماً بعد آخر، وانتزع عنهم كلّ إمكانية للبروز الفردي والإبداع الشخصي، الأمر الذي أدّى إلى حاجة كلّ فرد للإعلان عن وجوده وتمايزه عن الآخرين. وحينما يعجز الفرد عن ذلك من خلال الطرق المنطقية المعقولة، يجد نفسه مضطراً لسلوك أي طريق آخر لتحقيق هذا الهدف، وطالما يسعى عن طريق التغيير في الزيّ والشكل وطريقة تجميل الوجه وشعر الرأس، إلى جلب اهتمام آخرين نحوه، وإنقاذ نفسه من الضياع في المجتمع، لأنّه لا يؤمن بحقيقة اسمى من المجتمع، مثل الحقيقة الإلهية، ويرى في الضياع أو الذوبان في المجتمع فناءً لشخصيته وموتاً له.

وحلّ دور مصمّمي الأزياء كي يلبّوا دعوة هذا الظمأ الذي لا يرتوي، وينتهزوا هذا الضعف الخلقي الناجم عن الانحطاط المعنوي. ولحمّى الأزياء أو الموضة عوامل خلقية ونفسية أخرى. فالمجتمع الذي يعاني بشدة من التفاوت الطبقي، لابدّ وأن ينعكس هذا التفاوت على نوع البيت، وطراز السيارة، وأسلوب الحياة، ولاسيما في نوع الزيّ واللباس. ويسعى الأغنياء والنبلاء بشكل خاص إلى الإعلان عن ثرائهم من خلال نوع اللباس الذي يرتدونه. واللباس أفضل طرق المباهاة والتفاخر، لأنّه مع الإنسان دائماً، بينما السيارة والدار ليستا معه في كافة الأحوال وفي كلّ مكان، في حين أنّ اللباس يرافق الإنسان حتى أثناء السباحة - وإن يصل إلى الحد الأدنى - وبإمكانه أن يقول من خلاله للآخرين أي إنسان هو!

ما أكثر عُقد القيح التي تنفجر في باطن الإنسان على شكل التفنّن في الأزياء والألبسة، ومنها النزعة نحو أن يشير الآخرون إليه بالبنان، والتباهي والتفاخر، والإعلان عن الثراء. ويعبّر الزيّ أيضاً عند البعض عن الغرور، والحسد، ومنافسة الآخرين. كما يؤثر حبّ الجاه وحبّ السيطرة على الآخرين، في انتخاب نوع اللباس. فليس العسكريون وحدهم هم الذين يكشفون عن رُتبهم ومناصبهم من خلال نوع البزة وعلاماتها (وقد يكون هذا الكشف ضرورياً لهم)، بل أنّ المجتمع الذي يُطهِّر فيه غيث المعنوية أدران حبّ الاستعلاء من قلوب الناس، نجد جميع أفراده يسلكون السلوك العسكري من خلال ارتداء أنواع الألبسة، ويصل بهم الأمر إلى محاولة إظهار أنّهم أفضل وأسمى من الآخرين بواسطة ارتداء الملابس الثمينة الغالية. وقد يلجأ الرجال إلى استخدام ألبسة نسائهم للتباهي والتفاخر وحبّ الظهور والاستعلاء. فيحاول الرجل من هذا النوع أن ينقل إلى الآخرين درجة أُبَّهته وعظمته في الحفلات الليلية وفي الشوارع والأزقة من خلال الملابس التي ترتديها زوجته. ونحن نعلم أنّ المرأة عند الرجل في المجتمعات التي تفتقد إلى المعنوية ليست سوى واسطة للامتياز والتفوّق، وهي ليست سوى أداة من الأدوات الكمالية. وكما أنّ الرجل يسعى للتباهي من خلال سيارته وبيته وحذائه وقبّعته، نراه أيضاً يلجأ إلى تقديم نفسه للآخرين والإشارة إلى أهميته من خلال عرض زوجته وزيّها.

ويُطلق في ثقافتنا الإسلامية على اللباس الذي يُلبَس من أجل استقطاب أنظار الآخرين: "لباس الشهرة"، ومَنَعَ الإسلام الرجال والنساء بشدة عن ارتداء هذا اللباس.

قال الإمام الحسين بن علي (ع): "مَن لبس ثوباً يشهره، كساه الله يوم القيامة ثوباً من النار".

قلنا إنّ الأعيان والنبلاء يحاولون عن طريق الملابس المتنوّعة الثمينة التي يرتدون في كلّ مجلس واحداً منها، أن يعلنوا عن وضعهم المادّي الجيِّد ويفرضوا أنفسهم على الآخرين. غير أنّ عامّة الناس والطبقة المتوسطة التي تهرع حائرة خلف تلك الطبقة، إنّما هي واقعة في أسر هذه الطبقة من خلال الأزياء التي تصممها أو ما يسمى بحمى الموضة. فحينما تلجأ الطبقة المرفهة الثرية إلى التباهي، عن طريق التمايز عن الناس العاديين، واستقطاب أنظار الآخرين بواسطة انتخاب تصاميم أزياء جديدة، يجد العوام أنفسهم مجبرين على تقليد الطبقة الارستقراطية، والانكباب على التصميم الجديد، مما يُخرجه في فترة قصيرة عن دائرة تلك الطبقة ويكتسب صفة العمومية، فيسقط من عينها فتندفع ثانية نحو تصميم زيّ جديد فيجد عامّة الناس الذين أثقلتهم تكاليف الزيّ القديم - أنفسهم أمام زيّ جديد وموضة جديدة. وينطلقون ثانية كالخراف خلف ذوق الطبقة المرفهة الثرية. وما أقسى هذا الأُسر والعبودية! وما أكثر أنواع هذه العبوديات في المجتمعات الحرة وذات الفكر الحر!

ارسال التعليق

Top