• ٥ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف نربي بناتنا؟

السيد أحمد باقر القزويني

كيف نربي بناتنا؟
◄بالرغم من أنّ أكثر الأحاديث المروية عن النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين بخصوص الأولاد وتربيتهم وتعليمه جاءت بصيغة المذكر وكأنها خصت الذكور دون الإناث والأولاد دون البنات والصبيان دون الصبايا إلا أنّ الحقيقة غير ذلك تماماً فالأحاديث تشمل الإثنين معاً ولا دلالة للصيغة في هذا المجال إلا في حدود التعبير فقط لا أكثر، فلم تقتصر الشريعة الإسلامية الحقة في تربيتها للإنسان على تربية الولد فقط، بل شملت البنت كذلك، وربَّما اهتمَّت بتربية البنت أكثر، لأنَّها الوعاء الذي يحفظ الأجنَّة وينمِّيها، والحضن الذي يكتنف الإنسان الوليد ويرعاه ويربِّيه ويؤدِّبه، والصديق الذين يلازم الرجل طفلاً وشابّاً وشيخاً، ويعيّنه في أموره، ويرشده برأيه المجرَّب حينما يلزم، وقد صدق من قال "وراء كلّ عظيم امرأة". هناك الكثير من الأفكار والنظريات، تصوِّر المرأة دون مستوى الرجل. ويتم إلصاقها أحياناً بالإسلام وهو بعيد عنها كلّ البعد، فالواقع هو أنّ الله تعالى جعل المرأة في مستوى الرجل من حيث الإنسانية وجعل لكلِّ منهما تكاليف خاصة به تتناسب مع شأنه. فلم يميز المرأة عن الرجل في الخطاب القرآني مثلاً بل جعلهما على حد سواء من حيث الكرامة. بل إنّ القرآن الكريم كثيراً ما ذكر النموذج المشرق من النساء وسلط الضوء على المرأة الصالحة بشكل كبير في العديد من آياته الشريفة، وركّز على الكثير من النقاط المشرقة من تاريخها ضمن المسيرة الإنسانية، وقدم العديد منهن كقدوات ليس للنساء فحسب بل للبشرية كلّها بما فيها من رجال ونساء، ومنها امرأة فرعون التي قال عنها تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم/ 11)، وهكذا أصبحت هذه المرأة قدوة مشرقة للجميع في إعراضها عن الدنيا التي كانت مقبلة عليها بكلِّ زخارفها وتوجهت إلى الله تعالى وقد قدمتها العديد من الآيات القرآنية وتكررت قصتها في أكثر من سورة من سور القرآن الكريم، لتواكبها في العديد من مراحل حياتها الشريفة والمباركة.   مكانة المرأة في الإسلام: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم/ 21). وقال رسوله الكريم (ص): (خَيْر أوْلادِكُم البَنَات)[1]. وورد عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنه قال: (البَنَاتُ حَسَنَات، والبَنُونُ نِعْمَة، فإنَّمَا يُثابُ عَلَى الحَسَنَاتِ ويُسْألُ عَنِ النِّعمَةِ)[2].   تربية البنت: إنَّ التربية الإسلاميَّة تحثُّ الوالدين على حُبِّ البنت وإكرامها، لتمتلئ نفسها ارتياحاً واطمئناناً ووثوقاً، ولتنشأَ في ظِلِّ أجواء نفسيَّة وتربويَّة طيِّبة، تعدّها وتؤهِّلها للحياة الاجتماعية المستقبلية، وتمكنها من التعامل مع الآخرين بوحي من تلك القيم، وتكون سليمة من الأمراض النفسية، والعُقَد الاجتماعية، فتكون بذلك الأمَّ الصالحة لتربية أولاد صالحين، تخرجهم إلى المجتمع أفراداً نافعين وعناصر خيِّرين. إنَّ القرآن الكريم حينما يتحدَّث عن المرأة والرجل، والإنسان والناس، والذين آمنوا، إنَّما يقصد بذلك الجنس البشري الواحد، بعنصرية الرجل والمرأة. حيث يرى القرآن إنّ هذين العنصرين يقومان على أساس التكامل ونظام الزوجيَّة العام في عالم الطبيعة والحياة، وهو في آيات مباركة كثيرة يعلن عن هذه الحقيقة العلميّة الثابتة والتي يطلق عليها مصطلح (وِحدة الجنس البشري)، ومن هذه الآيات قوله تعالى: (.. خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ...) (النساء/ 1). وأمَّا ما تختلف المرأة به عن الرجل إنَّما هو لتركيبها العضوي والفسيولوجي، وتكوينها النفسي، ووظيفتها الحياتيَّة كأنثى، تلد وترضع وتربِّي، وتحمل غريزة الأمومة والميل الأنثوي، وأنَّها هي التي تسيّر إدارة البيت وشؤون الزوج والأولاد، لذا تعيَّن أن تتلاءم تربية الأنثى وإعدادها مع تركيبها النفسي والجسمي ودورها في الحياة. لذا نرى أنّ هناك عناصر تربوية مشتركة بين الجنسين، كما أنّ هناك نمطاً تربويّاً خاصّاً بكلِّ منهما، يتلاءم وأوضاعه الجنسيَّة الخاصَّة به. ولذا صار التوجه والاهتمام بالفوارق بين الجنسين أساساً لوضع المنهج التربوي الإسلامي المتكامل، ودراسة السلوك في بعديه الإيجابي والسلبي. على أنّ هذه الفوارق التربوية لا تكون على أساس النيل من إنسانية وكرامة المرأة، أو تهدف إلى إضعافها، بل هي ترمي إلى إعداد الطبيعة الإنسانية ضمن النوع والانتماء النوعي، كي تنسجم تربيتها وإعدادها مع الطبيعة وقوانينها. وقد أكَّدت الدراسات والتجارب العلمية التي أجراها العلماء المتخصِّصون في شؤون النفس، والعلاج النفسي، والطب، والاجتماع، أنّ هناك فوارق نوعية بين الرجل والمرأة، تؤثِّر في سلوك كلٍّ منهما على امتداد مراحل الحياة. من هنا كانت التربية العلمية الناجحة هي التي تنظر إلى الفوارق النوعيَّة بين الجنسين، والتي تُعِدُّ كُلاًّ من الذكر والإنثى وفق طبيعة تكوينه النفسي والعضوي لتحمل مسؤوليته في الحياة المستقبلية. وقد اعتنت التربية الإسلاميَّة بالأنثى عناية فائقة، واهتمَّت بتربيتها اهتماماً شديداً يقوم على قاعدة من المساواة في الحبِّ والتعامل، لإشعارها بإنسانيَّتها وبتساويها مع الذكر في الإنسانية. يُروى عن سعد الأشعري قال: قلت للإمام الرضا (ع): "الرجل تكون بناته أحبُّ إليه من بنيه". فقال (ع): (البَنَاتُ والبَنونُ في ذَلك سَوَاء، إنَّمَا هُوَ بِقَدَر ما يُنزِلُ الله عَزَّ وَجَلَّ)[3]. وبما أنَّ للمرأة مكانتها السامية ودورها المهمَّ في تربية وإعداد جيل صالح مؤمن مقتدر، لذا فإنّ الإسلام العظيم يكرمها بتوجيه هذه المسؤولية الكبرى إليها، ويوصيها باعتبارها منبع الحبِّ والحنان، ومستودع الكرامات، ومصدر الاستقرار والطمأنينة في البيت، بأن تحرص على خلق جوٍّ عائليٍّ مفعم بهذه الروح الطيبة، والعلاقة الحسنة. فقد جاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال: إنِّي لي زوجة، إذا دخلتُ تلقَّتْني، وإذا خرجتُ شيَّعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت لي: ما يهمُّك؟، إن كنتَ تهتمُّ لرزقك فقد تكفَّل به غيرك، وإن كنت تهتمّ لأمر آخرتك فزادك الله همّاً. فقال رسول الله (ص): (إنَّ للهِ عُمَّالاً، وَهَذِهِ مِن عُمَّالِهِ، لَهَا نِصْفُ أجْر الشَّهِيد)[4]. على ما تقدَّم يتعيَّن احترام البنت وإكرامها، وإعزازها وتقديرها حقّ قدرها، والنظر إليها من خلال مكانتها الكريمة، ومنزلتها العظيمة التي وضعها الإسلام الحنيف فيها، من عِفَّة وطهر وأدب ومثل أعلى، ومسؤولية مقدَّسة كبرى في بناء جيل صالح مؤمن بالله جَلَّتْ عَظَمَتُه، وبرسوله وأوصيائه وخلفائه الأئمَّة الإثني عشر المعصومين (عليهم السلام)، لا كما هي حَالها في الغرب المتحلِّل مثلاً، الذي حول المرأة إلى مفرغ لِشَهَوات المستهترين، وتسلية لِعَبَث المفسدين، ولم تجلب لها المساواة المزعومة التي جاءت بهدف استغلالها كيد عاملة – والتي بخست حقها ولم تمنحها أجرها كاملاً – سوى الويلات والحسرات لأنها قتلت في داخلها كل ما ينسبها إلى المرأة فضلت تلهث وراء سراب لن تصل إليه أبداً.   الهوامش:
[1]- بحار الأنوار، ج101، ص91. [2]- وسائل الشيعة، ج15، ص104. [3]- وسائل الشيعة، ج21، ص486.

[4]- عوالي اللئالي، ج3، ج291.

     المصدر: كتاب فنُّ تَربْيَة الطِّفل

ارسال التعليق

Top