• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

اختيار الآخر وفقاً لمعايير مختلفة

اختيار الآخر وفقاً لمعايير مختلفة

◄مَن منّا لم يضع لائحة بالشروط التي يريد خلالها اختيار شريك حياته؟ ومَن منّا لم يحاول اختيار الآخر وفقاً لمعايير يضعها من دون أن يدرك السبب؟ ولكن في النهاية تأتي معظم الخيارات نتيجة قرار يليه فعل غير مدرك وظروف غير موضوعية. ومع الوقت، تتبدل المفاهيم والحاجات والمتطلبات. ففي حال قمنا بخيار معين في أحد الأوقات فذلك لا يعني أنّ هذا الخيار أو القرار سوف يكون الوحيد والنهائي.

فمع مرور الوقت والأيام تتبدل الخبرات وتتبدل معها الظروف، كذلك تزداد الثقة بالنفس وتصبح المتطلبات أكثر أو تصبح مختلفة ويرتفع سقف المعايير في أغلب الأحيان؛ ولكن في كلّ مرحلة يكون القرار ويليه الخيار انطلاقاً من حاجة الأشخاص وتفكيرهم.. ففي حال كان التركيز في بداية الحياة العاطفية وتعليق الأشخاص الأهمية على الشكل الخارجي للآخر فحسب والتوقف عنده، بالإضافة إلى التركيز على الوضع المادي للشريك، من الممكن مع مرور الوقت ومع تبدل الخبرات العاطفية تتبدل النظرة لمفهوم لعلاقة بالآخر، وبالتالي يتم تعديل المعايير، فقد لا تتبدل الحاجة إلى الارتباط بشخص جميل أو غني، إنما يصبح هناك مزيج من المتطلبات تجتمع معاً لتحقيق اللقاء، وهذا أمر يُصعِّب المهمة فليس دائماً من السهل وجود كلّ المواصفات التي نبحث عنها من مال وشكل خارجي ومستوى علمي، فضلاً عن الحبّ والحنان وغيرها من المواصفات والصفات التي يمكن أن يقدمها الآخر لنا.

بشكل عام، كلّ الخيارات التي نقوم بها في البداية تكون مبنية على اختبارات سابقة من قصص عاطفية عاشها الأهل، ومن خلال مراقبة هؤلاء الأهل وغيرها من الأمور؛ ولكن كلّما قام الأشخاص باختبارهم الشخصي كلّما تبدلت الصورة أمامهم وتوضحت الأمور وأدركوا أنّه عليهم القيام بخيار يشببهم هم لا أن يتبنّوا خيار الآخرين.

وهنا مرّة أخرى تتبدل المعايير في خياراتهم، لذا فإن كانت الخيارات المبنية على الشكل والمال في البداية هي أولوية ففي المراحل التالية أي بعد النضج والتطور الكبيرين تضاف إليها عناصر أساسية أيضاً وهي أكثر متعلقة بالشخصية نفسها مثل البحث عن الطيبة في الآخر والروح المرحة والشخص المتسامح.

الأمثلة كثيرة على كيفية الاختيار، فالاختلاف في المستوى التعليمي مثلاً قد لا يكون عائقاً أو معياراً في سن صغيرة لدى اختيار الشريك؛ ولكن مع التقدم في السن وازدياد المعرفة قد يصبح التكافؤ في المستويات شرطاً أساسياً نظراً لأهميته في التفاهم على تنظيم الخلاف والاختلاف وتربية الأطفال والعلاقات الاجتماعية والعادات الموروثة.

نسمع كثيراً عن زيجات تحصل على طريقة "الخطيفة" وعندما نسأل عن السبب يقولون لأنّ أهل العروس أو أهل العريس غير موافقين وفي أغلب الأحيان يكون أحد الشريكين أو الاثنين معاً بسن صغيرة وهم لا يقدّرون عواقب الارتباط والمسؤوليات التي تترتب عنه، ومن هنا انطلق للإضاءة على أهمية القدرة على الحوار مع الأهل وتقبل رفضهم لشخص ما في سن متقدمة وتطورها على خلاف فترات المراهقة والشباب اليانع الذي لا يرى من الزواج إلّا الحبّ والغرام والشكل الجميل على حساب المراكز أو المستويات الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية خصوصاً أنّ العالم يعيش حالاً من التطور والانفتاح تجعل من العلاقات غير الناجحة أمراً كثير الاحتمال بسبب المغريات الكثيرة، وبالتالي إذا لم يترافق الارتباط ومن ثمّ الزواج مع الوعي وحسن القرار والقناعة والقدرة على الأخذ والرد من دون التشبث بأفكار يبقى الفرد سجينها فهو حتماً سيلاقي مصيراً في أحسن الحالات مجهولاً وفي أسوأ الحالات مصيراً أسود.

 

عزيزي القارئ!

من المهم جداً عدم المساومة على قرارات سطحية للارتباط والأخذ بالاعتبار أنّ العلاقة هي أعمق من البناء على معايير زائلة، يبحث عنها غير الناضجين ومن ثمّ يصطدمون بحقائق ثابتة؛ ولكنهم لا يكتشفونها إلّا بعد بلوغهم مراحل النضج. فالمعايير هي دائماً سطحية في سنين المراهقة وسنين الشباب الأولى؛ ولكنها مع التقدم بالعمر تصبح معايير عميقة ولها أبعاد مختلفة، مع الإشارة إلى أنّ التقدم بالعمر لا يعني دائماً عدم التنازل عن بعض المعايير، ففي بعض الحالات قد يلهث أحد الأشخاص وراء مَن هو غير مقتنع به تماماً فقط لأنّه يشعر بالحاجة للارتباط، وبالتالي عندما يحصل هذا الخيار فقط بسبب الحاجة لعلاقة ما قد تكون النتيجة غير محببة فالانتظار بسبب معايير معينة لم يلقِ غرضه مع الدخول في مراحل اليأس وهنا قد يكون تقديم بعض التنازلات مطلوباً قبل تأخر الأوان. ►

ارسال التعليق

Top