يصيب نحو خُمس النساء على مستوى العالم
"الألم العضلي المزمن" ليس مجرد تداعيات وأعراض لمرض آخر، وليس مرضاً نفسياً، إنما بات يعدّ مرضاً قائماً في حد ذاته. وبحسب التقديرات، يخص الداء نحو خُمس النساء، على صعيد العالم، معظمهنّ في العقد الرابع من عمرهنّ، بين سني الـ30 والـ40
"الألم العضلي المزمن" داء غير التهابي، يصيب الجهاز الحركي لجسم الإنسان، بمعنى آخر العضلات والأطناب والأنسجة والألياف الرابطة. ومثلما يستشف من اسمه، يتمثل في آلام مزمنة في بعض المواضع العلية في الجسم (أهمها في مستوى الكتفين، والصدر، والذراعين وأعلى الظهر)، وبعض الأطناب، مع احتمال إحساس بالألم عند مجرد الضغط البسيط على مواضع أخرى، عضلية أو طنبية. والداء يخص النساء بشكل شبه حصري، وإن كان عدد قليل من الرجال يصاب به أيضاً. والأنكى: يلمّ "الألم العضلي المزمن" على الأغلب بشابات، على الأكثر بين سني الـ30 والـ40.
وبذا، نجد أنّ الألم العضلي المزمن، بالإنجليزية (Fibromyalgia)، مختلف عن داء هشاشة العظام (Osteoporosis)، الذي على العكس يرتفع احتمال الإصابة به مع التقدم في السن. وفي الحديث عن التسميات، تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ الألم العضلي المزمن يسمى أيضاً "متلازمة الآلام الليفية العضلية"، وذلك أخذاً عن التسمية الأجنبية (Fibromyalgia) فهذه، أصلاً، مشتقة عن الإغريقية "فيبرو" ما يعني "ألياف" وميو"، أي "عضلات"، و"ألغوس"، أي "ألم".
- عوامل مؤهبة:
صحيح أنّ "الألم العضلي المزمن" يخص تلك الفئة العمرية أكثر من غيرها (30-40 عاماً)، لكنه قد يصيب أيضاً شابات في سن أصغر، وأحياناً حتى مراهقات، وفي الوقت نفسه لا تسلم من شره سيدات في سن انقطاع الطمث، وبعدها. وهذه من مساوئه العديدة الأخرى. إلى ذلك، حتى اليوم، يعجز الطب عن التوصل إلى شيئين أساسيين، أوّلاً: معرفة أسباب الداء المضبوطة، وثانياً: إيجاد علاج ناجع له، وليس مجرد تناول مسكنات ألم. وهذا منطقي: بما أن سبب العلة مجهول، يستحيل شفاؤها. على الرغم من ذلك، وجد الباحثون أن ثمة أشخاصاً، أكثرهم نساء مثلما ذكرنا، معرضون أكثر من غيرهم، وكأنهم يحملون جينات معينة، تجعل أجسامهم أكثر عرضة للداء. وهناك أيضاً قاسم مشترك آخر، ينصب على وجود عامل مؤهب، يشكل نوعاً ما صدمة للجسم، فيهيئ الجو لإصابته بالألم العضلي المزمن. ومن تلك العوامل المؤهبة، يشار إلى ما يأتي:
1- الإصابة بمرض فيروسي حاد.
2- الإصابة بصدمة جسدية ملموسة، مثلاً حادث سيارة، أو ولادة عسيرة، أو عملية جراحية غير متقنة، تتجاوز العضو المعني فتضر بأعضاء مجاورة.
3- الإصابة بصدمة نفسية حادة، إما جراء معاناة مرض خطير، لا سيما لفترة طويلة، أو بسبب عامل اجتماعي بالغ التأثير نفسياً (مثلاً، انفصال أو طلاق أو وفاة شخص مقرب، وما إلى ذلك).
- ليس مرضاً نفسياً:
كما يشير الباحثون إلى وجود علاقة قوية بين "الألم العضلي المزمن" والنظام العصبي بمجمله. فثمة فرضيات مفادها أنّ الألم العضلي المزمن، ربما، ينجم عن اختلال منظومة معادلة الألم، والسيطرة عليه، الموجودة ضمن الجهاز العصبي. بعبارة أخرى: الألم الناجم عن هذا الداء موجود عند الجميع، لكن لا يحس به سوى من تعرض نظام موازنة الشعور بالألم عندهم لعطل أو قصور، جراء إصابة فيزيائية حقيقية في مستوى الخلايا العصبية المسؤولة عن تلك المنظومة. ولذلك، حتى ثمانينات القرن الماضي، كان المرض يصنف في خانة "الأمراض العصبية النفسية" واستند الباحثون على أساس عدم قدرة مسكنات الآلام الشائعة على تهدئة "الألم العضلي المزمن"، ما عدوه برهاناً على أنّه مرض نفسي. بل، في ماضٍ أبعد (منذ القرن التاسع عشر)، كان الألم العضلي المزمن يعد، من منظور الأطباء الأوروبيين، "أحد تجليات الهستيريا النسائية". وعام 1992، وحسب، صنفت "منظمة الصحة العالمية" الداء في قائمة الأمراض الروماتيزمية، بينما كان، حتى ذلك التاريخ، يدرج في قائمة الأمراض النفسية.
وفي ثمانينات القرن الماضي، كان البروفيسور محمد ب. يونس، أستاذ الطب في جامعة "إيلينوي" (في الولايات المتحدة)، أحد أكثر من اهتموا بدراسة "الألم العضلي المزمن". وتوصل البروفيسور يونس، المنحدرة أصوله من شبه القارة الهندية، إلى تحرير سجل الأعراض الطبية للمرض، ووضع قواعد لتشخيصه، وتحديد درجته، قائمة على أساس المراقبة العملية. ففي غياب أي إمكانية لتحاليل دم وفحوص مختبرية لهذا الداء، تظل الملاحظة، وتدوين الحالات وفق معايير طبية دقيقة محددة، السبيل الوحيدة لمتابعة المريضة. إلى ذلك، اكتشف البروفيسور يونس حقيقة صيدلانية بالغة الأهمية، وهي أنّ المسكنات الهرمونية في فئتي "سيروتونين" و"نوريبينفرين" (المسماة أيضاً "نورأدرينالين")، وهما من الهرمونات التي يفرزها الجسم بشكل طبيعي، تنمّ عن فاعلية أكيدة في تخفيف أعراض الألم العضلي المزمن.
هكذا، فإن علاج "الألم العضلي المزمن"، بالأ؛رى تخفيفه والحد من تداعياته، ينصب على وصف أدوية مسكنة للآلام الحسية، تضم فئتي المركبات المذكورتين ("سيروتونين" و"نوريبينفرين")، من جهة، ومهدئات عصبية من جهة أخرى. لكن، لا تستخدم هذه الأخيرة (المهدئات العصبية) كعقاقير أمراض نفسية أو عصبية، إنما كمسكنات إضافية نظراً إلى مفعولها المؤثر في مستوى الجهاز العصبي المركزي. هكذا، يأتي المفعول المزدوج لفئتي المسكنات بنتائج لا بأس بها، ولو أنها لا تشكل علاجاً شافياً نهائياً، إنما تعين المصابة على تخفيف التداعيات، وتريحها إلى حد ما.
- الأعراض:
عدا طبعاً عن الإحساس بوجع نبضي متواصل في عضلات وأطناب معينة من الجسم (لا سيما في مستوى الكتفين، والصدر، والذراعين وأعلى الظهر، مثلما ذكرنا)، نرى أن أعراض "الألم العضلي المزمن" بالغة التنوع والتعدد. فهي تشمل مجالات كثيرة ومتشعبة، تطال أعضاء ووظائف حيوية كثيرة. والقائمة الآتية تعدد أهم أعراض "الألم العضلي المزمن"، أو "متلازمة الآلام الليفية العضلية". وهذه قد تلم بالمصابة كلياً أو جزئياً:
· تورم الأنسجة العضلية، وميوعتها، وإصابتها مراراً بالـ"دعث" العضلي.
· إنهاك مزمن، جراء تردي نوعية النوم بحيث تصبح غير كافية لإراحة الجسم، وبدء نهار جديد يتسم بالحيوية.
· حالات صداع و"شقيقة نصفية" حادة.
· سماع أصوات داخلية (بمعنى تنشأ داخل الأذن نفسها)، وتردي حاسة السمع، مع حساسية مفرطة تجاه المصادر الصوتية.
· شعور بالدوار واضطراب في القدرة على التوازن.
· ضمور قابلية الفك الأسفل على الحركة، أو إصابته بنوع من التشنج، مع الشعور أحياناً بصعوبة في ابتلاع الأطعمة.
· خفقان القلب وضيق النفس.
· الإحساس بالبرد في اليدين والقدمين، وإصابتها بتشنجات و"تنميل".
· حساسية مفرطة في مستوى الجدران المعوية، ما يفضي إلى حالات إسهال، أو على العكس إمساك، مع غثيان وتقيؤ بشكل متكرر.
· التهاب المجاري البولية.
· حساسية مفرطة في مستوى البشرة، بحيث يصبح مجرد لمسها مؤلماً، في معظم المواضع.
· انقباضات وتشنجات عضلية في الساقين.
· جفاف البشرة، وتردي وضعها العام.
· تشقق الأظافر وتقشرها.
· تساقط الشعر.
· اضطرابات معرفية، تتمثل على الأغلب في فقدان القدرة على استيعاب معلومات جديدة، وأيضاً فقدان القدرة على التركيز، كمرحلة أولى، ثمّ فقدان الذاكرة تدريجياً، ومعها المعلومات المخزنة قبل الإصابة.
ارسال التعليق