عندما تتحول إلى حالة مَرَضية، تصبح الغيرة كابوساً بالنسبة إلى مَن يحملها في قلبه. وبالنسبة إلى أخصائي علم النفس، هناك طُرق عديدة يمكن اتّباعها، ليس للقضاء تماماً على الغيرة، وإنما للقضاء على آثارها السلبية على حياة أصحابها.
يتصف الشخص المصاب بالغيرة المرضية، بأنّه صاحب خيال واسع وقدرة على تأليف القصص بكل تفاصيلها. فهو سجين مسلسل سيئ، حيث يرى نفسه البطل في المسلسل والذي تعرَّض للخيانة من الشريكة، بالتواطؤ مع طرف ثالث. في مسلسلاته تُركّز الكاميرا على جميع تصرفات الشريك، وتسجلها كما لو كانت أدلة على جُرم مشهود وعلى أنّه هو الضحية في تلك الجريمة. ويهدر الممثلون الآخرون جهدهم، في محاولة تقديم تبريرات وأدلة له لإثبات براءتهم، إلا أنّ الغيور لا يسمع شيئاً مما يقولون، فهو مهووس تماماً بصور الخيانة التي تملأ خياله.
تقول منال: "كنت أنتظر اللحظة التي ينشغل فيها عني، لكي أذهب وأفتّش في جيوبه وأغراضه، أبحث عن قلم جديد أو بطاقة من إحداهنّ أو عن كلمة غير مقروءة في مذكرته، عن أي شيء مهما كان تافهاً. لم يكن في وسعي منع نفسي من أن أعتبر أي شيء أعثر عليه دليلاً على الخيانة".
- نوع من الـ"بارانويا":
يقول المحلل النفسي ألان كروتنبرغ: "الغيرة المرضية ناجمة في كثير من الأحيان عن شكل من أشكال الـ"بارانويا". وفي هذه الحالة، فإنّ المريض بالـ"بارانويا" لا يمكن أن يقبل أنّه على خطأ، فإذا كان معتقداً أن زوجته تُريد أن تخونه، فلا شيء يمكن أن يمسح هذه الفكرة من رأسه، اللّهمّ إلا إذا بلغ عذابه حداً لا يُحتمل، وفكّر في الاستعانة بأخصائي نفسي. وهنا يمكن للمعالج النفسي أن يجعله يدرك الدرجة الخطيرة التي وصلت إليها غيرته. "في البداية، أطلب من الشخص الغيور أن يسجل بانتظام الإيقاع والحدة اللذين تظهر بهما غيرته، خلال وبعد أزمات الغيرة التي تنتابه، وهذا هو الجزء السلوكي في العلاج". يقول ألان كروتنبرغ. وفي مرحلة لاحقة، يقترح المعالج لعبة تقوم على تبادل الأدوار، يقول: "يضع المريض نفسه مكان "الضحية"، وأنا أضع نفسي مكانه (الشخص الغيور)، ثمّ بعد ذلك نتبادل الأدوار، هكذا النهج السلوكي يسمح للغيور أن يُدرك الأشياء التي يُبالغ فيها في طريقته، في إصدار رد الفعل أو تحليل الأمور. ويمكن للأقارب أن يشاركوا في هذا العلاج، من خلال المشاركة في لعبة تبادل الأدوار. وتجدر الإشارة إلى أنّه لا يمكن لأي زوج (أو زوجة) أن ينجح وحده في مساعدة الشريك الغيور على الخروج من دائرة غيرته المرضية. إنّ حالة القلق لدى هذا الأخير أمر خارج على سيطرته، حالة هَوَسيّة ومُتزايدة".
للتخلص من هذه الأفكار السلبية (حيث يتحدث الخبراء هنا عن "تشتت معرفي")، على الشخص الغيور أن يفهم أوّلاً ما الذي يختبئ وراء ذلك. وهذا ما تحاول بعض الطرق العلاجية، وخاصة التحليل النفسي، أن تُبيّنه، وذلك من خلال البحث في ماضي الشخص الغيور. "إنّ العلاقة بين الشخص الغيور وأمّه، علاقة عاطفية لا يريد الطفل أن يتقاسمها مع أحد، وليست الغيرة العاطفية سوى إعادة بعث لهذه العلاقة التي عاشها في الطفولة" توضح دينيس لاشو، مُحللة نفسية.
- التبعية العاطفية:
على مدى عشرين سنة، كان ليو ليديري، وهو معالج نفسي ومُحرّر صحافي أخصائي في الصحة، يُعاني غيرة قاتلة، وذلك إلى أن قرّر اللجوء إلى أخصائيين. وبعد أن خضع لجلسات طُرق علاجية عديدة، يُفيد قائلاً: "تمكّنت في النهاية من فهم مصدر غيرتي، فقد ترعرعتُ وأنا طفل معي أمي وحدها هي مَن ربتني.. وذات يوم عاد أبي ليظهر في حياتنا من جديد، لكي يسرق مني حُب أمي لي".
وحسب فيولين باتريسيا غالبيرت، الأخصائية النفسية، فإن " الغيرة ترتبط أساساً برغبة الفرد في تملك الآخر، فالغيور لا يريد أن يفك الآخر من قبضته". وراء هذه الرغبة في التملك، تختبئ حالة من التبعية العاطفية. تقول فيولين باتريسيا: "عندما يحاول زوجي أن يُبرّر أزمات الغيرة التي تنتابه، فإنّه يردد أمامي أنّه لا يستطيع أبداً أن يعيش من دوني. وأن فكرة أن يجد نفسه وحيداً تُرعبه". يتمثل عمل المعالج النفسي هنا، في أن يخرج الغيور من هذه العلاقة الانصهارية، وذلك بتلقينه مبادئ الاستقلالية: وتقول فيولين باتريسيا غالبيرت: "يجب أن يتعلم كيف يستمتع بحياته وحده، من دون وجود الآخر ومن دون الاعتماد عليه".
- تعلّمي الوثوق بنفسك:
إنّ العمل على تقدير الذات أمر ضروري: إذا كان الشخص لا يشعر بأنّه بخير في غياب الطرف الآخر، أو كان يعتقد أنّه مُهدّد دائماً بفقدان الشريك لفائدة شخص ثالث، وذلك لأنّ الغيور لا يؤمن بأنّه في المستوى المطلوب. تقول فيولين باتريسيا غالبيرت: "على الغيور إذن أن يشتغل على تأكيد حضوره. والهدف من العلاج هو أن يتمكن أخيراً من القول: أنا أستحق أن أحتفظ بحبيبتي، لهذا هي ستبقى معي دائماً أو أن يقول: "إذا هَجَرتني لا يهم فأنا أعرف أن لديّ القدرة على لفت انتباه امرأة أخرى".
- الغيرة بين الرجل والمرأة:
من الأكثر شعوراً بالغيرة، هل المرأة أم الرجل؟ حسب الدراسات المختلفة التي تم إجراؤها، فالغيرة هي إحساس تشعر به المرأة كما يشعر به الرجل. أما في ما يتعلق بعدد المرات التي تظهر فيها الغيرة ومدى حدّتها، فالرجل والمرأة أيضاً يتساويان. مع ذلك، فإنّ المرأة والرجل يختلفان في مسألة الغيرة، من حيث طريقة كل واحد منهما في إظهار رد فعله عندما يشعر بالغيرة، تقول أيالا مالاش بينيس، وهي معالجة نفسية متخصصة في الحياة الزوجية: "الرجال يغضبون والنساء يكتئبن". أما ألان كروتنبرغ فيقول: "عند النساء تظهر الغيرة في شكل سلوك هستيري اكتئابي، بينما عند الرجال تظهر في شكل بارانويا وهوس، ما يجعل علاجها أصعب عند الرجال".
من وجهة نظر التحليل النفسي، تعتبر الغيرة انعكاساً للرغبة اللاواعية لدى الطرف الغيور في خيانة الطرف الثاني. ولأنّ الرغبة في الخيانة قوية ولا تحتمل، فإنّ الغيور يدافع عن نفسه بإلصاقها بالآخر.
هذه الآلية، تُسمّى الانعكاس، هي آلية من الصعب تقبّلها، من جهة بالنسبة إلى الغيور الذي لن يعترف بأن ما يعكسه على الآخر ما هو الا رغباته الخاصة، ومن جهة أخرى بالنسبة إلى الطرف الثاني، الذي يمكن أن يصل إلى الخلاصة التالية: "إذن أنا من ينبغي أن يغار مادمت تُريد أن تخونني". وعلى الاثنين إذن أن يعترفا بأن رغبات الطرف الغيور رغبات لا واعية. بالتالي، لا علاقة لها بالحقيقة والواقع.
ارسال التعليق