• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حادث سير عاطفي

يحيى جابر

حادث سير عاطفي
ماذا تفعلين، وماذا تقولين حين يعترف الحبيب لك بأخطائه وأنتِ تقودين السيارة؟ هل تفقدين السيطرة على السيارة وتصطدمين بشجرة الرصيف؟ ما ذنب الشجرة؟ يقول لك حبيبك بهدوء: "نعم لقد خنتك". هل تتوقفين عن السير بسبب شلل يدبُّ في القدمين الثابتتين على دواسة البنزين والمكابح، وتفقدين السيطرة على مشط القدم اليسرى، فتتوقفين فجأة وتصطدم بك من الخلف كل الذكريات التي تمشي خلفك، وتقول لك الذكريات المرتطمة المتشقلبة ببعضها بعضاً: "ما ذنبنا نحنُ الذكريات"؟ الحبيب المتكوم قربك كاعتذار يتابع روايته: "نعم يا حبيبتي لقد خدعتك.. وأعترف". ها هو الحبيب الخائن يعتذر بكل صدق عن كذبته. هل الصدق أن نعترف بالكذب وننجو؟ هل سينجو الخائن بفعلته؟ ماذا تفعلين، وماذا تقولين وأنت تقودين السيارة بلا هوادة في طُرقات بريّة وبحرية وجبليّة، وكل الطُّرقات مفتوحة على جهنّهم مشاعر؟ ما فعله الحبيب الخائن يقوله. لم يكذب ويعترف في حجرة. إعتراف داخل سيارتك. هل تُسامحين هذا المنحني برأسه كذليل؟ هل تذلّينه أكثر؟ هل ستنظرين إليه بإشفاق المغدور على غادره؟ أم تُتابعين النظر إلى الزجاج الأمامي الذي يتحول إلى زجاج أسود مُعتم كقلبك الآن؟ لا فعل بلا ردّة فعل. ربما تتسارع نبضات القلب كوقود ملتهب يُلهبك، فتدوسين بأقصى سرعة على الطريق الجَبَلي، وتصغين إلى وديان تجاورك من النافذة، وتناديك: إقفزي إلى الهاوية. وما الهاوية سوى القلب المفتوح على الفراغ المخيف، حيث تتساقط كلمات إعتذار الحبيب الخائن وتتلاشى في داخلك ميتة لا روح فيها. من داخل وديان الروح تتصاعد الأصوات في رأسك مُؤنّبة: "أنا المغفّلة الغافلة المخدوعة المطعونة".. وهكذا. تقولين للمرآة الأمامية في السيارة: هل أنا بشعة؟ المرآة طبعاً لا تُجيب، وكل مَرَايا السيارة تُراقبك من كل جهاتها، يميناً ويساراً، وأنتِ تقودين ركام قلبك الزجاجي وتسمعينه يُتابع رِشْقَه من حَشْرجات: "هل تُسامحينني يا حبيبتي على خيانتك لي"؟ لكنكِ تسكين كقبر في سيارة. وإن إعتذر الحبيب الخائن الجالس إلى جوارك في السيارة بلمسة، فترفضينها وتفكرين في فتح الباب ورميه من السيارة. تسكت يدك التي تُواصل القيادة بعيداً عن يد طالب الغُفران.. والسيارة تُواصل سيرها. الحبيب يعترف بالخيانة، حيث تنظر إليه بغضب كل شبابيك السيارات التي تتجاوزكما. ولكنكما تسمعان معاً كل الركاب والسائقين والطرقات يقولون: "رأينا أفظع حادث سير عاطفي مُرَوِّع، مازال يمشي ويتدهور على الأوتستراد".

ارسال التعليق

Top