مرحلة المراهقة مرحلة محيّرة سواء للوالدين أو الأبناء، ففيها يختبر صغارنا الكثير من المشاعر وأكثرها مشاعر متضاربة، فهم في لحظة يضحكون ويتحدّثون وينسجمون معكم، وفي لحظة تتبعها تتبنى مشاعرهم الضيق والحزن ويبدؤون في البكاء، ولقد وجد المختصون النفسيون أن أكثر حالات تغير المزاج والمعاناة لدى المراهقين قد تتحوّل إلى حالات إكتئاب؛ لأنّ الصغار غير قادرين على التعبير عما يعانونه والكبار غير قادرين على إكتشاف ما يعانيه الصغار، فتصبح الحالة أكثر تطوّراً مما يستدعي تدخل المعالج المختص.
محاولة فهم الأبناء في مرحلة المراهقة مهمة ليست بالسهلة، وهذا لأنّهم أنفسهم قد لا يدركون حقيقة ما يريدون وما يشعرون، بل ويحاولون الإنغلاق على أنفسهم في محاولة منهم أن يدخلوا عالم الكبار.
نعم، من حقهم أن يكون لهم عالمهم الخاص ومكانهم الخاص، ولكن ليكونوا أيضاً تحت المراقبة حتى تتأكد أنهم يمارسون حياتهم ويستغلون حرِّيتهم بالطريقة الصحيحة.
- الأبناء في مرحلة المراهقة:
1- طلب العون من الخالق من أهم الوسائل، فادعه دائماً أن يعينك على حسن تربية الأبناء وحسن رعايتهم والصبر على التحديات التي تواجهك معهم، بل ادع لهم دائماً بأن يستطيعوا أن يتعاملوا مع حياتهم ومشاعرهم بالشكل الصحيح، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ) (إبراهيم/ 35)، ويستمر في الدعاء: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم/ 37)، وقال: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (إبراهيم/ 40).
وسيدنا زكريا (ع)، إذ دعا الله تعالى لأبنائه قبل أن يولدوا، إننا نراه يدعو الله تعالى أن يزرقه ولداً صالحاً مرضيا عند الله وعند الناس، يتحمل معه أعباء النبوة والدعوة إلى توحيد الخالق سبحانه قائلاً: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (مريم/ 5-6).
ونبينا (ص) يكثر من الدعاء لأبناء المسلمين ويوجّه المسلمين إلى الدعاء لأبنائهم حتى قبل أن يولدوا، فيحثُّ مَنْ أراد إتيان أهله أن يحرص على وقاية طفله القادم من الشيطان؛ فيقول: "لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللّهمّ جنّبنا الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقنا، فيولد بينهما ولد، فلا يصيبه الشيطان أبداً"، بل في سيرته (ص) الكثير من الأحاديث والقصص التي تثبت أهمية الدعاء للأبناء.
2- المحادثة: ثمّ المحادثة والحوار؛ فالعلاقة مع الأبناء تزداد قوة كلّما شعروا بالراحة عند التحدّث مع والديهم، ولكن لابدّ وأن تعلم أن فتح قنوات الحوار مع الصغار يحتاج منك إلى وقت وجهد، وهي ليست مسألة ستتقنها بين عشية وضحاها، فأنت تحتاج إلى حوار يومي ولو عبر الهاتف؛ فهذا يشعرهم بأهميتهم في حياتك، بل يجب أن تكون مهتماً بأحداثهم اليومية وإنجازاتهم الحياتية، ربّما ستواجه بعض الصعوبة، ولكن عندما تمارس الأبوة مع الصداقة ستصل بالتأكيد لمرحلة كسب ثقة الأبناء.
الموازنة بين الصداقة والأبوّة في مرحلة المراهقة مهمة جدّاً، ولا يصح الأمر باستخدام واحدة منهما فقط، فالصداقة مهمة لأنّ الابن يحتاج في هذه المرحلة بعض الخصوصية، وأن يمارس حياته ببعض الإستقلالية، والأبوة مهمة لأنّ الصغير بحاجة للمراقبة والتوجيه.
لا تتخوف من أن تبدأ أي حوار مع صغارك، بل لتكن عادة يومية لديك فأنت بذلك تقدم أكبر مساعدة ممكن أن يحصل عليها الأبناء.
3- الحب: هو من الوسائل المهمة للتفاهم مع الصغار في هذا العمر، وخاصة عندما يكونون بحاجة لأن يشعروا بحبك لهم ورعايتك لهم دون شرط أو سبب، فأنت تحبهم لأنّهم أبناؤك وليس لأنّهم ذوو مميّزات معيّنة، بل تحبهم بمحاسنهم ومساوئهم كما هم، فمن الضروري أن يشعر الصغار بهذا وأن يشعروا بأنّك دائماً متواجد حولهم؛ تقدم لهم العون والمساعدة والاحترام والحماية، ولكن كن حذراً ألا يتحول الحب إلى نقطة ضعفك فتتنازل عن المراقبة الأبوية، وتتنازل عن أي قانون للأسرة بدواعي الحب؛ فهذا النوع من الحب سيضر أكثر مما ينفع.
ولكن، تخيل كيف ستكون علاقتك مع أبنائك عندما يقترن الحب بالحوار والإحترام والإتصال الجيِّد؟!
4- عامل الوقت: "اتركوني بمفردي"؛ جملة بالتأكيد سمعتها كثيراً، نعم، فالابن في حاجة لأن يكون بمفرده بعض الوقت، ولكن يجب ألا تكون هذه الجملة حجة للوالدين للبعد عن صغارهما، بل من الممكن إعطاؤهم بعض الوقت يقضونه مع أنفسهم، ولكن في الوقت نفسه يجب مشاركتهم والتحدث معهم عن أمور الحياة وأنشطتهم اليومية، واللعب ومشاهدة التلفاز والقراءة معهم، فهذا ما سيجعلهم يشعرون أنك تهتم وتعتني بهم، وهو ما سيشكل فرقاً في حياتهم المستقبلية، فمنح الأبناء الوقت الكافي والتمتع به معهم يشعرهم بأن وجودهم ليس "مشكلة" في حياتك، بل هم الأهم في حياتك، وهو ما سيفتح أبواب الحوار معهم ويقوي علاقتك بهم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق