• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

علاقة الدُّعاء بالعبادة

أسرة البلاغ

علاقة الدُّعاء بالعبادة

العبادة هي أحد الأُمور التي يصدق عليها مفهوم الدُّعاء اللغوي الواسع، ويدل على ذلك آيات قرآنية كثيرة وردت في هذا السياق، منها قوله تعالى: ﴿ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا﴾ (الكهف/ 14)، أي لن نعبد إلهاً دونه، فهذه الآية وغيرها تترجم الصلة اللغوية الدائمة القائمة بين العبادة والدُّعاء . أمّا الصلة الاصطلاحية بين العبادة والدُّعاء، فإنّ الدُّعاء في نفسه عبادة، لأنّهما يشتركان في حقيقة واحدة، هي إظهار الخشوع والافتقار إلى الله تعالى، وهو غاية الخلق وعلته، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات/ 56). فالدُّعاء والعبادة يعكسان الفقر المتأصل في كيان الإنسان إلى خالقه تعالى مع إحساسه العميق بالحاجة إليه والرغبة فيما عنده. قال الإمام الصادق (ع): «الدُّعاء هو العبادة التي قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ (غافر/60)». فظهر أنّ الدُّعاء هو معظم العبادة وأفضلها وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «أفضل العبادة الدُّعاء»، وعن سدير عنه (ع)، قال: قلت لأبي جعفر الباقر (ع): أي العبادة أفضل؟ فقال (ع): «ما من شيء أفضل عند الله عزّوجلّ من أن يسأل ويطلب ممّا عنده». وقال الإمام الصادق (ع): «عليكم بالدُّعاء، فإنّكم لا تقربون بمثله».

والدُّعاء ـ بعد ذلك كلّه ـ عبادة تهزّ أعماق الإنسان بالشعور بوجود الله وحضوره في كلّ ملتقى للإنسان، في ما يهمّه من أُمور الحياة، وفي ما يثيره من شؤون الآخرة. وهي عبادة لا تُفرَض عليه كلماتها وأجواؤها من خارج ذاته، من خلال تعليمات مفروضة، بل هي مشاعره وأفكاره وحاجاته وآلامه وآماله وكلماته المنطلقة من ذاته، في أسلوبٍ عفويٍّ محبَّبٍ، في جوٍّ حميمٍ يفقد معه الشعور بالفواصل التي تفصله عن الله، بما تمثِّله علاقة العبد بالسيِّد، أو علاقة المخلوق بخالقه؛ بل هو الجوّ الذي يحسّ فيه بالانفتاح والامتداد في أجواء المطلق. وتلك هي السعادة، كلّ السعادة، والروحية الفيّاضة بالنور والعطر والحياة.

إنّها عبادة الإنسان التي تتحرّك معها حياته كلّها بين يدي الله، في شعور بالمحبّة الذاتية الخالصة التي لا يعرف روعتها إلّا المخلصون من عباد الله. عن رسول الله (ص): «الدُّعاء مخ العبادة، ولا يهلكُ مع الدُّعاء أحدٌ».

فجوهر العبادة إذن هو تحقيق الارتباط والعلاقة بين الخالق والمخلوق، والدُّعاء هو أوسع أبواب ذلك الارتباط وتلك العلاقة، فهو إذن مخ العبادة وحقيقتها وأجلى صورها، قال رسول الله (ص): «أفضلُ العبادة الدُّعاء، وإذا أذن الله لعبدٍ في الدُّعاء فتح له أبواب الرحمة، إنّه لن يهلك مع الدُّعاء أحدٌ».

ارسال التعليق

Top