• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ميراث شهر رمضان

ميراث شهر رمضان

إنّ إرثنا من شهر رمضان، ينبغي أن يكون بأن نحافظ على مكتسباته، وعلى أجوائه الروحية والعبادية والقيم التي زرعها فينا، أن لا نقطع تواصلنا مع القرآن الذي حرصنا في هذا الشهر على أن نختمه مرّات عديدة، أن لا نهجره ولا نقليه، بل أن نستمرَّ، وكما كنّا في شهر رمضان، في تلاوته وحفظه وفهمه وتدارسه، وإن لم يكن بالقدر ذاته. وميراث آخر من شهر رمضان، في أن نحافظ على الأجواء الروحية والإيمانية التي حرصنا عليها في هذا الشهر، بأن نذكر الله في السرّ والعلن، وفي آناء الليل وأطراف النهار، وفي الدُّعاء وأداء الصلوات بأوقاتها، والاهتمام بصلاة الليل وأداء النوافل. ميراث شهر رمضان، بأن نستمرَّ ببسط أيدينا بالعطاء والصدقات لعباد الله، أن نبحث عنهم، فلا ننتظر أن يأتوا إلينا ليبذلوا ماء وجوههم حتى نغدق عليهم من عطائنا، فمن صام، لابدّ من أن يتعالى عن أنانيّته، ويخرج من شرنقة ذاته، ليصبح عبداً باراً، ولا يوجد برّ بلا تواصل وبلا تراحم.

ويبقى من ميراث شهر رمضان، أن نصوم بعده، لكن ليس الصيام عن الطعام والشراب، بل عن كلّ حرام وقبيح من القول والفعل، وكلّ خلق سيِّئ.  فبعد شهر رمضان، نعود إلى الطعام والشراب، ليبدأ هذا النوع من الصيام، وأن نتابع تواصلنا مع أرحامنا ومع جيراننا. إذاً، لابدّ من أن نتابع ما بدأناه في هذا الشهر في بقيّة الشهور، فشهر رمضان لم يرده الله سبحانه أن يكون مجرّد شهر من الشهور، بل هو سيِّد الشهور، وسيِّد الأيّام والليالي، ولابدّ من أن تنعكس قيمه على بقيّة الشهور والأيّام. وبعد ذلك، أن ندرس مدى انسجامنا مع الهدف الذي من أجله كان رمضان، فشهر رمضان هو شهر التغيير، هو شهر إعادة صياغة شخصيّتنا على الصورة التي يريدها الله سبحانه.

لقد كان القرآن واضحاً في دلالته، عندما بيّن الصورة التي لابدّ من أن نتّصف بها حتى نكتب عند الله من الصائمين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183) وأمّا كيف يعرف الإنسان نفسه؛ هل بلغ درجة التقوى أم لا؟ فهو يتحقّق بطريقتين:

الطريقة الأولى، هي بأنّ يعرض نفسه على الآيات والأحاديث التي تحدّثت عن المتقين وبيّنت صفاتهم، للتأكّد من اشتماله على هذه الصفات. من هذه الآيات الكريمة: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذاريات/ 15-19). ومن الأحاديث الشريفة التي تتحدّث عن صفات المتقين: «لا يكون العبد مؤمناً، حتى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشريك شريكه»، «لا يكون الرجلُ تقياً، حتى يُحاسِبَ نفسَهُ محاسبةَ شرِيكه، وحتى يَعلَمَ من أين مَلبَسُهُ، ومَطعَمُهُ، ومَشرَبُهُ». ومن الحديث: «أنّ أهل التقوى أيسر أهل الدُّنيا مؤونةً، وأكثرهم لك معونةً، تذكر فيعينونك، وإن نسيت ذكروك، قوّالون بأمر الله، قوّامون على أمر الله، قطعوا محبّتهم بمحبّة ربّهم، ووحشوا الدُّنيا لطاعة مليكهم، ونظروا إلى الله عزّوجلّ وإلى محبّته بقلوبهم، وعلموا أنّ ذلك هو المنظور إليه، لعظيم شأنه». والطريقة الأُخرى لتأكيد آثار شهر رمضان في نفوسنا، هي قياس مدى قربنا أو بعدنا عن الصفة التي تقابل التقوى، أي الفجور، وقد ورد: «فإنّ الناس اثنان: برٌّ تقيٌّ، وآخر فاجرٌ شقيٌّ».

ارسال التعليق

Top