• ٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ثروة البشرية من سيرة الأنبياء (ع)

ثروة البشرية من سيرة الأنبياء (ع)
ثروة البشرية من سيرة الأنبياء (ع): ثروة لا يقدُرها حق قدرها إلا أولئك الذين توافر لهم الحظ الأوفى من العقل الراجح والبصيرةِ النافذة، والقدرة على إدراك الترابط بين وقائع التاريخ، وخطوات الإنسان في ميادينه هنا وهناك.. فإذا تحقق ذلك – بجانب العقيدة الصحيحة – كانت النظرة السليمة المناسبة إلى تلك الثروة المضيئة المعطاء، ووضعُها الموضع الملائم من مسيرة البناء التي تأخذ أبعادها الحقيقية في ميادين الحياة، إذا توافر لها الإنسان المؤهَّلُ كما ينبغي المبنيُّ بناءً روعي فيه التكامل والتناسق مع الفطرة، وما كان من تكريم الله لبني آدم وخلقِ الإنسان في أحسن تقويم وما أودع الله فيه من أهلية الإفادة من تسخير ما سخّر له في هذا الكون العريض. لقد تبيّن لنا من قبلُ ما للسنة الإلهية في ربط الأمور بالإيمان والعمل والاستقامة، لا بالأنساب والدعاوي – مهما كان لونها – من آثار على العملية الكبرى في بناء الفرد والجماعة وتنمية الموارد البشرية التي لا غنى للبنية الحضارية عن وجودها والتي تسهم في سعادة بني الإنسان. أمّا الجاحدون الظالمون: هم هدامون في الدنيا أشقياء محرومون في الآخرة كما دلت الآية التي استضأنا بنورها (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) (البقرة/ 124). وما من ريب في أن قول إبراهيم وإسماعيل – عليهما السلام – (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) (البقرة/ 128)، يحمل في طياته الحرص على الوقوف عند هذه السنة الربانية الحكيمة؛ فمن لا يكون مؤمناً ولا يستقيم على الطريقة، أنى له هذا الفضل العظيم!. والحق أنّ الذي نراه هنا عند النبيين الكريمين، الوالد والولد – عليهما السلام – رأينا نظيره في دعاء الخليل عليه السلام الوارد في سورة إبراهيم، حيث الإعلان الواضح عن أنّ النسب الحقيقي إنما يكون بسلامة اتباع النبي وطاعته فيما بلَّغ عن الله عزّوجلّ... أمّا من سلك الشِّعْبَ الآخر، وانحرف عن الصراط السوي: فليس من ذلك النبي في شيء، وإن كان ولدَه من صلبه. والدعاء الذي نلمح إليه في سورة إبراهيم، هو ما جاء في قوله تعالى في حديث خليل عليه السلام : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (إبراهيم/ 35-36), وقوله سبحانه: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (إبراهيم/ 40). ولا يخفى على ناظر منصف في البناء الحضاري المتكامل الذي أقامه الإسلام، ما كان لهذه السنة الإلهية الحكيمة – حيث يتفاضل الناس بالتقوى ويرتبط الحكم عليهم بما يُقَدِّمون ابتغاء مرضاة الله... (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13). (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة/ 124)، - من أثر فعّال في تهيئة تكافؤ الفرص، وإنشاء الحوافز عند القادرين، والإفادة من الطاقات، بصرف النظر عن أصحابها – جنساً ولوناً وما إلى ذلك – ما داموا مسلمين صادقين.. وهكذا أسهم في عملية البناء الكبرى وأعطاها عنوانها الإسلامي الأصيل: كل أولئك البررة الأكفياء الذين أسلموا وجوههم لله عزّ وجلّ إيماناً بالرسالة التي أوحيَ بها إلى محمد (ص) وتحركوا بإمكاناتهم تحت رايتها.. وهذا الذي يبدو من تهيئة المناخ الملائم، وإتاحة تكافؤ الفرص للجميع، لأنّ التفاضل كائن بالإيمان والعمل الصالح المثمر، والسلوك الذي يدل على صدق الانتماء.. جدير أن يزيد من ثقة الأديال بمنهج القرآن في البناء واعتزازهم الشديد به، وأن ينمي في نفوسهم حوافز الانطلاق المجدي، والأخذ بالأسباب الموصلة – في ساحات العلم والعمل والجهاد – إلى ما فيه خير الأُمّة ووضع تطلعاتها المستقبلية موضع الحركة والتنفيذ إن شاء الله.   المصدر: كتاب (الإنسان والحياة في وقفاتٍ مع آيات)

ارسال التعليق

Top