• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أبو طالب (رضي الله عنه).. حامي الرسالة وناصرها

عمار كاظم

أبو طالب (رضي الله عنه).. حامي الرسالة وناصرها

عبد مناف، الذي اشتهر بـ(أبو طالب)، أبوه: عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وكان سيِّداً في قومه. أُمّه: فاطمة بنت عمرو بن عابد بن عمران. وكانت من أشراف قريش. بعد أن توفّي عبد المطلب، خلفه ابنه أبو طالب في سيادة قبائل قريش، وكانت له مكانة كبيرة عندهم. ولمّا بدأ الرسول محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بإظهار الدعوة، كان لأبي طالب دورٌ كبيرٌ في حمايته من قريش، الذين أرادوا التخلّص منه، إلّا أنّ أبا طالب كان لهم بالمرصاد، ومنعهم من تحقيق مأربهم. وفي مرّة أراد أبو طالب إعلام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بما تقول قريش، فاستدعاه واطلعه على ذلك، وحينها كان القول المشهور عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا عمّاه، لو وضعوا الشمسَ في يميني والقمرَ في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه». وطلب أبو سفيان من القوم إيقاف محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) عند حدّه وعدم التساهل معه، فقد وقف أبو طالب بوجه أبي سفيان، ويقول أبو طالب: «والله لنمنعنّه ما بقينا أحياء وبنا قوّة ومِنعة»، ثمّ يوجّه أبو طالب الخطاب للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «قُم وتكلّم بما تحبّ، وبلِّغ رسالة ربّك، فأنت الصادق الصديق».

وهكذا تتالت الأحداث المشرِّفة التي قام بها أبو طالب (رضي الله عنه) دفاعاً عن ابن أخيه محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم). وفضلاً عن كلّ هذا الدفاع، فقد كان أبو طالب يحثّ قريش على اتّباع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى أنّه قيل قد أسلم أكثر من أربعين شخصاً من جرّاء دعوة أبي طالب (رضي الله عنه) لهم. عندما أحسّ أبو طالب بدنوّ أجله، أخذ يوصي أولاده وأبناء عمومته، ولم يترك مجالاً إلّا ويوصي خيراً بابن أخيه محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم). كما وردت وصيّة عنه (رضي الله عنه) نصّها: «اجيبوا الدَّاعي، واعطوا السائل، فإنّ فيهما شرف الحياة والممات، وعليكم بصدق الحديث، وأداء الأمانة، فإنّ فيهما محبّة في الخاص، ومَكرَمة في العام. وإنّي أُوصيكم بمحمّد خيراً، فإنّه الأمين في قريش والصديق في العرب، وهو الجامع لكلّ ما أوصيتكم به... وقد جاءنا بأمر قَبِلَه الجنان، وأنكره اللسان مخافة الشنآن...».

تُوفّي أبوطالب في مرض ألمّ به، وذلك في شهر رمضان، في آخر السنة العاشرة من مبعث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، أي قبل الهجرة بحوالي ثلاث سنوات، وكان له من العمر حوالي خمس وثمانين عاماً. وبعده بثلاثة أيّام، تُوفّيت زوجة الرسول خديجة (رضي الله عنها)، وكانت وفاتهما سبب تسمية هذا العام بعام الحزن، لِما ألمّ الرسول من حزن شديد على فقد الزوجة وناصر الرسالة. كانت لوفاته الوقع الكبير على نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلى درجة أنّه سمّى، بحسب الروايات، العام الذي توفّي فيه أبو طالب والسيِّدة خديجة، بعام الحزن، بما يشير إلى الحزن الذي ألمّ به (صلى الله عليه وآله وسلم) جراء فقدانه لعمّه وزوجته، هذا العمّ الذي جاهد وصبر وواجه كلّ التحدّيات، ولم يسلّم ابن أخيه للمشركين، بل واجههم بقوّة ووعي وعنفوان.

أخيراً، إنّ لأبي طالب منزلة كبيرة عند الله ورسوله، ويبقى (رضي الله عنها) من أشراف القوم وسيِّد البطحاء، وشيخ قريش، وبيضة البلد، وكافل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). حيث كان الناصر الوحيد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمحامي عنه والمحتمل لعظيم الأذى من قومه في سبيله والباذل أقصى جهده في نصرته فما كان يصل إلى رسول الله من قومه سوء مدّة حياة أبي طالب.

ارسال التعليق

Top