• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أثر القناعة في تحقيق السعادة

عمار كاظم

أثر القناعة في تحقيق السعادة

للقناعة أهميّةٌ كبرى وأثر بالغ في حياة الإنسان، فهي تحقّق الرخاء النفسي والراحة الجسدية، وتحرّر الإنسان من عبودية المادّة، وتفتح باب العزّة والكرامة والإباء والعفّة والترفّع عن صغائر الأمور. إنّ العبد القانع عفيف النفس وهو أسعد حياةً وأرخى بالاً وأكثر دعةً واستقراراً، وهو من هؤلاء الذين مدحهم الله بقوله تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة/ 273). لذا، صار القانع أغنى الناس، لأنّ حقيقة الغنى هي غنى النفس، والقانع راضٍ ومكتفٍ بما رزقه الله تعالى، وهو لا يحتاج أحداً ولا يسأل سوى الله تعالى. القناعة تمدّ صاحبها بصفاء ويقظة روحية، وبصيرة نافذة، وتحفّزه على التأهب للآخرة، والقيام بالأعمال الصالحة، وتوفير بواعث السعادة فيها، ومن الأسباب المؤدية للقناعة:

- تقوية الإيمان بالله تعالى، وترويض القلب على القناعة، والرضا بما قسمه الله تعالى مع العلم بأنّه ما كان ليخطئني ما أصابني، وما كان يصيبني ما أخطأني، والاستعانة بالله والتوكل عليه والتسليم لقضائه وقدره.

- النظر في حال الصالحين وزهدهم وكفافهم وإعراضهم عن الدنيا وملذاتها.

- تأمل أحوال من هم أقل منا.

- معرفة نعم الله تعالى والتفكر فيها، وأن يعلم أن في القناعة راحة النفس وسلامة الصدر واطمئنان القلب.

- معرفة حكمة الله تعالى في تفاوت الأرزاق والمراتب بين العباد.

- العلم بأنّ الرزق لا يخضع لمقاييس البشر من قوة الذكاء وكثرة الحركة وسعة المعارف، واليقين بأنّ الرزق مكتوب والإنسان في رحم أُمّه.

تظهر أهميّة القناعة بشكل جليّ عندما يتحرّر الإنسان من قيود المادّة، لأنّ التمسّك بالمادّة ذلٌّ على عكس القناعة التي تورث الإنسان العزّة والكرامة. أمّا الثروة والمال فلا تعطي صاحبها الأفضلية على الآخرين سوى بالمال وليس بالمحاسن والفضائل المعنوية، لأنّ المال قابلٌ للزيادة والنقصان، بل والزوال أيضاً، بعكس القناعة التي هي كنزٌ كما قال الإمام عليّ (عليه السلام): «لا كنز أغنى من القناعة»، بل وهي كنزٌ لا يُفنى كما في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث قال: «القناعة كنز لا يُفنى»، لأنّها كنز معنوي، نتيجته تحصيل المقامات المعنوية الرفيعة، كيف لا؟ وهي من أهمّ الأمور التي تُعين الإنسان على صلاح نفسه كما في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أعوَن شيء على صلاح النفس القناعة». وعنه أيضاً (عليه السلام) قال: «القانع غنيّ، وإن جاع وعري»، وقال (عليه السلام): «المُستريح من الناس القانع»، وقال (عليه السلام): «القانع ناجٍ من آفات المطامع». وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «مَن قنع بما رزقه الله، فهو من أغنى الناس». وعنه أيضاً (عليه السلام) قال: «حُرم الحريص خصلتان ولزمته خصلتان، حُرم القناعة فافتقد الراحة، وحُرم الرضا فافتقد اليقين».

قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُون) (التوبة/ 85). وقال عزّوجلّ أيضاً: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه/ 131).

ارسال التعليق

Top