• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أُسس الإيمان الواعي

عمار كاظم

أُسس الإيمان الواعي

عن الإمام عليّ (ع): "الإيمان على أربع دعائم: على الصبر"، لأنّ الإنسان الذي يصبر يستطيع أن يتماسك أمام الشدائد، ويتوازن أمام التحدّيات، ويستطيع أن يضغط على شهواته عندما تدعوه إلى الحرام، ويستطيع أن ينظم غرائزه لتتحرّك في خط رضا الله، ويستطيع أن يقف بقوة أمام المصائب حتى لا ينكسر، وقد ورد في القرآن الكريم: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ) (لقمان/ 17)، فالصبر يمثّل موقع قوة ولا يمثل موقع ضعف؛ لأنّه يمثل الانتصار على كلِّ عناصر الضعف في شخصية الإنسان. وقد روي عن الإمام الباقر (ع): "كلُّ أعمال البر بالصبر يرحمك الله". "واليقين"، لأنّ الإنسان الذي يعيش اليقين – بما يمثله اليقين من الوضوح في كلِّ الأمور – في ما يعتقد، وفي ما يتحرّك، هو إنسان مؤمن بلغ درجة عالية من الإيمان، لأنّه لا معنى لأن يكون الإنسان مؤمناً إذا لم يكن على يقين مما يلتزمه في عقيدته الإيمانية، وفي خطه الإيماني. وبتعبير آخر، هو إنسان ينطلق من خلال الانفتاح على الحقيقة انفتاحاً كاملاً. "والجهاد"؛ لأنّ الإنسان المؤمن هو الذي يعيش الجهاد مع ذاته، فيجاهد نفسه، وقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت/ 69)، والجهاد في مواجهة أعداء الله وأعداء الإنسانية الذين يعملون على إسقاط الإنسان في كلِّ قيمه وفي كلِّ أوضاعه. "والعدل" الذي هو أساس حركة الإيمان في نفس المؤمن، وفي سلوكه، وفي كلِّ حياته؛ لأنّ الله أقام الرسالات كلّها على أساس العدل. وعن رسول الله (ص): "الإيمان في عشرة: المعرفة"، فمن لا معرفة له، لا يستطيع أني يعي آفاق الإيمان وخطوطه وحركته في حياة الناس، لأنّ المعرفة هي التي تضيء للإنسان فكره، وتضيء له طريقه، والتزاماته، ومعاملاته وعلاقاته. إنّ المعرفة هي الضوء الذي ينير الإنسان في كلِّ عناصر شخصيته، ليتحرك على أساس الضوء لا على أساس الظلمة، والجهل ظلمة فكرية وروحية وعملية. "والطاعة"، فالمؤمن هو الذي يطيع الله في كلِّ ما أمره به، وفي كلِّ ما نهاه عنه. "والعلم" في ما ينفتح به الإنسان على مفرداته، في اكتشاف أسرار الكون في خلق الله سبحانه وتعالى، وكلّ ما أفاض الله به على الناس مما ينظم أمورهم. والعلم، في كلِّ مجالاته، هو الذي يكشف للإنسان كلّ ما يحتاجه في الحياة، مما ينظم أمره، ومما يصلح حياته. "والعمل"؛ لأنّه لا قيمة للعلم من دون عمل، فالعمل هو الذي يجعل من العلم تجسيداً حيّاً في الواقع كلّه. "والورع" عن محارم الله سبحانه وتعالى، فمن لا ورع له لا إيمان له؛ لأنّ الإيمان بالله يجعلك تخافه، ويجعلك تحبه، ويجعلك ترجوه، فيدفعك ذلك إلى الورع عن محارمه، والذي يمتدّ إلى مواقع الشبهة في الوقوف عندها احتياطاً للدقة في المسؤولية. "والاجتهاد" في تنمية طاقاتك وطاعة ربك. "والصبر" وقد مرّ الحديث عنه، "واليقين" بما يعنيه من الوضوح "والتسليم والرضا"، بقضاء الله. أمّا التسليم، فهو من أسس الإيمان؛ لأنّ التسليم لله هو عمق الإسلام وامتداداته، وقد قال تعالى حكايةً عن إبراهيم (ع): (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة/ 131)، وقد يوضح ذلك قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام/ 162-163). "فأيها فقد صاحبه بطل نظامه"، يعني أنّه لابدّ من أن تجتمع له كلّ هذه الأمور العشرة لكي تكتمل عناصر الإيمان، وإلا فإنّه إذا فقد واحدةً منها، يكون فقد انتظامه وتوازنه. وعن الإمام علي (ع): "حسن العفاف، والرضا بالكفاف، من دعائم الإيمان"، أن تكون لديك العفة عن كلِّ ما حرّمه الله سبحانه وتعالى، وقد ورد عندنا في حديث الإمام عليّ (ع): "أفضل العبادة العفاف"، يعني أن تعيش العفاف في كيانك، فلا تهجم على كلِّ ما حرمه الله سبحانه وتعالى، وقد ورد أيضاً في كلمة لعليّ (ع): "ما عبد الله بشيء أفضل من عفة بطن أو فرج"، عن أكل الحرام، وعن شرب الحرام، وعن ممارسة الحرام. أما الرضا بالكفاف، فهو عبارة عن القناعة بما يلبي للإنسان حاجاته الطبيعية، وأن لا ينتفح على موارد الطمع. فإذا اجتمع له هذان الأمران، فإنّ ذلك يجعل للإنسان دعامتين من دعائم الإيمان، تقوّيان موقع إيمانه، ومن فقدهما، فإنّه يفقد دعامتين من دعائم الإيمان، ويجعل إيمانه في معرض السقوط والانهيار.

 

ارسال التعليق

Top