• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الأسلوب القصصي في القرآن الكريم

جمعية المعارف الإسلامية

الأسلوب القصصي في القرآن الكريم
1- أحسن القصص:

القرآن معجزة الإسلام الخالدة، تحدّى العالم في الإتيان بمثله، وعجزت العرب بكلّ أدبائها وشعرائها وما كانت تفخر به من القدرة على البيان وصناعة الكلام عن تحدي هذا القرآن والإتيان بآية واحدة مثل القرآن.

وفي القرآن أساليب متعددة من البيان، وأكثر هذه الأساليب تأثيراً في النفوس هو الأسلوب القصصي وقد قال تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ) (يوسف/ 3).

قال أهل اللغة: القص تتبع الأثر، يقال: قصصت أثره، والقصص الأثر، قال تعالى: (قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا) (الكهف/ 64)، (وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصِّيهِ) (القصص/ 11). قال: والقصص الأخبار المتتبعة قال تعالى: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ) (آل عمران/ 62)، (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ) (يوسف/ 111)، (وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) (القصص/ 25).

فما هي فائدة القصة ولماذا استخدم القرآن أسلوب القصص؟

ذكر العلماء فوائد عديدة من اعتماد القرآن على أسلوب القصة بل والإكثار منه:

1- إنّ الإنسان إنما بدأ يتدرج في مراتب الرقي والحضارة من خلال اعتماده على تجارب الماضين من آبائه وأجداده، فتلافى ما وقعوا فيه من أخطاء، وعمل على تطوير ما توصلوا إليه من تجارب. والتاريخ مرآة تنعكس عليها جميع ما للمجتمعات الإنسانية من محاسن ومساوئ ورقي وانحطاط والعوامل لكلّ منها. وعلى هذا فإنّ مطالعة تاريخ الماضين تجعل عمر الإنسان طويلاً بقدر أعمارهم حقاً، لأنّها تضع مجموعة تجاربهم خلال أعمارهم تحت تصرفه واختياره. ولهذا يقول الإمام علي (ع) في حديثه التاريخي خلال وصاياه لولده الحسن المجتبى في هذا الصدد: "أي بُني إني وإن لم أكن عمرت عمر مَن كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم، حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت من أوّلهم إلى آخرهم". وهذا هو تفسير المراد من العبرة في قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ) (يوسف/ 111)، والتاريخ الذي نتحدث عنه طبعاً هو التاريخ الخالي من الخرافات والأكاذيب والتملقات والتحريفات والمسوخات.

2- إنّ القرآن نزل للتأثير على النفوس، وما من شيء أشد أثراً على النفوس من أسلوب القصة، ولذا اعتمد القرآن على إيجاد الموعظة بنحو القصة. وذلك لأنّ القصة تعطي دليلاً حسياً ملموساً لمن يسمعها، فعندما يتحدث القرآن عن فرعون، وعن علوه وعتوه في الأرض، ونحن نعرف ما حل بفرعون حساً ونرى ما بناه من الأهرامات أمام أعيننا، فإنّ ذلك سوف يكون أشد وقعاً في النفس.

3- القصة والتاريخ مفهومان عند كلّ أحد، على خلاف الاستدلالات العقلية، فإنّ الناس في مستوى الإدراك ليسوا سواسية... وعلى هذا فإنّ الكتاب الشامل الذي يريد أن يستفيد منه البدوي والأمّي والمتوحش... إلى الفيلسوف والمفكِّر والمتمدِّن، يجب أن يكون معتمداً على التاريخ والقصص والأمثلة. ومجموعة هذه الجهات تبيّن أنّ القرآن خطا أحسن الخطوات في بيان التواريخ والقصص في سبيل التعليم والتربية، ولا سيّما إذا التفتنا إلى هذه النقطة، وهي أنّ القرآن لا يذكر الوقائع التاريخية في أي مجال بشكل عارٍ من الفائدة، بل يذكر معطياتها بشكل ينتفع بها تربوياً.

 

الأهداف القرآنية من القصص:

لقد تمكن الخطاب القرآني في كتاب الله ومن خلال اعتماد أسلوب القصة من تسجيل أهداف مهمة في خدمة رسالة الإسلام والنبوّة ومن هذه الأهداف:

أوّلاً- إثبات نبوة نبي الإسلام:

فالنبيّ (ص) عاش في مكة لم يخرج منها – إلّا في سفر مكة – ولم يفارق قومه قط، فتاريخ حياته بيّن واضح لديهم ولكنك تجده يورد من قصص الأمم السالفة والأنبياء ما لم يكن لأحد اطلاع عليه ولم يكن لأحد إنكاره ولا مجال إلّا بالتصديق به وقد قال تعالى مخاطباً نبيه مذكراً قومه بأنّ هذا القرآن لم يكن من عند محمّد نفسه بل هو من عند الله: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (القصص/ 44-46).

ثانياً- بيان وحدة الأديان الإلهية:

عندما يورد القرآن الكريم قصص الأنبياء السابقين، فأنّه يريد بيان أنّ هذه الرسالة السماوية أي الإسلام هو امتداد لكافة الشرائع السابقة، فما كان النبيّ (ص) بدعاً من الرُسل وما كانت رسالته مخالفة لما سبقها. فهذا القرآن يذكر قصة موسى – مثلاً – وما فعله بنو إسرائيل ليبيّن أنّ شريعة موسى كانت شريعة إلهية رفضها القوم وحرّفوها.

ثالثاً- تثبيت القلوب:

لقد واجه النبيّ (ص) وأصحابه الكثير من المصاعب في تاريخ الدعوة الإسلامية، فأراد الله عزّ وجلّ أن يسلي نبيّه ويزيح عنه ذلك الهم الكبير الذي شغل نفسه به ألا وهو دعوة قومه إلى الحقّ وهو يواجه تحديهم له ورفضهم الإيمان به وقد قال تعالى: (وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود/ 120).

 

خلاصة الدرس:

1- إنّ من الأساليب البيانية التي اعتمدها القرآن الكريم هو أسلوب القصة.

2- فائدة القصة تظهر من جهات عديدة فهي تشكل عبرة من خلال الاستفادة من تجارب السابقين، وهي أشد تأثيراً في النفوس، وأسهل في إيصال الفكرة للناس كافة.

3- الأهداف المنشودة قرآنياً من القصص هي: إثبات نبوة نبيّ الإسلام، وبيان وحدة الأديان الإلهية، وتثبيت قلوب المؤمنين.

 

المصدر: كتاب قصص القرآن/ سلسلة الدروس الثقافية (20)

ارسال التعليق

Top