• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التفكير والقراءة.. أساس العلم

عمار كاظم

التفكير والقراءة.. أساس العلم

قال الإمام عليّ (عليه السلام): «ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكنّ الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك». هناك خير من نوع آخر في هذه الحياة، ألّا وهو خير العلم النافع الذي يرفع مستوى وعي الإنسان، ويجعله منفتحاً على آفاق الحياة الواسعة، وعلى التفكّر في رحاب الله وعظمته. وهناك الحلم الذي يعيش فيه الإنسان أسمى مشاعر إنسانيّته، ويبرز أصالة أحاسيسه وعمق إدراكه وفهمه وتعامله مع كلّ الظروف والمواقف. نحتاج إلى لحظة تعقّل لأوضاعنا ومحاسبة أنفُسنا، وأن نخرج من كلّ ما يجعلنا أُناساً أنانيّين مفرطين في حبّ الدُّنيا ومظاهرها، والتعلّق الأعمى بفتنة المال والأولاد، وأن ننطلق بكلّ وعي، حتى نحصّل العلم المفيد، ونعيش ثمار الحلم رحمةً وبركةً على الجميع، لأنّ الحياة تعمر بكثرة العلم وعظمة الحلم، بما يؤسّس لمجتمع خيِّر وفاعل.

الله تعالى خلق الإنسان قبضةً من طين ونفخةً من روحه، وهذه الروح الإلهيّة التي دخلت في تكوين الإنسان، كانت عقلاً؛ عقلاً يتحرّك، ليجعل الإنسان خليفته في الأرض، وليحرّك العقل في كلّ عناصر الحياة، في عملية نموّ وإبداع وحركة. أن تكون الحياة عقلاً ينفذ إلى العمق إلى كلّ ما في الحياة من عمق، من أجل أن يكتشف أسرارها بالعلم.. وقد قال الله سبحانه وتعالى للعقل: اقبل إليّ، انفتح على آفاقي، لأعطيك كلّ ما في مواقع القدرة عندي، حتى تتّجه إلى الأعماق لتكتشف الحقيقة. وتوجّه العقل إلى ربِّه فأقبل، ليستوحي من ربِّه كلَّ ما يغني عناصره في اكتشاف الكون وغيرها من العلوم، ليعرف كيف يدير الكون. قال الله جلّ جلاله: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) (فصِّلت/ 53).. فالعقل هو سرّ كلّ عظمة الخلق، هو القيمة التي تعطي للإنسان قيمته، فالإنسان عقل قبل أن يكون جسداً، بل إنّ هذا النوع من التواصل بين العقل والجسد، استطاع أن يعقلن الجسد، حتى الأنبياء والأولياء، عظمتهم أنّ عقولهم قد أخذت أساليب الكمال.

ضرورة الانفتاح الدائم على العقل، بأن نمتلك أُسس التفكير العقلي الذي يطلق الإمكانيات والقدرات، على طريق إنتاج العلم والفكر. والعقل لا يمكن أن يستدل إلى شيء إلّا عن طريق القراءة حيث لها أهميّة بالغة؛ كما في القراءة في الكون، لأنّ الله أراد لنا أن نقرأ في كتاب الكون الذي يتمثّل بالظواهر الكونية، لنتعرّف من خلاله على النظام الكوني، حتى نتمكّن من فهم معالمه وإيضاحها، ولنفهم ما يختزنه من أسرار، من أجل أن نمنح الإنسان من خلال هذا التدقيق في أسرار الكون، شيئاً جديداً يتصل بكلّ جوانب حياتنا، سواء في ما يتعلّق بالمرض والعافية، أو في ما يتعلّق بحركة الإنسان في تطوير المادّة، أو في ما يتعلّق بكلّ أوضاع الحياة. وهذه القراءة يمكن أن تعطينا وعي ما أنتجه الآخرون، من خلال ما أطلقوه من تأمّلات، وما قاموا به من تجارب. ومن الطبيعي أن تكون هذه القراءة قراءةً واعيةً مفكرةً علميةً، لا تحدّق في الكتاب تحديقاً ساذجاً، بل تحاول أن تدرس ما في الكتاب، لتنقد ما ينبغي نقده، ولتقبل ما يمكن قبوله، لأنّ الآخرين قد يخطئون في تأمّلاتهم عندما يتأمّلون، وقد ينحرفون في تجاربهم أو في استنتاج التجربة عندما يجرّبون وهذا خير مثال على القراءة الواعية لتحقيق معرفة واسعة. قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق/ 1-5).

تنمية العقل والتفكير والتأمّل والتجربة والقراءة والحوار للإنسان، شبيه بتنمية الجسد بشكل يومي بالأكل والشرب النافع والمفيد الذي يحتوي الفيتامينات، والابتعاد أيضاً عن الأشياء المضرة، حتى ينمو الجسد نموّاً طبيعياً، كذلك لابدّ من تربية العقل، بأن نفكِّر في كلِّ شيء يعرض علينا، وأن نستفيد من تجاربنا وتجارب الآخرين، وحيازة العلم النافع، كلٌّ بحسب ظروفه وأوضاعه، لأنّ العلم معرفة بالنفس والحياة والواقع والطبيعة والمحيط السياسي والاقتصادي الذي نعيشه حاضراً، أو يمكن أن نخطّط لنعيشه في المستقبل القريب أو البعيد.

ارسال التعليق

Top