• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الدرس الرسالي للنهضة الحسينية

عمار كاظم

الدرس الرسالي للنهضة الحسينية

بيّنت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) أنّ الإصلاح قد يتخذ طريقاً شاقّاً على النفوس، غالي الثمن على المصلح، لكنّه ثمن يستحقه هذا الإصلاح، فالإمام الحسين (عليه السلام) إنّما خرج لطلب الإصلاح في أُمّة جده المصطفى، والإصلاح ذاك كان غرضه الأسمى زلزلة دولة الظالمين وإضعافها، وإذكاء شعلة الثورة والرفض والامتناع عن الركون إلى الظلم والظالمين.

واتضح من ذلك أنّ هذه النهضة المباركة بكلّ ما جرى فيها من أحداث ومواقف قد عبّدت طريق الحرّية في نفوس المستضعفين الأحرار، وحفزت نفوسهم ومنحتها القدرة الإيمانية لرفض الاستعباد والطغيان والتجاوز على حقوق البشر أينما كانوا وفي أيّ زمان وُجدوا، ثم إنّها رسمت لهم منهاجاً بيّناً وشرعةً جليّةً للوصول إلى غرضهم المنشود. فقد قدّم الإمام (عليه السلام) أنموذجاً حيّاً لطريق الحقّ والعدل، وبيّن لنا أنّ السائرين على هذا الطريق وإن أفنوا أجسادهم وما يملكون، فقد حققوا ما كانوا يأملون، وهم الروح التي تُبث في الأُمّة حين تستكين إلى الظلم وتخمل وتتغافل، وهم بعدُ ذخائر للأُمم تتعلم من تضحياتهم وتقتدي بشهاداتهم وتتخذهم مناراً للحرّية والسعادة الأبدية.

إنّ ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، هي أعظم ثورة إصلاحية عرفها التاريخ البشري على سطح الكرة الأرضية لأنّها أحيت المبادئ والقيم المقدسة في نفوس وعقول الأجيال المتعاقبة، وأعطت الدروس المشرقة عن التضحية في سبيل القيم الإسلامية والإنسانية. وقد تأثر عظماء البشرية ومفكريها وسياسيها بشخصية الإمام الحسين (عليه السلام) وسيرته العطرة، لأنّهم وجودوا في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) الرفض المطلق للظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعرقي والقبلي، ولمسوا في حركته التحررية الكرامة الإنسانية، والحرية الفكرية، والعدالة الاجتماعية، والتسامح الديني، والوفاء للقيم الإنسانية.

أطلق الإمام الحسين (عليه السلام) طبيعة تحرّكه، فهو لم يخرج محارباً، لأنّه لو كان يريد الحرب كما هي الحرب، لحشد لذلك الآلاف من الناس، ولكنّه كان يتحرّك من أجل أن يحارب الجهل في عقول الناس، كما كان جدّه يتألم والحقد في قلوبهم، والانحراف في حياتهم، كان (عليه السلام) كجدّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، يحمل الرسالة ويقول: «اللّهمّ اهدِ قومي فإنّهم لا يعلمون». وكان يتألّم كما كان جدّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يتألّم لمن لم ينفتح على الإسلام؛ قال (عليه السلام): «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ»، أطلق عنوان الإصلاح الذي أطلقه الأنبياء، وانطلق ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

وعندما أراد القوم من الحسين (عليه السلام) أن يخضع للاشرعيّة، وينزل على حكم هؤلاء الذين سيطروا على إمارة المسلمين، قال لهم: «لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل، ولا أقرّ إقرار العبيد»، «ألا وإنّ الدّعيّ ابن الدّعيّ قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون». وهكذا وقف الحسين (عليه السلام) في رساليَّة الإسلام وعزّته وحرّيته، وفي كلِّ ما يريد الإسلام أن يؤكِّده في هذا المقام، وأعطى من ثورته وحركته وتضحياته واستشهاده، كلَّ ما يعزِّز موقع الإسلام.

لقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) يحبّ الله تعالى كما لم يحبّه أحد، وينفتح على الله كما لم ينفتح عليه أحد، كان كأبيه (عليه السلام)، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، ونزل في كربلاء ليعطي البشريّة درساً كيف يمكن للرّساليّ أن يبقى مع رسالته حتى الاستشهاد.

ارسال التعليق

Top