يورك برس
◄تتصل السلوكيات القيادية بملمح "الذكاء العاطفي" الذي يربط بين علم النفس والقيادة الفعالة، وهي ليست نظريات مجردة، بل هي مدعمة أيضاً بأدلة قوية، تبيّن أن تلك السلوكيات هي الفارق الذي يفصل بين القائد الحقيقي وغيره، وبين الفريق الذي يتناغم أداؤه بفضل القيادة الإيجابية لقائده، والفريق الذي يخفق بسبب قائده، ويراعى أيضاً أن أعضاء الفريق يتوقعون الكثير من قائدهم، بخلاف المكافآت المالية في كلا المجالين الشخصي والوظيفي، لأنّ تعاونك مع فريقك شيء عظيم ومهم للغاية. ونورد فيما يلي تلك المبادئ الأساسية:
1- الثقة بالنفس والوعي الذاتي:
وهي الأساس في السلوك القيادي، أي القدرة على أن تدرك ذاتك وتفهمها، وتراقب بصدق مواضع القوة ونواحي الضعف فيك، وهي بذلك تنطوي على التواضع (تقدير ما بك من نواحي الضعف) مع الثقة في قدراتك والقدرة على الاعتراف بخطئك، وتفهمك لما تحتاجه من جوانب التطوير والتنمية الذاتية.
وهي تعني أن تكون متسقاً في كل أفعالك وسلوكك. فإذا ما تصرفت بوحي من مشاعرك فحسب، فقد يؤدي ذلك إلى عدم الاتساق أو مجانبة العدل، وهي تنطوي بذلك أيضاً على ضبط النفس والتحكم فيها.
ولتقديم لمحة أخيرة عن الثقة بالنفس، فليس من المفروض أن تكون متسلطاً حتى تحقق الثقة بنفسك، أو تستطيع القيادة، فإن أحد قادة الولايات المتحدة خلال فترة من أشد الفترات العصبية في تاريخها، كان هادئاً، منطوياً، وكان له على أيّة حال ثقة شديدة في نجاح ما يفعله، واستطاع أن ينقل هذا الشعور إلى الآخرين، وتستطيع أنت أيضاً باكتسابك للمعرفة والخبرة، أن تبني الثقة ثمّ تقيّم أفعالك طبقاً لذلك التقييم الذاتي.
2- التكامل (والانسجام):
من أهم ما ينبغي على القائد أن يفعله، هو التصرف بأسلوب متكامل منسجم غير متضارب أو متناقض. وينطوي ذلك على الصراحة والصدق والتركيز على توافر الثقة بين القائد وأعضاء الفريق، حتى يحصل على ثقتهم التامة، إذ لا يمكنك بدون هذه الثقة أن تقود أي فريق.
والتكامل (الانسجام) معناه أيضاً أن تتطابق أفعالك مع أقوالك. والصدق يعني أن تكون محل الثقة وغير مخادع، ويحقق ذلك اتباع قواعد معينة تتعامل بها مع الآخرين، من خلال ما تمتلكه من القيم. وعليك أن تسترجع في ذاكرتك الرؤساء الذين نالوا احترامك الشديد خلال حياتك المهنية. هل كان سلوكهم متكاملاً ومتسقاً مع نفسه؟ لقد أوضح الكثيرون من الأشخاص في استطلاعات الرأي أنّ السلوك الأساسي الذين يتوقعونه وينال إعجابهم بقادتهم، هو "التكامل"، إذ يعني أيضاً التفكير بحرص فيما تؤديه من أفعال، حتى تتأكد من أنك لن تنجذب وتميل إلى الإغراءات واتخاذ القرارات المندفعة أو المتسرعة.
3- الاستحسان والتشجيع والتحفيز:
هل يمكنك أن تسترجع في ذاكرتك قائداً فعالاً لم يكن يبدي استحسانه؟ إنّ التشجيع والاستحسان هما من أساسيات ما نقدمه لتحفيز الفريق. هل تستطيع أن تتخيل أنك تنال التحفيز من شخص لا يهتم بصورة واضحة بما إذا ما كان العمل قد تم إنجازه، كما ينبغي أم لا؟ وينشأ التحفيز من القادة الأكفاء عن رغبة في الإنجاز، بحيث يتخطى ذلك حدود الترقية أو المكافأة المالية. ويكون التحفيز عندئذ داخلياً، لم تحركه أو تدفعه قوى خارجية مثل: المال، أو المكانة، أو السلطة الشخصية. وعليك مرّةً أخرى أن تسترجع في ذاكرتك من عرفتهم من القادة، وأن تسترجع محفزاتك الخاصة، كذلك ينبغي أيضاً أن تركز على سرعة مقدرتك على التمييز بين الأفراد الذين لا يريدون إلا السلطة والمال، وسلوكك تجاههم، وغيرهم من الأفراد الذين تحركهم دوافع أخرى داخلية.
وينطوي الاستحسان والتشجيع والدافع أيضاً على الإصرار والالتزام، وينبغي أن يكون لدى القادة، القدرة المناسبة على اتخاذ أسلوب إيجابي عندما تسوء الأمور، حتى يبينوا أنّه باستطاعتهم تجاوز المشكلات وحلها. ونجد أنّ القادة الأكفاء يوجهون طاقاتهم لدفع الأداء إلى ما هو أفضل مما هو مقبول على المستوى العام.
4- التعاطف مع الآخرين:
يبدي القادة الأكفاء اهتماماً حقيقياً بالأشخاص الذين يقودونهم، ويتفهمون أحوالهم وأحاسيسهم، ويرغبون في تطوير أعضاء فريقهم وتنميتهم كموظفين وكأفراد. كما يعرفون كيف يستجيبون لمختلف الأفراد، وكيف يحصلون على أحسن ما لدى كل منهم. ويُبدي القادة الأكفاء دفئاً تجاه الفريق، كما يسهل الاقتراب منهم، ويتنازلون ويبذلون أي مجهود ممكن لمساندة من يقودونهم، سواء أكان ذلك بقضاء وقت أطول في الحديث مع الأفراد كلما أمكن ذلك – أثناء السير والمحادثة معهم – أم بسؤالهم عما إذا كانوا يحتاجون لأيّة مساعدة.
وحتى تحوز اهتمام الفريق بما تريد تحقيقه، فعليك أيضاً أن تُبدي اهتماماً بما يريدون هم بلوغه، وينطبق ذلك على الجميع: من أكثر الأعضاء خبرةً في الفريق، إلى المبتدئين به.
5- المهارات الاجتماعية:
يمتلك القائد الفعال مقدرةً على بناء العلاقات الإنسانية مع الآخرين بسرعة، وذلك بتوطيد الوئام لا مع الفريق فحسب، بل مع كل إنسان له اتصال به. ولعل بناء هذا الوئام وخلق التواصل الاجتماعي يعتمد على مقدرته في أن يظهر اهتماماً حقيقياً بالأشخاص الآخرين، وأن يحاول إيجاد وسيلة للتقارب المتبادل معهم، أو مجالاً مشتركاً يمكِّنه من بلوغ شيء محدد.
ويحتاج القادة في الكثير من الحالات أن يخلقوا شبكة اتصالات عريضة مع الآخرين، تمكنهم من إنجاز الأمور بسهولة أكبر. ولعل القدرة على إيجاد العناصر المشتركة مع الآخرين والبناء عليها، غاية في الأهمية من أجل تسيير علاقات العمل، والتصرف حيال الصراعات والمواجهات ونزاعات العمل وإيجاد الحلول الناجحة ونزاعات العمل لكل من المشكلات طويلة الأجل وقصيرة الأمد.
مهارات الخبرة التخصصية:
وهي مرتبطة بـ"سلطة الخبرة"، ولو أنها ليست طريقةً محددةً للسلوك، إذ إنّه من الضروري أن تحتاج – لكي تكون قائداً فعالاً – أن تُلم بوظيفتك، وبعبارة أخرى، ينبغي أن تمتلك المعرفة والخبرة المتخصصة للتصرف حيال المواقف التي يحتمل أن تواجهها مع فريقك، ولا تحتاج لأن تعرف بنفس القدر، مساوئ فريقك بأكمله، بل تحتاج لأن تمكِّنهم من استخدام معرفتهم وخبرتهم إلى أقصى مدى ممكن لتحقيق أفضل النتائج. فأنت المعماري المصمم، ولست العبقري الذي يعرف كل شيء.
المهارات المعرفية (الذهنية):
يراعى أنّ القادة لديهم مقدرة على التفكير الواضح في المشكلات، وعلى وضع الخطط واتخاذ القرارات، وإيجاد الحلول لكافة المشكلات كما يتخذون أسلوباً منطقياً في أداء المهام؛ ولكنهم لا يستبعدون الابتكار أو الأفكار الجديدة. ويمكن بهذه الطريقة، التوصل إلى أفضل المخرجات والنتائج.
وليس عليك أن تكون عبقرياً، ولكن عليك تداول الأمور بالطريقة السليمة، وسوف تتطور هذه المهارة لديك بمرور الزمن.
خبرتك الذاتية:
هل ترتبط هذه السلوكيات القيادية مع خبراتك الذاتية السابقة. ولعلك سوف تتذكر أنك أدرجت قائمةً بالأشياء التي فعلها أفضل رؤسائك، والتي جعلت منهم رؤساء أكفاء. وعليك الآن أن تدرج قائمةً بسلوكياتهم القيادية، وضع علامة على العناصر التي تكشفت لك منهم. وقد يكون من المحتمل أن تجد كل إنسان وثقت به وعملت معه بإخلاص، قد أظهر أغلبها إن لم يكن قد طبق كافة تلك السلوكيات القيادية. ولعل السلوك الذي يبلور هذه المبادئ لن يجعل منك قائداً فعالاً تلقائياً، فأنت تحتاج أيضاً إلى مهارات قيادية أخرى، وعليك أن تستخدم كلاً منها.
ويراعى في التحليل النهائي أن أهم المبادئ الأساسية مراعاة مبدأ "عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك"، فإذا ما اتبعت هذه القاعدة الذهبية؛ فسوف تستخدم غالبية المبادئ الرئيسة التي سبق ذكرها، ولابدّ أن تفكر فيها بعناية، وإذا كنت غير قادر على التمسك بمبادئ السلوكيات القيادية؛ فعليك عندئذ مراجعة الأسباب التي تدعوك إلى أن تصبح قائداً.
لماذا تكون مثالاً أو قدوةً للآخرين؟
تتوافق جميع المبادئ جميعها معاً، لا في الطريقة التي يستجيب بها الفريق لك فحسب، بل في طريقة تصرفهم كذلك، فسوف يستجيبون لرد فعلك، إذ إنك مسؤول بشكل أو بآخر عن تحديد الأسلوب الذي تنمو به العلاقات داخل الفريق، سواء إلى الأفضل أو إلى الأسوأ. ومن المهم أن ترى مثالاً وقدوةً واضحةً وإيجابيةً لفريقك، مستخدماً المبادئ التي سبق ذكرها، فهي تبعث برسائل مهمة لهم، قد تؤثر على قيم الفريق.
وقد يبدو لفظ القيم لفظاً عفا عليه الدهر، ولكن أعضاء الفريق سوف يسلكون نفس أنماط سلوكيات القائد، إذ يكون الشعور أن ما يفعله القائد أياً كان، لابدّ أن يكون مقبولاً. ويفعل الكثيرون ذلك بدون وعي أو شعور منهم، وتحتاج إلى أن تسلك نفس الأسلوب الذي ترغب أن يسلكه أعضاء الفريق، والدليل الموجز الجيِّد، لذلك كله، هو الجملة العسكرية القديمة: "عليك القيادة بإعطاء المثل".
ويسجل لنا التاريخ أهمية إعطاء المثل وتأثيره على الآخرين، وقد قال فرانسيس بيكون في القرن السادس عشر: "إنّ الرجل الذي يعطي النصح والمثل الطيب يبني بكلتا يديه، ولكن الرجل الذي يقدم نصحاً سديداً ومثلاً سيئاً للآخرين، يبني بيدٍ ويهدم باليد الأخرى".
وسواء أحببت ذلك أم لا، فسوف تكون المثال والقدوة لفريقك. ولعل السؤال الأهم هنا هو: هل تقدم المثال السديد أم المثال السيء؟ ولا تنس أنّ الأفعال في القيادة، تتحدث بصوت أعلى من الكلمات والأقوال.
مسؤولية السلطة:
وأخيراً فإنك إذا مُنِحت سلطة القيادة؛ فعليك أن تتقبل المسؤولية التي تقترن بها، وعليك أن تتذكر دائماً ما عليك من واجب تفعله بأفضل شكل ممكن لفريقك، على كل من المستوى الشخصي والمستوى المهني؛ حتى تتيح لهم أن يقدموا إليك أفضل ما لديهم، "كن خادماً لهم لكي تقودهم" هي الحكمة الجامعة بدقة لكل هذه المعاني، ولكي تقود فريقك بكفاءة؛ فعليك من خلال أفعالك أن تمكّن وتشجّع أعضاء الفريق لكي يعملوا بأحسن ما يستطيعون.►
المصدر: كتاب القياة الإدارية الفعّالة/ سلسلة الإدارة العملية
ارسال التعليق