الأخلاق في الإسلام تطول كلّ مفردات الحياة العامّة والخاصّة للإنسان، في أدقّ تفاصيلها، بما يبرز أصالة التشريع لجهة بناء فردٍ سوي وصحّي على المستوى الروحي والأخلاقي والإيماني، فنجد للعبادات والمعاملات في الإسلام أبعاداً روحية أخلاقية تهدف إلى تربية مشاعر الإنسان على كلّ معنى وقيمة ترتفع به نحو آفاق الحياة كلّها، وبما يمنحه عمق الارتباط بالله تعالى وبأصالة هويّته الإنسانية، فمكارم الأخلاق هي أساس الإسلام الرئيس، وعليه تقوم غايات الأوامر والنواهي الشرعية، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق». شخصية الإنسان بمحتواها الداخلي، من مشاعر وانفعالات وتصوّرات وأفكار، لا يمكن لها أن تتوازن وتستقرّ وتتكامل، ما لم تكن مؤسّسة على قاعدة أخلاقية سويّة تهذّب هذا المحتوى وتسمو به، وتنقله من حالة اللااستقرار والتذّبذب، إلى حالة التكامل والتفاعل، بما يجعله على بصيرة من أمره، فينطلق بكلّ همّة ووعي لإصلاح ما يمكن إصلاحه من أوضاعه، وللمساهمة في التخفيف من أعباء الحياة عنه وعن الآخرين من حوله.
الأخلاق على المستوى الفردي، كما الجماعي، في جوانبها الإنسانية والاجتماعية، تأخذ بروح الإنسان نحو الشفافية والصفاء والنقاء، بما ينعكس إيجاباً على مستوى قراءته للأُمور والأحداث، وتجاوبه مع كثير من الانفعالات، بما يضمن سلامة قراره وخطواته، فتراه يعرف معنى الباطل والظلم والقبح، فيمتنع عن بصيرة وقناعة، فلا يغتاب ولا يكذب ولا يظلم، ولا يسعى في نميمة أو فتنة، بل هو دائم السعي لفعل الخيرات، يحبّ مَن حوله ويرحمهم، ويتواصل مع أرحامه وجيرانه، ويخدم مجتمعه بكلّ ما استطاع، إنّها أخلاقيّاته التي أهّلته على صعيد الروح والفكر والبصيرة، فجعلت منه إنساناً خلوقاً يعيش تجلّيات الأخلاق وأبعادها، سلوكياتٍ ومشاعرَ صادقة وطيِّبة في كلّ ميادين الحياة.
يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): «اللّهُمّ صلِّ على محمّد وآله، وبَلِّغْ بإيماني أكملَ الإيمانِ، واجعلْ يقيني أفضلَ اليقين، وانتهِ بنيّتي إلى أحسنِ النيّاتِ، وبعملي إلى أحسنِ الأعمالِ. اللَّهُمّ وَفِّرْ بلُطفِك نيّتي، وصَحِّحْ بما عندك يقيني، واستصلِحْ بقدرتِك ما فسدَ منّي. اللَّهُمّ صلِّ على محمّد وآله، واكفني ما يشغلُني الاهتمامُ به، واستعملْني بما تسألني غداً عنه، واستفرِغْ أيّامي فيما خلقتني له، واغنني واوسع عليَّ في رزقِك، ولا تفتِنِّي بالنظرِ، واعزّني، ولا تبتلينِّي بالكِبرِ، وعبِّدني لك، ولا تُفسِد عبادتي بالعُجبِ، واجرِ للناسِ على يَدَيَّ الخيرَ، ولا تمحقهُ بالمَنِّ، وهَبْ لي معالي الأخلاقِ، واعصِمْني من الفَخرِ. اللَّهُمّ صلِّ على محمّد وآله، ولا ترفعني في الناسِ درجـةً إلّا حَطَطتني عند نفسي مثلها، ولا تُحدِثْ لي عزّاً ظاهراً إلّا أحدَثتَ لي ذلَّةً باطنةً عند نفسي بقَدَرِها. اللَّهُمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، ومَتِّعني بهدىً صالح لا أستبدلُ به، وطريقةِ حقٍّ لا أزيغُ عنها، ونيَّةِ رُشد لا أشكُّ فيها، وعمِّرْني ما كان عمري بذلةً في طاعتِك، فإذا كان عمري مَرتَعَاً للشيطانِ، فاقبضني إليـك قبـلَ أن يسبقمقتُـك إليَّ، أو يستحكمَ غضبُك عليَّ. اللَّهُمّ لا تدعْ خَصلَةً تُعَابُ منّي إلّا أصلحتَها، ولا عآئبةً أُؤَنَّبُ بها إلّا حَسَّنتها، ولا أُكرُومةً فيَّ ناقصةً إلّا أتمَمتَها».
نستلهم من هذا الدُّعاء للإمام السجّاد (عليه السلام)، الأخلاقيات العالية التي علينا تمثّلها في واقعنا المتعطّش إلى المشاعر النظيفة، والأفكار الصحيحة النافعة، والسلوكيات التي تبني مجتمعاً فاضلاً صالحاً تعيد له حضوره وفعاليته، وتصنع له قاعدة قوية يتحرّك عليها، وينطلق منها نحو الكمال والانفتاح على الله تعالى.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق