◄أوّلاً: مفهوم التخطيط في الموارد البشرية:
التخطيط هو أحد الوظائف المنوطة بإدارة الموارد البشرية وهي بطبيعتها تتفاعل مع المجتمع الداخلي (المنظمة) والمجتمع الخارجي (الجمهور)، وهو عبارة عن قراراتٍ تهدف إلى التنبؤ بالمستقبل، والتعامل مع المستجدات، ووضع تصور للبدائل والاحتياطات.
فالتخطيط هو تلك العملية التي يتم من خلالها توفير الموارد البشرية بالمواصفات المطلوبة آنياً ومستقبلاً وبما يتفق واحتياجات العمل بالكلفة الأقل، معتمدةً على الرقابة والتقييم.
ومن هنا يحقق التخطيط هدفاً حيوياً وهو أن لا تتعطل مسيرة المنظمة في أي وقت من الأوقات كي تحقق المنظمة أهدافها.
إنّ التخطيط للموارد البشرية يضمن عدم الوقوع في مصيدة العجز أو خانة الفائض عن الحاجة الفعلية إذ أننا نرى بعض الأقسام تعاني من ضغطٍ هائلٍ في العمل نتيجة قلة عدد العاملين بها مما يحول دون تحقيق أهدافها بينما نجد أقساماً أخرى تشكو فائضاً لديها.
وبعبارة أخرى فإن مفهوم التخطيط للقوى العاملة ينطوي على الآتي:
1- تقدير الاحتياجات من القوى العاملة لفترةٍ مقبلةٍ للمنشأة حسب التخصصات والاحتياجات الفعلية، وتحديد سبل تأمين هذه الاحتياجات لتمكين المنظمة من تحقيق أهدافها وتنفيذ نشاطاتها بكفاءةٍ وفاعلية.
2- تتطلب عملية التنبؤ باحتياجات المنشأة من العمالة عن فترة الخطة: القيام بجمع المعلومات وتحليلها والمتعلقة بالاتجاهات في استخدام العمالة في الماضي والحاضر والمستقبل للوصول إلى تنبؤاتٍ واقعيةٍ تخدم كقاعدةٍ في تخطيط الحاجة من العمالة.
3- إنّ تخطيط القوى العاملة ينبغي أن يكون في إطار الخطة الشاملة للمنظمة وجزءاً منها ومنسجماً معها، يأخذ بالظروف والإمكانيات المالية للمنشأة.
4- تعتبر عملية التخطيط مستمرةً لا تقف عند حد حيث تأخذ بالمتغيرات في البيئة من اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وتقنية.
5- ينبغي أن تتسم خطة القوى العاملة بالشمول والمرونة بحيث تراعى المتطلبات الديناميكية في مقابلة الاحتياجات المتغيرة لسائر الإدارات والأقسام العاملة في المنشأة والتي قد تأتي بشكلٍ مفاجئٍ أو وفق الخطة المعتمدة والتي قد تتطلب التوسع أو الانكماش وفق الظروف المتغيرة.
ثانياً: أهمية التخطيط للموارد البشرية:
رغم استقرار أوضاع المنظمة إلا أن طبيعة الأشياء أن يحدث إحلالٌ ودفق ماءٍ جديدةٍ وهو أمر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار سواء على المستقبل القريب أو البعيد، وخاصةً إذا كانت المنظمة كبيرة أو تطمح إلى التوسع يوماً ما.
وتكمن أهمية التخطيط للموارد البشرية في أنّه يحقق الآتي:
1- يؤدي إلى تخفيض التكاليف المرتبطة بالموارد البشرية عن طريق التنبؤ الدقيق بالحاجات المستقبلية لكل وظيفةٍ من الوظائف في المنظمة، وهذا يؤدي إلى استثمار الطاقات البشرية بشكلٍ كفؤٍ وتقليل الفائض في بعض الوظائف والعجز في وظائف أخرى، لاسيّما تلك الوظائف التي تتطلب مهاراتٍ عاليةً وتواجه بعرضٍ قليلٍ منها.
2- يوفر للمنظمة المدخلات المطلوبة (مهارات، قابليات، خصائص) في الوقت المناسب، مما يؤدي إلى نجاح برامج تخطيط وتطوير المسار المهني للعاملين.
3- يؤدي إلى الموازنة الكفوءة بين نشاطات ووظائف إدارة الموارد البشرية وأهداف المنظمة، بحيث تحقق هذه الموازنة كفاءة الأداء الفردي والتنظيمي.
4- يساهم التخطيط للموارد البشرية في بناء القاعدة الأساسية لنجاح خطط وسياسات الموارد البشرية الأخرى كالاختيار والتدريب والتحفيز.. إلخ.
5- يؤدي توفير الكفاءات بشكلٍ منسجمٍ مع حاجات ومتطلبات المنظمة إلى رفع مستوى رضا العاملين عن أعمالهم ومنظمتهم.
6- يُعد التخطيط للموارد البشرية على مستوى المنظمة الأساس في وضع خطة الموارد البشرية على المستوى القومي وبصورةٍ خاصة في المؤسسات التابعة للقطاع العام أو تلك المؤسسات العاملة في ظل النظام الاشتراكي.
ثالثاً: خطوات التخطيط:
تتكون عملية تخطيط الموارد البشرية من العناصر التالية:
1- تحديد أنواع الوظائف، ونوعيات الأفراد المطلوبين لتاريخ مستقبل.
2- تحديد أعداد الأفراد اللازمين من كلّ نوعية.
3- التنبؤ بالمناخ داخل المنظمة وفي سوق العمل في كلّ نوعية للتاريخ المستقبل.
4- تحديد الفائض أو العجز في كلّ مجموعة.
5- تحديد أساليب معالجة الفائض أو العجز.
ولمزيد من التفاصيل:
الخطوة الأولى: تحديد أنواع الوظائف ونوعيات الأفراد المطلوبين وتقوم على عمليتين رئيسيتين هما تحليل طبيعة نشاط المنظمة وهيكلها التنظيمي، وتحليل الوظائف وتوصيفها.
أما تحليل نشاط المنظمة وهيكلها التنظيمي فيقتضي:
أ) استحضار البيانات الوافية عن التنظيم الحالي للمنظمة والتعديلات المقترح إجراؤها في المستقبل تمشياً مع التطورات والمستجدات المتوقعة.
ب) استحضار البيانات الوافية عن الموارد البشرية الحالية من حيث توزيع العاملين الحاليين سابقاً وحالياً للتعرف على مدى التطور الكيفي والكمي.
وكذلك توزيعهم حسب الوظيفة أو التخصص، وتوزيعهم حسب الإدارات والأقسام لمعرفة مدى توازن العمالة، وكذلك توزيعهم بحسب أعمارهم ومؤهلاتهم وخبراتهم... إلخ.
ت) استحضار بيانات عن نشاط المنشأة الرئيسي حجم العمل وقيمته سابقاً وحالياً والتوقعات المستقبلية، ومدى الطاقة الإنتاجية المتاحة وحجم المستغل منها، ومعدلات الإنتاج.
ث) بيانات عن التغيرات المتوقعة على أساليب وطرق العمل، ومثال ذلك استخدام الكمبيوتر بدلاً من النظام اليدوي وما يستتبعه من إلغاء بعض الوظائف أو شراء أراضٍ وبناء فروعٍ عليها فتصبح أصولاً بدلاً من التأجير.. وهكذا.
ج) بيانات عن التجديدات أو التحسينات المتوقعة مما قد يؤدي إلى تقليل العمالة، أو البحث عن عمالةٍ ذات مواصفاتٍ مختلفةٍ عن الموجودة حالياً.
وأما عن تحليل الوظائف وتوصيفها فيقصد بها إعداد الدراسة التفصيلية لمكونات الوظيفة، وخطوات تنفيذها، وواجباتها، والظروف الملازمة لها، ويتم جمع هذه المعلومات إما عن طريق الاستقصاء أو الاستبيان (Questionnaire) أو طريقة الملاحظة الشخصية (Observation) أو المقابلة (Interview).
وبعد جمع هذه البيانات يتم تحليلها، وهذا التحليل يهدف إلى التعرف على الصفات والخصائص المميزة لهذه الوظائف ويستعان في ذلك بما يسمى العوامل التحليلية، وهي:
1- طبيعة العمل واختلاف وتعقد الواجبات.
2- الرقابة الإشرافية الواقعة على الوظيفة.
3- إشراف الوظيفة على أعمال الغير.
4- المبادأة والتصرف والابتكار.
5- طبيعة ونطاق القرارات والمسؤولية عنها وأهمية الأخطاء.
6- الاتصال والعلاقات الشخصية.
7- المؤهلات المطلوبة لشغل الوظيفة.
الخطوة الثانية: تحديد أعداد الأفراد اللازمين لكل نوعيةٍ من الوظائف وهي تتضمن عدة عوامل يجب أخذها في الاعتبار عند تحديد عدد الأفراد في كلّ وظيفةٍ مطلوبةٍ وهي:
1- تحليل متطلبات العمالة حسب عبء العمل المطلوب أدائه، وتتضمن هذه العملية تحديد حجم الأعمال المطلوب تأديتها والزمن المطلوب لذلك.
2- تحليل أثر التغيرات التكنولوجية ومدى المستوى التكنولوجي المطلوب ومدى الاعتماد عليه في إنجاز الأعمال.
3- تحليل احتياجات الإحلال نتيجة للاستقالات أو التقاعدات أو الترقيات.. إلخ.
الخطوة الثالثة: التنبؤ بالمتاح داخل المنظمة من كلّ نوعية. ويقصد بها التنبؤ بمدى توفر قوة العمل من كلّ نوعيةٍ داخل المنظمة خلال فترة الخطة، وكذلك التنبؤ بالمتاح من كلّ نوعيةٍ في سوق العمل، والتعرف على سياسة الدولة في استقدام العمالة، والسياسة التعليمية والتدريبية على مستوى الدولة.
الخطوة الرابعة: تحديد الفائض أو العجز في كل مجموعةٍ نوعيةٍ من الوظائف. ويقصد بها الفائض أو العجز في العمالة سواء على المستوى النوعي أو المستوى الكمي.
الخطوة الخامسة: تحديد أساليب معالجة الفائض أو العجز، وهذا يعتمد على حالة سوق العمل، ففي حالة الندرة فعلى المنظمة إعادة تدريب العاملين وتأهيلهم لأعمال أخرى.
أما في حالة سوق العمل المتسم بالوفرة فتلجأ المنظمة إلى الاستغناء عن العمالة الزائدة.
وفي حالة العجز في العمالة وكان سوق العمل متسماً بالندرة فيمكن تنشيط الاستقطاب بزيادة الأجور أو التساهل في بعض الشروط.
أما في حالة ما إذا كان السوق متسماً بالوفرة فتكون المعايير أكثر تشدداً.
رابعاً: أساليب التخطيط:
لأجل معرفة العمالة المطلوبة تتبع بعض الأساليب التنبؤية، وتنقسم إلى أساليب غير كمية وأخرى كمية، وفيما يلي عرض مبسط لكل منهما:
أ) الأساليب غير الكمية (الحكمية).
1- التنبؤ من أعلى إلى أسفل (استطلاع آراء المسؤولين).
2- التنبؤ من أسفل إلى أعلى (استطلاع آراء العاملين).
3- طريقة تحديد الأهداف: بناءً على تحديد الأهداف التفصيلية للقطاعات والوحدات وفقاً للخطة العامة.
4- طريقة دلفى: تعتمد هذه الطريقة على آراء ذوي الخبرة من المستشارين في مجال تنمية الموارد البشرية وتخطيط الاحتياجات منها.
ب) الأساليب الكمية.
خامساً: علاقة عملية تخطيط الموارد البشرية على مستوى المنظمة:
إذا ما أردنا الحديث عن علاقة تخطيط الموارد البشرية على مستوى المنظمة من حيث مكونات المنظمة أو الهيكل التنظيمي لها فيمكن القول "أن عملية التخطيط – في حد ذاتها – عمليةٌ جماعيةٌ بمعنى أنها تتطلب تضافر جهود أكثر من شخصٍ وأكثر من وحدةٍ تنظيميةٍ حتى يكون التخطيط شاملاً متكاملاً".
والأصل أن تخطيط الموارد البشرية يدخل ضمن اختصاصات الموارد البشرية. إلا أن اعتبارات الشمول والتكامل تتطلب اشتراك وحداتٍ تنظيمية أخرى وهي الإدارات التي تحتاج لأحجام ونوعيات العمالة اللازمة، مثل إدارات التسويق، والإنتاج والعمليات. فيمكن أن تتنبأ إدارة التسويق بحجم المبيعات عن فترةٍ قادمةٍ موزعاً على المنتجات والمناطق البيعية المختلفة. وعلى أساس ذلك يجري تخطيط حجم الإنتاج والعمليات بالنسبة لكل منتج ومنطقة بيعية. وبالتالي يمكن تقدير احتياجات العمالة اللازمة لكل من منتجات المنظمة. وبالتبعية يمكن تقدير الحجم المتكامل للعمالة في الأنشطة الإنتاجية وكذا الأنشطة الخدمية المساعدة مثل المخازن والصيانة والأنشطة الإدارية والمكتبية الأخرى وما إلى ذلك.
ومن ناحيةٍ أخرى قد يكون هناك شكل آخر لاشتراك الإدارات الأخرى مع إدارة الموارد البشرية في خطط العمالة. فقد ينبع التخطيط من الأقسام والإدارات التي تنقل توقعاتها عن الاحتياجات من العمالة إلى إدارة الموارد البشرية التي تجمعها وتنسق بينها وتفيد منها في وضع تخطيطٍ للعمالة نابعٍ من احتياجات وتوقعات هذه الوحدات.
وقد يقتصر إسهام الإدارات الأخرى على مجرد إتاحة البيانات التي تحتاجها إدارة الموارد البشرية لتخطيط العمالة، أو يتعدى الأمر ذلك لمشاركتها بالرأي والمقترحات في هذا الصدد.
سادساً: مشاكل تخطيط الموارد البشرية:
1- عدم توفر البيانات الكاملة اللازمة لعملية تخطيط الموارد البشرية.
2- ضعف كفاءة القائمين على عملية تخطيط الموارد البشرية.
3- تعدد العوامل المؤثرة على عملية تخطيط الموارد البشرية وتشابكها.
4- انخفاض الإنتاجية في فترات التأهيل والتهيئة المبدئية للعاملين الجدد.
5- صعوبة التنسيق والتكامل في كثيرٍ من الأحيان بين تخطيط الموارد البشرية وبين الأنشطة الأخرى الضرورية لتنمية الموارد البشرية، كالاختيار والتعيين والتدريب والتنمية والنقل والترقية.
6- اختلال الهيكل الوظيفي الحالي بالمنظمة، حيث يوجد فائض في العمالة في بعض الوظائف في حين يوجد عجز في بعض الوظائف الأخرى.
7- صعوبة التوفيق بين الأساليب الوصفية والكمية عند التخطيط للموارد البشرية.►
المصدر: كتاب المدخل إلى إدارة الموارد البشرية/ سلسلة الإدارة والحياة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق