• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

رمضان.. شهر الجود والسخاء

رمضان.. شهر الجود والسخاء

◄رمضانَ شهرُ الجود، وشهر السخاء، فالنفوس في هذا الشهر تقترب من مولاها، وتنبعث إلى ما يزكيها ويطهرها من شحها، (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر/ من الآية 9). رمضان شهر الجود والصدقة، يجود الله تعالى فيه على عباده بالغفران، ويجود العباد بما في أيديهم ابتغاء المغفرة والرحمة، وكان النبي (ص) أجود الناس وكان له في رمضان زيادة من الجود والعطاء والكرم. فينبغي على المرء أن يجود في رمضان حين تعظم علاقته بكتاب الله تعالى قراءة وتدبراً وفهماً وحفظاً، وينبغي أيضاً أن يعظم جوده حين يقرأ آيات الإنفاق في القرآن الكريم في هذا الشهر العظيم. للصدقة والسخاء فضائلُ كثيرة لا تُحصى، فالصدقة تطفئ غضبَ الرب، فإذا إنزلق المسلم إلى ذنبٍ وشعرَ بأنه باعدَ بينه وبين ربه، فإنّ الطهور الذي يردُّ إليه نقاءَهُ ويردُّ إليه ضياءَهُ ويلفُّهُ في ستر الغفران والرضا أن يأخذَ من مالِ عزيزٍ عليه فيُنفقه للفقراء والمساكين زُلفَى يتقرَّبُ بها إلى أرحم الراحمين، قال رسول الله (ص): "صنائع المعروف تقي مصارع السوء وإنّ صدقة السرّ تطفىء غضب الربِّ، وإنّ صلة الرحم تزيد في العمر، وتنفي الفقر".

للصدقة أجر وفضل كبير وخصوصاً في شهر رمضان، منها إنّ الله تعالى يعتق الناس في رمضان ويجود عليهم ويرحمهم، والله يرحم من عباده الرحماء، فمن رحم الناس وجاد عليهم فالله يجود عليه ويرحمه. وأيضاً الجمع بين الصدقة والصيام من أسباب دخول أعلى الجنة، كما قال النبي (ص): "إنّ في الجنة غرفاً يُرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها"، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: "لمن طيَّب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام"، فلعل هذه الخصال تجتمع كلها في رمضان.

الصدقة تجبُر ما قد يلحق الصيام من نقص أو تقصير أو خلل، وذلك نحو زكاة الفطر الواجبة، والصدقات التطوعية. إذا أطعم الصائم الطعام في رمضان فهو له صدقة، وهو أيضاً شكر لنعمة الله تبارك وتعالى وهو إيثار بما لديه من مال وتذكر للفقراء والمساكين، فتكون هذه الصدقة محققة لفوائد كثيرة من فوائد الصيام وحكمه. فالجمع بين الصيام والصدقة من الدلائل الواضحة على الإيمان، فالمرء قد يصوم لكنه لا يتصدق، إذ المرء مفطور على الشح والإستئثار بما يملك، فلو أخرج وأنفق كان ذلك دليلاً على إرادته التقرب من الله سبحانه وتعالى وعلى تخلصه من الشح الملازم لأكثر الناس. والتعود على الصدقة في رمضان سبيل لإعتيادها بعد ذلك في أشهر العام كلها، فيصبح المتصدق وقد أصبحت الصدقة سجية له وطبعاً، وهذا من أعظم الأهداف والمقاصده. إن الله يضاعف للمتصدق أجره كما في قوله عز وجل: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (الحديد/ 18)، وقوله سبحانه: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة/ 245). وبالصدقة يدفع الله تعالى أنواعاً من البلاء، كما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: (وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك مثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم) فالصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء ولو كانت من ظالمٍ بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم.

ولا يصل العبد لحقيقة البر إلا بالصدقة كما جاء في قوله تعالى: (لن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران/ 92). إنّ بذل القليل اليوم سيأتي بالكثير غداً، وقد جعل الله العطاء الجميل قرضاً حسناً لا يرده لصاحبه مثلاً أو مثلين بل يردُّهُ أضعافاً مضاعفة.► 

ارسال التعليق

Top