• ٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

شهر رمضان.. ربيع الحياة الإسلامية

شهر رمضان.. ربيع الحياة الإسلامية

شهر رمضان.. الشهر العظيم الذي أُنزل فيه القرآن الكريم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة/ 185).

شهر الصوم والعبادة وعمل المعروف والإحسان، والكف عمّا نهى الله عنه ورسوله من المُحرّمات، فالمسلمون يؤدّون فيه فريضة الصوم الجماعية، ويشعرون بالوحدة الروحية والعملية، ويتواجدون في المساجد للعبادة والعلم والاستغفار، وتتّجه نفوسهم إلى فعل الخير ومساعدة المحتاجين والعناية باليتيم والعاجز وطالب المساعدة، وفي هذا الشهر تُقام ولائم الطعام الجماعية التي تزرع المحبّة والتفاعل بين المدعويين، وفي هذا الشهر تتّجه النفوس إلى التسامح والعفو والدُّعاء والمُصالحة.

رمضان شهر الرحمة والتكافل يجمع الجميع بإحساس واحد، فإذا كان الجوع مشكلة البعض، فإنّها مشكلة يتوزع إحساسها على الجميع حتى يدرك المسلم كلّ أحاسيس إخوانه في الدِّين، فيسارع إلى تقديم حقّ لهم عليه وواجب عليه لهم. رمضان شهر عبادة، شهر تعمر فيه المساجد وتنار المنائر ويعلن أنّ المسلمين ورغم ما أصابهم مازال يجمعهم خيط قوي من أحياء شعائر الله. والصيام شهر يفزع فيه المسلمون إلى المساجد يلتمسون العون من الله على ما أصابهم ويسجدون لله رجاء أن يتدارك هذه الأُمّة برحمته وأن يرفع من شأنها. إنّ رمضان شهر فريد في حياة الفرد المسلم، وفي حياة الجماعة الإسلامية، هو (ربيع الحياة الإسلامية) فيه تتجدّد الحياة كلّها. تتجدّد العقول بالعلم والمعرفة، وتتجدّد القلوب بالإيمان والتقوى، ويتجدّد المجتمع بالترابط والتواصل، وتتجدّد العزائم باستباق في الخيرات، والتنافس في الصالحات، وتتوافر فيه أسباب الخير وحوافزه، وتقلّ أسباب الشر ودواعيه، وتطرد ملائكة الخير شياطين الشر، وقد عبّر عن ذلك الحديث الشريف: «إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنّة، وغُلقت أبواب جهنّم، وصفدت الشياطين».

وشهر رمضان يساهم كلّ عام في هذا الإعداد الوحدوي حيث يشترك الناس جميعاً في أداء فريضة واحدة في وقت واحد، يمسكون عن الطعام والشراب والجماع في وقت واحد، ويباشرونهم في وقت واحد، يستقبلون أوّل أيام الصيام في وقت واحد، ويحتفلون بعيد الفطر في وقت واحد، والإعداد الوحدوي يتميّز في شهر رمضان في تلك الوحدة العائلية التي لا تحصل في غير رمضان حيث يجتمع أفراد الأسرة جميعاً حول مائدة واحدة يتناولون طعام الإفطار، في حين أنّ مثل هذا الاجتماع لا يتحقّق في غير رمضان. هذا الاحتفاء السماوي الكبير بمقدم رمضان: تفتيح أبواب الجنان، وتغليق أبواب النيران، وتصفيد كلّ شيطان، دليل على أنّ لهذا الشهر منزلة جليلة، وأنّ له في حياة المسلمين مسألة عظيمة، وهي ما عبّر عنه القرآن الكريم بتهيئة الجماعة المؤمنة للتقوى، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183).

ولهذا عُرف رمضان بأنّه شهر المواساة والبرّ والخيرات والصدقات، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في رمضان أجود ما يكون، فهو أجرى بالخير من الريح المرسلة. فهذا الشهر.. هو شهر تربية اجتماعية وعبادة جماعية، يندمج فيه أفراد المجتمع مع بعضهم ويتفاعلون بمشاعرهم الإنسانية، وهمومهم الروحية المشتركة.

ارسال التعليق

Top