"الحياة هي مجموع خياراتك" (ألبير كامو).
عندما نلتزم بجديّة بعيش حياة سليمة، علينا أن نكون حريصين على كلّ خياراتنا وواثقين منها، ويُفترَض بهذه الخيارات أن تكون متوافقة مع الواقع. ليس من السهل اتخاذ الخيار الصائب على الدوام، ولكن يُفترَض بنا وضع كلّ الأمور في نصابها الصحيح، وتقليب الوضع من مختلف زواياه، واتخاذ خيار مبني على اطلاع واسع، وعدم خداع أنفسنا.
يمرّ الكثيرون منا بوقت عصيب جدّاً لدى اتخاذ القرارات، فالتردد يستنزف الطاقة، ويتسبّب بالمماطلة، ويمنعنا من التحرّك قُدماً في الحياة، فنغدو مشتَّتي الفكر، مُشوَّشي العقل، ولا وجود لخيار كامل ومؤكَّد، بل هناك الخيار الحكيم والسليم فحسب. وغالباً ما كان يقول محرّر أعمالي وهو والد "توني سييرّا"، "إذا انتظرت حتى تحصل على المعلومات لاتخاذ قرار، لن يكون هناك قرار تتخذه". ويتّسم الخيار بالإبهام بالمعنى المحدَّد للكلمة، ولكن متى اتخذت خيارك تصبح لديك الحرية لتغييره في ظل ظروف متبدّلة أو على ضوء معلومات جديدة. لعلّك تزوّجت من الشخص غير المناسب لأسباب خارجة عن المألوف عندما كنت صغير السنّ وغير ناضج، أم اتخذت شريكاً في العمل اتّضح لك في وقت لاحق أنّه فاسد، قل نعم للخيار الأفضل واحتفظ بمرونتك في الوقت نفسه. تكيّف مع خيارك طالما بقي مناسباً لك ويخدم مصلحتك، وهناك بعض الخيارات المُبرَمة، ولا يمكنك إبطال كل خيار، ولكن هذا الأمر سبب إضافي يدعونا لحسن الاختيار.
خياراتك بين يديك، فأنت وأنا نملك القدرة والحق والحرِّية لاختيار الطريقة الفضلى لنعيش حياتنا. وانطلاقاً من خياراتنا، نبني شخصيّتنا وصلاحنا الأخلاقي، لا شك في أننا سنرتكب أخطاء، ولكن متى قمنا بذلك، أعتقد أنه من النُبل الإقرار بأننا كنا على خطأ، وأننا أخطأنا في الحكم على الأمور ونحتاج إلى إعادة التفكير مليّاً في خيارنا. لا أحد سيفهم خياراتك تماماً، وليس من واجب أشخاص آخرين معرفة الحلول للمشاكل التي تواجهها على صعيد حياتك، وزواجك، وصحتك، وشؤونك المالية، وعلاقاتك بالآخرين. فما عليك سوى أن تكون صادقاً مع نفسك في كلّ ما تختار، ولا وجود أبداً لوقت لا يمكنك الاختيار فيه. وإذا حاولت بصدق جعل أفضل خيار لك ممكناً، ذلك الذي ينسجم مع كلّ الوقائع المتوافرة، سوف تشعر بأنك في حال أفضل لعِلمك بأنك تتصرف بمسؤولية وقد يكون عليك اختيار القيام بأمر ما لا تريد فعله، ولكنك تقوم به لأنّه الأمر الصحيح.
وتكمن قوّتنا ومقدرتنا في قدرتنا على ضبط انفعالاتنا، والاستجابة بالطريقة الصحيحة كلما واجهتنا ظروف معيّنة، فأنت تختار طريقة حياتك المثالية لحظةً بلحظة، وخياراً بخيار.
علينا أحياناً اتخاذ خيارات حازمة لتحسين علاقة ما، أو لتحسين شؤوننا المالية أو صحتنا. عُد إلى الوسيلة الذهبية للاستلهام؛ غُص في أعماق نفسك؛ إبحث في جوهرك طلباً للاهتداء. أجل، قد تكون بحاجة إلى المال، ولكن إذا كانت المرأة التي تعرض عليك العمل فظّة، وغير مهذَّبة وغير مستقيمة، عليك التفكير مليّاً في مخاطر تكبّدك تكلفة باهظة جدّاً لحصولك على الوظيفة، فقد تحصل على دخل جيِّد، ولكنك في المقابل تخسر استقامتك.
وللأنباء السارّة أيضاً في غالب الأحيان بعض المساوئ التي يتعيّن التفكير فيها مليّاً، فقد تحظى بفرصة عمل رائعة تتطلّب منك أجتثاث كلّ أفراد عائلتك والانتقال إلى ولاية أخرى، أو تفرض عليك تركهم أسابيع طويلة وبشكل متواصل فيما تسافر في مختلف أنحاء العالم. ماذا عن زوجتك وأولادك؟ أليس عليك أن تكون صادقاً بتنفيذ الوعد الذي قطعته عليهم بأنك ستلازمهم جسدياً، وعاطفياً، وروحياً، ومالياً أيضاً؟
وتساعدنا الحكمة العملية الخاصة بالوسيلة الذهبية على تقليب كلّ وضع بشكل أكثر واقعية. ويتمثل المبدأ الأوّل بالقيام بعمل سليم؛ حدّد الخيار الأعظم واعلم أنّ العمل السليم يستحق عناء السعي وراء تحقيقه.
لقد علّمني الفيلسوف الكبير والكاتب والصديق الدكتور رينيه دوبو، كما علّم بيتر، أنّ الناس يتخذون خيارات مرتكزة على ما يريدون أن يكونوا، ويعملوا، ويصبحوا. فطريقة تطوّرنا وتحويل ذواتنا تتمّ من خلال خياراتنا، "إختر بشكل سليم"، وكن صادقاً في كلّ خياراتك السليمة.
المصدر: كتاب خياراتك بين يديك
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق