• ٢٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«طنين الأذن» أسبابه فيزيولوجية

«طنين الأذن» أسبابه فيزيولوجية

لا يعكس سماع الطنين أو الأصوات المبهمة أي هلوسة أو خيال خصب، أو توجُّس وخوف، ولا أي اضطراب نفسي كان. إنّه اختلال سمعي شائع نسبياً (يصيب عُشر البشر على الأقل). و5 في المئة من الحالات تنجم عن اهتزازات داخلية، على الأذن مباشرة. أما الـ95 في المئة المتبقية، فمردّها اهتزازات مُبهمة. وأيّاً  كان نوع الصوت "المسموع"، يتمثل العامل المشترك الأعظم، في أنّ الأصوات تأتي من الداخل، جرّاء اهتزازات طفيفة للغاية، إنما كافية لأن "تسمعها" الأذن الداخلية، بما أنها أصلاً تحصل في مستوى عظام الأذن الضئيلة، أصغر عظام الجسم. ويُجمع الأطباء على أن سماع مثل تلك الأصوات من وقت إلى آخر، لا يُعد مشكلة طبّية بتاتاً. لكنه يصبح كذلك في حال تكرّر الطنين في الأذن، وتَحوّله إلى حالة مُزمنة.

بحسب الإحصاءات، يُعاني 10 إلى 12 في المئة من البشر، حالات سماع طنين أذني. ومن بينهم، هناك نسبة قليلة جدّاً تصل عندهم الحالة إلى مرحلة بالغة الإزعاج، تُطاول الكابوس، وتُفضي في أحيان نادرة إلى فقدان الصواب، وربما الجنون. لا، فإنّ السؤال الأكثر تداولاً في هذا الشأن هو: هل يمكن علاج تلك "الأصوات"؟ يرد الباحثون بالقول، إنّ التقنيات المتوافرة في الوقت الحاضر لا تُتيح القضاء على طنين الأذن الداخلي بشكل تام، إنما تخفيف حدّته. يُستثنى من ذلك "الطنين الموضوعي" (الآتي شرحه أدناه)، الذي قد يزول بعملية جراحية. أما السؤال الآخر، فهو: هل ثمة فئة عمرية، أو جنسية، مُعرضة أكثر من غيرها؟ يرد الأخصائيون بتوكيد، أنّ احتمال الإصابة يرتفع بدءاً من الـ50، لدى الرجال والنساء بشكل مُتساوٍ. لكن ذلك لا ينطبق سوى على "الطنين الذاتي" (المشروح أدناه).

 

طنين موضوعي وذاتي:

طبّياً، تُصنّف الأصوات الداخلية (أو طنين الأذن) إلى فئتين:

أوّلاً: الأصوات الموضوعية (5 في المئة من الحالات): تنجم عن موجات صوتية موضوعية فعليّة، قابلة للقياس، تُولّدها اهتزازات طفيفة جدّاً في الأذن الداخلية. وقد يكون سببها أيضاً اضطراب في شُعيرات الأذن الدموية، أو عضلات الجهاز السمعي. وفي حالة الطنين الموضوعي، قد تنجح العمليات الجراحية في القضاء عليه عبر إزالة مسبّباته.

ثانياً: الأصوات الذاتية (95 في المئة من الحالات): ينجم عن أصوات تُعدّ "وهميّة"، أي أن ما يلتقطها هو الجهاز السمعي، من دون أن يكون لها وجود فيزيائي مُحدَّد. وترتفع حالات هذا النوع من الطَنين بدءاً من سن الـ50.

 

خاصِّية التعويد:

إلى ذلك، ينبغي معرفة آليّة أساسية: يضطلع رد فعل المصاب بدور كبير في تطور "سماع" الأصوات الداخلية، أو على العكس اضمحلالها. فالأصوات تنشأ في الجهاز العصبي السمعي، لكن الدماغ هو الذي يفسرها كمعلومات صوتية. لذا، يؤدي ترقّبها، والتهيُّب منها، إلى تضخُّم قشرة الدماغ الخاصة بالترددات المطابقة، ما يُضاعف الشعور بـ"سماع" تلك الأصوات، والعكس بالعكس: في حال التعوّد عليها، يُهمل الدماغ المعلومات الواردة إليه في شأنها، فتخف حدّتها، بالأحرى الشعور بحدتها. فعموماً، في حال وجود أصوات دخيلة بصورة متواصلة، ينتهي الدماغ بتجاهلها، لكي لا ينهك خلاياه في سماعها، فيُركّز على الأصوات الأخرى، غير الشائعة أو غير الدائمة. وبما أنّ العلم لم يتم التوصل إلى علاج تقني ملموس وفاعل ضد "الطنين الذاتي"، تقوم الوسائل العلاجية على أساس نفسي، يرتكز على خاصيّة التعويد تلك مثلما شرحناها. بعبارة أخرى، يقوم العلاج على أساس تعويد الدماغ على تسلم المعلومات السمعية من دون اهتمام بها، بمعنى أنّه "يُفرزها" نوعاً ما، فلا يعود يُولي الأصوات المستمرة أهمية هكذا، يخف الإحساس بسماعها، وربما يتلاشى. وفي البداية، يحرص الطبيب على إفهام المصاب، أنّ الطنين الداخلي غير خطير في حد ذاته، وأنّه لا يؤثر في الخلايا المتعرضة للاهتزازات، ولا الخلايا العصبية السمعية الناقلة، ولا الأذن، ولا أي جزء من أجزاء الجهاز السمعي. في المقابل، في حال ضمور حدّة حاسة السمع، لسبب أو آخر، تُصبح شدّة الطنين الذاتي أعلى، بالأحرى يتصور المصاب أنها أعلى، بما أن قابلية سماع الأصوات الأخرى، الطبيعية، تصبح أقل. لذا، والحال تلك، ينصح الطبيب المصاب بحمل جهاز سمعي تقليدي. فمن خلال استعادة حدّة سمع طبيعية، بفضل تلك التقنية، يتعود الدماغ مجدداً على "تجاهل" الطنين الدخيل.

 

الترددات الصوتية:

أما في حال عدم ضُمور حدة السمع الطبيعي، ففي الإمكان حمل جهاز خاص، صغير جدّاً، يقوم ببث صوت مستمر خافت للغاية، وذلك بهدف حض الدماغ على التعود، بشكل متزامن، على هذا الطنين الصناعي الخافت، ومعه الطنين الذاتي الدخيل، بحيث ينتهي به الأمر بنسيانهما  كليهما، وعدم الاكتراث بالموجات الصوتية الخاصة بكل منهما، وفق المبدأ نفسه المشار إليه. لكن، من مساوئ تلك الطريقة، أنها تستلزم التحلّي بالصبر. إذ لا يمكن بلوغ الغاية المرجوّة سوى عقب مضي بضعة أشهر من التدريب. في المقابل، فاعليّتها مبرهنة. فكل مَن جرّبوها يُجمِعون على أنها أتت بنتائج طيِّبة.

 

التقنيات الحديثة:

التقنيات العلاجية الحديثة، من دون استثناء، قائمة على ذلك الأساس، أو أسس مشابهة، تستند إلى تعويد مناطق الدماغ السمعية، هي تقع في مستوى سطح الدماغ الخارجي، على "سماع" تلك الأصوات إلى درجة الاعتياد، بالتالي عدم الاكتراث بها، فمثلاً، تتلخّص إحدى الوسائل في إخضاع المصاب لأصوات متقاربة التردد، مشابهة لأصوات الطنين الذاتي، ينتجها جهاز كمبيوتر خاص، وجعله يحاول التمييز بينها، وتصنيفها وترتيبها في مُخيّلته. وتنصبُّ الغاية من ذلك، على القضاء تدريجياً على أهمية المنطقة السمعية الدماغية الخاصة بتلك الترددات، وعلى العكس تطوير المناطق الدماغية السمعية المجاورة، المخصصة لترددات أخرى. هكذا، يفقد الدماغ تدريجياً القابلية على معالجة ترددات الطنين الذاتي، والترددات القريبة، بينما يعالج الترددات الأخرى بفاعلية أكثر.

في أيّ حال، من المفيد جدّاً التفكير في إضافة علاج نفسي، مع طُرق حمل الأجهزة المذكورة. والهدف: طرد الأفكار الكئيبة والقلق والتوتر، وغيرها من عوامل سلبية قد تُولّدها الأصوات الداخلية. فهذه يمكن أن تؤثر في الوضع النفسي، وليس العكس، نعني أنّ الوضع النفسي ليس بسبب ذلك الطنين.

 

فرضيّات:

في غياب تفسير علمي دامغ لآليّة "الأصوات الذاتية" (غير "الموضوعية")، يفترض بعض العلماء، أنها ناجمة عن تعرُّض الجهاز السمعي لأصوات متشابهة متكررة، أثناء النهار يومياً، يُجرى "تخزينها" في الذاكرة، فتعود للظهور لاحقاً، إنما مُحرَّفة، لاسيّما قبيل النوم. وتقول فرضية أخرى، إنّ الطنين الذاتي نتيجة لإصابة الخلايا "الهدبية" (المسماة "هدبية"، لأن لها زوائدَ تُشبه الأهداب). هكذا، تتعرض تلك الأهداب لاهتزازات، يؤدي تضخّمها إلى أصوات داخلية، تصل إلى العصب السمعي، فيفسرها الدماغ على أنها أصوات حقيقية. وتؤكد فرضية ثالثة، أنّ الخلل يحصل في نقاط تماس محاور الخلايا العصبية بالخلايا العصبية في حد ذاتها، أو بزوائدها، في مستوى نقاط التماس بين الخلايا "الهدبية" والأنسجة العصبية السمعية. إلى ذلك، يُشير العلماء إلى "طرش الشيخوخة" كسبب مُحتمل، فضلاً عن إفراط إفراز المادة الشمعية.

ارسال التعليق

Top