• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

آثار الصيام النفسية والاجتماعية

عمار كاظم

آثار الصيام النفسية والاجتماعية

إنّ الإنسان مكوّن من مجموعة غرائز وميول كغريزة الطمع والخوف وحب الذات والجنس والجوع والعطش إلى غير ذلك من الغرائز الكثيرة الموجودة في الإنسان والتي تتحكّم في سلوكه وتصرفاته.. وربما أنّها غرائز موجودة عند الإنسان فلا يستطيع هو أن يكبتها وذلك لأنّها جزء من كيانه وحياته.. فلابدّ للإنسان من أن يستثمرها في حياته على الوجه الصحيح وبصورة معقولة.. وهنا تأتي فائدة الصوم ووظيفته، فإنّ وظيفة الصوم هي تحديد وضبط تصرفات هذه الغرائز لكي لا تنحرف عن الطريق المستقيم الذي رسمه الإسلام لها.. فالصوم إذن هو رقابة داخلية تقوم بعملية تنظيم هذه الغرائز.

 

الفوائد النفسية في الصوم:

- النظام والالتزام بالقيود: إنّ من أهم آثار الصوم النفسية، التطبّع على النظام.. فإنّ الإنسان بطبيعته يميل إلى عدم الالتزام بالقيود والنظام، الإمساك والإفطار مثلاً، لا مناص من الخضوع له، سواء رضي.. أو أبى.. أو كره.. ويتساوى في هذا النظام العام بالنسبة للصائمين، الفقير والغني والرئيس والمرؤوس والقوي والضعيف ولا فرق لأحدٍ على الآخر.. وذلك مما يكوّن عند الإنسان مَلَكَة التطبّع على النظام والالتزام بالقيود.

- الصوم والصبر: فإنّ من أهم آثار الصوم النفسية، هو تعوّد الإنسان وتطبّعه على الصبر وترك اللذات بجميع أشكالها باختيار وتطوّع، قال النبيّ (ص): "رمضان شهر الصبر وإنّ الصبر ثوابه الجنّة".

فإنّ الصوم هو التزام عملي بالانفصال لفترة طويلة نسبياً عن ألصق العادات في حياة الإنسان من طعام وشراب ومتعة.. ويُمثّل تمريناً عملياً للنفس على الصبر يفعمها بأحاسيس ومشاعر بليغة الأثر في ذلك فإنّه لو توفّر للفرد منا أن يفهم فريضة الصوم في ظرفها الذي وضعها فيه الإسلام، وتوفّر له وهو يؤديها أن يحسَّ بعقله وقلبه عمقها وأبعادها لأفادَ منها عطاء من الصبر، فهماً في ترقية نفسه وفكره، وبالتالي في تطوير شخصيته وإحكام بنائها.. وحَسْبُ الإنسان بعض ما في الصوم ليتعلّم الصبر الجميل، حَسْبُه أن يحسَّ أنّه يتربى على يد الله، ويُصنع على عينه، لحَمْلِ رسالته وبلوغ أهدافه.. وأنّه لو توفّر لأُمّتنا أن تَعِيَ هذه الفريضة المباركة وأن تعيشها بحيوية وهي تؤديها لأفادت منها لوجودها، أكبر المقوّمات وأمضى أسباب النصر.

إنّ فرْقاً كبيراً بين ما عليه أمّتنا اليوم من وضعها الفكري والنفسي ووضعها في جميع جوانب وجودها وشخصيتها وأهدافها ومكانتها في أُمم العالم، وبين وضعها الذي تضمنه لها رسالة الإسلام وفرائضها فيما لو وعتها وعاشتها.

إنّه بحَسْبِ أمّتنا التي هَوّنت من شأن عقيدة الإسلام وفرائضه في قضاياها المصيرية.. بِحَسْبها شهر من صيام تعيش فيه وجودها المضاع، ورسالتها الملقاة، وأهدافها المنسية.. بِحَسْبها حفنة من الصبر الجميل تُزوّدها بصمود يدفعها للكفاح، وبوعي يكشف لعينها تعهّد الله ونصره، واطمئنان يُذهب عنها قلق الحاضر وخوف المستقبل.. إنّ أمّةً تؤدي فريضة الصيام وتعيشها بعناصرها المتقدمة لَهِيَ أمّة لا تذلُّ ولا تقهر.. فكيف تذلُّ أو تقهر أمّةٌ تحسُّ في صومها بأنّها تتربى على يد الله وتُصنع على عينه لتحملَ رسالته الخالدة في أرضه؟.. وكيف تذلُّ أو تقهر أمّة تحسُّ بأنّها وارثة الأمم المسلمة التي ربّاها الله وحمّلها منهجه، وأنّها تربطها مع الله – تعالى – رابطة خليفة بمستخلَف، ومُكلِّف بمُكلَّف.. وإنّها وهي تتدرب على الجوع والظمأ تختصُّ بضيافة الله ومزيدٍ من رحمته ونصره وهداه.. وإنّها بصومها تتربى على احتياجات وجودها المستقبلية، احتياجات وجودها على الأرض، واحتياجات وجودها فيما بعد على هذه الأرض؟.. وكيف تذلُّ أو تقهر أمّةٌ تعيش التقوى في خط رسالة الله – تعالى – والقيام على العدالة في أرضه.

- الصوم وتقوية الإرادة: الواقع أنّ الإرادة ليست بالشيء البسيط واليسير، بل هي من الأمور التي يتمكن منها الإنسان مع صعوبة المنال.. ومن حِكَم الصوم تقوية الإرادة، ذلك عندما يشعر الصائم بالجوع والعطش، ويرى أمامه ألوان الطعام والشراب وتحت تصرّفه ونفوذه ولكنّه يمتنع من استعمالها عن إرادته، فتحصل جينئذٍ لديه إرادة قوية تُعوّده على النظام وتُقوّي عزمه وإرادته.. وقد وضَعَ الألماني الاستاذ (جيهاردت) كتاباً في تقوية الإرادة جعل أساسه الصوم.. وذهب فيه إلى أنّ الصوم هو الوسيلة الفعّالة لتحقيق سلطان الروح على الجسد، فيعيش الإنسان مالكاً زمام نفسه، لا أسير ميوله المادية.

 

الفوائد الاجتماعية في الصوم:

- الصوم والشعور بالمساواة: إنّ الصوم يجعل الإحساس واحداً بين الفقير والغني والكبير والصغير والعالم والجاهل.. وهو التحسس بألم الجوع والعطش حتى يشعر الغني بألم الجوع وصعوبة العطش، فيحنو حينئذٍ لا شعورياً على الفقراء والمساكين.. كما قال الصادق (ع): "إنّما فَرَضَ الله – تعالى – الصيام ليستوي به الغني والفقير، لأنّ الغني كلما أرادَ شيئاً قَدرَ عليه، فأراد الله – عزّوجلّ – أن يُسوّي بين خَلْقِهِ وأن يُذيقَ الغني مَسَّ الجوع والألم ليرأفَ على الضعيف ويرحم الجائع".

- الصوم والأمانة: إنّ الصائم تمرُّ عليه أوقات كثيرة يخلو فيها بنفسه ليس عليه رقيب إلّا الله – سبحانه وتعالى – ولكنه يتقيّد من تناول المفطرات ويؤدي الفريضة كاملة كما أمر بها الله – تعالى – وهذا ما ينشئ أو يُقوي في نفس الصائم مَلَكَة المراقبة الخالقه وهو الله سبحانه وتعالى. وكذلك كما في الصائم عندما يشعر بعدم وجود رقيب عليه غير الله – سبحانه وتعالى – يكون أميناً على فرضه، وذلك مما يوجِد في نفس الصائم مَلَكَة الأمانة.

ارسال التعليق

Top