• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أتيكيت الحوار.. شيفرة التعاملات المجتمعية الغائبة

أتيكيت الحوار.. شيفرة التعاملات المجتمعية الغائبة

الانهيار الأخلاقي الذي تشهده مجتمعاتنا العربية اليوم ظاهر وواسع وشامل. وقد نستطيع الإصلاح إذا بدأنا بإصلاح طريقة التواصل بيننا المتمثِّلة خاصّة في الكلام ولغة الجسد اللذين ثبت أنّها أكثر طُرق التواصل نجاحاً بين البشر. لقد أصبح لزاماً علينا اليوم إتقان أتيكيت الحوار.

كسب معركة التحضُّر يبدأ بالالتزام

تتمثَّل أكبر مشاكلنا اليوم في أنّ الحوار أصبح دوماً ما ينتهي إلى اللا شيء، ويبقى الشجار والصوت الأعلى سيِّدي الموقف. وقد أصبحنا نعيش في عالم زاخر بالضجيج، لا كياسة فيه، انتهت منه عبارات «من فضلك، شكراً، عفواً، آسف» التي تعتبر الشيفرة الأساسية للتواصل المتحضّر.

ويُعرِّف الكاتب الليبي عطية الأوجلي التحضّر بأنّه: «سلوك راقٍ يرتبط عادة بمجتمعات وصلت إلى مرحلة من التطوّر الفكري ممّا يؤهلها لذلك، ولكنّه أيضاً سلوك فردي قد يتسم به شخص ما في مجتمع متخلِّف.. وقد يفتقده شخص في مجتمع متطوِّر».

ويشرح في تصريحات لـ(العرب)، «جوهر الأزمة يكمن في أنّ هذه المجتمعات فقدت قيّم المجتمع التقليدي وعجزت عن استيعاب وتبنّي قيم المجتمعات الحديثة، فلا نحن مجتمعات تقليدية بوجهائها وشيوخها وثقافتها وأعرافها وقيمها، ولا نحن مجتمعات حديثة بمؤسساتها وقوانينها وقيمها. فقدنا (الأصالة) ولم نكسب (المعاصرة)، لم تعد لدينا (روح) الشرق ولم نكسب (عقل) الغرب. نحن هجناء، منقسمون بين هذا وذاك. ننتقل وبسرعة البرق ما بين المطالبة بدستور عصري يحمي حقوق الإنسان والتنادي بالسلاح لنصرة أبناء القبيلة».

    التحدّي يكمن في جعل التربية الأخلاقية حاضرة بقوّة في الحياة اليومية للأطفال، وفي جعلها سبيلاً للتميز

ويبدو أنّ معركتنا لكسب التحضُّر لن تكسب إلّا بإلزام أنفُسنا باتّباع حمية أتيكيت صارمة.. سمتها اللُّطف في التعامل الذي يصنّف كصفة أساسية للجاذبية. ويُعتبر أتيكيت الحوار الحبل السري الذي من خلاله ينشئ المرء حلقة الوصل التي يصل بها إلى قلوب الناس.

ويجب أن نعي بأنّ التواصل مع الآخرين يتم عبر محتوى لفظي بنسبة 7 بالمئة، ونغمة صوتية بنسبة 38 بالمئة، ولغة جسد بنسبة 55 بالمئة. وتشرح صحيفة نيويرك تايمز الأميركية في مقال الآداب والنصائح التي لابدّ من الالتزام بها للاستحواذ على اهتمام مَن نتحدَّث معه ودفعه إلى إخراج ما في داخله.

وفي هذا السياق تؤكِّد أماندا دي كادينيت مقدّمة البرامج التي اشتهرت بإجراء أصعب المقابلات الحوارية، أنّ «إتقان ثقافة الاستماع الجيِّد» هو القدرة على إجراء محادثة ناجحة، إذ تقول: «الاستماع والاكتفاء بمراقبة الشخص المحاور أمران مهمان جدّاً». وتشدّد على ضرورة النظر في عيني محدثنا مع مراعاة الابتسامة لنشعره بالألفة.

وتؤكِّد أيضاً: «نبرة الصوت مهمّة جدّاً أيضاً؛ يجب أن نتحدَّث بروية ومن دون تسرع أو توتر حتى لا ننقل ذبذبات التوتر إلى الآخر، ويجب ألّا نرفع الصوت حتى لا يشعر بالتهديد، أو نخفضه فينعكس لديه إحساس بعدم الثقة فينا، أو يجعله غير متابع لما نقول، مع ترك مساحة (شخصية) مكانية تمنح المتكلِّم فرصة للتحرّك وأخذ وضعية مريحة وعدم الشعور بالضغط النفسي».

ومن قواعد الأتيكيت الحركي في أثناء التحدّث، وفق خبيرة الأتيكيت إيمان عفيفي، «عدم استخدام اليدين كثيراً وعدم التحدُّث والعلكة في فمك، لأنّه منظر غير لائق ويدل على التوتر ويعطي انطباعاً بأنّك شخصية عصبية». وتضيف: «لا تهز قدميك في أثناء الجلوس في المناقشة، لأنّها قد تتسبّب في إثارة عصبية الشخص الذي تحاوره أيضاً وربّما تفقده القدرة على التركيز». وتشير: «احرص على وضع يديك بجانبك بدلاً من تشبيكهما أغلب الوقت، لأنّ تشبيكهما يوحي بضعف الثقة بالنفس».

الأزمة تكمن في فقدان الأصالة وعدم استيعاب المعاصرة

ونصحت عفيفي: «تجنّب غلق وفتح عينيك باستمرار، لأنّ ذلك يوحي بالكذب ويدل على عدم تركيزك في ما يقوله الشخص الذي تحاوره وأنّك غير مهتم به». ويجمع خبراء على أنّه من المهم جدّاً أن يبدأ الأهل بتعليم أطفالهم فنون الأتيكيت وقواعده في سن مبكرة، من خلال الإرشاد والتوجيه والممارسة، فيكبرون وقد انغرست هذه المبادئ في نفوسهم، لتنتقل من جيل إلى جيل.

وخلال السنوات الماضية، اجتمع الكثير من الباحثين الأكاديميين على المطالبة بعودة الأخلاق إلى المنهاج التربوي. ففي إحدى أوراقه البحثية، يسأل الباحث الأميركي في جامعة هارفارد ريتشارد ويسبورد عن التطوّر الأخلاقي فيقول: «كيف يمكن أن نزرعه بطريقة ناجحة؟ وكيف نحول الاهتمام إلى الأخلاق في مجتمع بات يهتم أكثر بالنجاح الأكاديمي؟».

يوضح ويسبورد بما لا يقبل الشكّ أنّ: «لا تطوّر مأموناً وواعداً إلّا بحد أدنى من الأخلاقيات». بدوره يشير الباحث التربوي أنتوني هولتر إلى الوضع السوداوي الذي يسيطر في بيئات الشباب والمراهقين من الانتحار إلى المخدرات والعنف والإباحية والاغتصاب والجرائم، معلّقاً بالقول: «نحتاج إلى تربية أخلاقية متينة، بل ويجب أخذها على رأس أجندات التطوير».

من هنا، يشرح ويسبورد أنّ: «التحدي يكمن في جعل التربية الأخلاقية حاضرة بقوّة في الحياة اليومية للطلاب، وفي جعلها سبيلاً للتميز، يبدأ من المدرسة». وقد أصدرت الحكومة اليابانية وثيقة توجيهات تجعل تعلُّم العادات الحميدة التي كانت سائدة في حقبة إيدو قبل نحو ثلاثة قرون مادّة أساسية في المدارس بحلول العام الدراسي 2018، وعزت قرارها إلى وجود علاقة بين تراجع مستوى الأخلاق لدى طلاب المدارس الابتدائية وبين تزايد معدلات الجريمة بين الأحداث.

وستتضمن المادّة الجديدة التركيز على تعليم الأطفال أدق التفاصيل، مثل طريقة المشي، ومستوى الصوت، ودرجة الانحناء عند التحيّة التي تزداد وفقاً للمكانة الاجتماعية للشخص الآخر، وصولاً إلى الكلمات التي يجب اختيارها عند مخاطبة الآخرين، كلّ حسب عمره.

ارسال التعليق

Top