• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

انتظار غروب الشمس

أمين الباشا*

انتظار غروب الشمس
◄لا يشعر الإنسان بمرور العمر إلا عندما تمضي الأيام مسرعة وتتراكض والشهور.. وفجأة يرى نفسه قد تغير وتغيرت معه أيامه ولياليه وكلّ شيء فيه... سألته عن عمره وعن عدد السنوات منذ ولادته... ثمّ كررت سؤالي... لم يجبني بل ظل راسماً على محياه ابتسامة ليست سعيدة ولا حزينة، هز رأسه كأنّه يتكلم مع نفسه، كررت عليه السؤال، أجابني: ولماذا تسألني مادمت أنا ذاتي لا أهتم؟ قلت: أريد أن أفهم قصدك، وعما يعنيه لك مرور الأيام والسنين التي تمر على كلّ إنسان وحيوان على الأرض... ألا تشعر بأنّ السنين تمر آخذة معها الفرح والبهجة... كدت أقول السعادة أيضاً، وقلت أيضاً: هل كنت تعرف معنى السعادة تلك الأيام التي تنعيها الآن؟

كأنك تريد ألا يتغير شيء فيك وفي غيرك... نعم الأيام والسنوات تمضي لتحل محلها أيام وسنون جديدة... أبحث فيها عن سعادة وفرح جديد... كلّ يوم حامل فرحاً وحزناً... انظر نور الشمس وظلها... هما مختلفان كاختلاف الألوان... كلّ لون له معناه... نور الشمس ليس كظلها... ولون الأبيض ليس كلون الأسود، وكلاهما يتساوى في نفس الإنسان... كلّ لون له دوره... قال: صحيح... ولكن... قلت ولكن ماذا؟ فلنترك الدقاق والساعات والأيّام والشهور ومعها السنون تمضي... نتركها تمضي لأننا لا نستطيع أن نوقفها... ابحث عما يفرحك وعم يفرحك... الحياة يا صديقي... قاطعني... لا تتكلم عن الحياة... أنا... أنا... موافق... لن نتكلم عن السعادة وعن الحزن والبؤس... قلت: إن لم نتكلم ونتحدث عن هذا... عن السعادة وضدها فسنسكت... لا، قال أنت إذا أردت السكوت، فاسمع مني إذن... أنا أرغب في الكلام... والكلام يبعدني عن... قاطعته قائلاً: عن السنين والعمر وعدد السنين... لا، قال اتفقنا.. بل اتفقت ألا أذكر لا السعادة ولا غير السعادة... رآني ساكتاً أستمع إليه... وكأنّ الحزن لمرور السنين انتقل إلى فكري وارتسمت على وجهي تعابير يأس من أفكار استولت عليّ... سألني ما بك؟... قل شيئاً... أنا أطعتك ولن تسمع مني بعد الآن ما يحزن... قل شيئاً... لن أقول أي شيء بعد أن استولت عليّ أفكارك... ومرور سنينك... أنا أطعتك ووعدتك ألا أذكر ما يحزن... اسمع: ما قولك بالذهاب إلى الشاطئ... إلى مقهى "الحاج داود"؟ أخاف عليك الآن... لماذا؟ أخاف عليك لأنك خَرِفت مبكراً... تدعوني إلى مقهى "الحاج داود"؟ الذي هدّمته الحرب... الحرب الأهلية، كما هدّمت كلّ جميل في بيروت؟

-         آه!

-         نعم...! هل تريد الذهاب إلى "الحاج داود"؟

-         لا... لقد هدّمته الحرب... أي حرب؟ أنا لم أعش إلا والحروب تتسابق في لبنان... حرب وراء حرب... نحن في حرب الآن... اليوم؟

-         أعتقد يا صاحبي أنّ الحروب قد انتقلت إلى رؤوسنا...

-         قل لي كم الساعة الآن؟

-         الأفضل أن أقول لك غداً... ساعة الغد تبدأ وتنتهي عند المساء... بعد غروب الشمس...

-         وإن لم تغرب الشمس؟

-         لابدّ أن تغرب... ستراها بعينيك...

-         تعني أنا سنذهب إلى البحر غداً لنرى غروب الشمس... وسنمر قرب مقهى الحاج داود؟ وسندخل إلى المقهى؟

-         صحيح، وسنأخذ مكاناً في شرفة المقهى المطلة على البحر.

-         وسنشرب كوب ماء ونحن نتطلع إلى البحر.

-         وننتظر غروب الشمس.

 

*فنان تشكيلي وكاتب من لبنان

 المصدر: مجلة العربي/ العدد 670 لسنة 2014م

ارسال التعليق

Top