• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أحلّ لكم الطيبات

الشيخ نعيم قاسم

أحلّ لكم الطيبات

 

قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف/ 157).

أحلّ الله لكم الطيبات، وحرّم عليكم الخبائث، لمصلحتكم، فتنعّموا بما رزقكُم في الدنيا حلالاً طيباً، ولا تغترّوا بمتاعٍ زائل، تربحوا نعيم الدنيا والآخرة.

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ)، الخطاب لأهل الكتاب، فكلُّ نبي يأتي يُبشّر بالنبّي الذي يأتي من بعده، فالأنبياء سلسلة واحدة، والمُرسِل هو الله تعالى الذي أرسل الأنبياء، ولكن لكلّ نبيٍّ مرحلة ودور وأحكام يبلغها للناس، ثم يأتي النبيّ الذي من بعده، فيعمل على تركيز المفاهيم المشتركة، ويُجري بعض التعديلات على الأحكام التي تتوافق مع ما أراده الله تعالى في مرحلته، وقد بشّر النبيّ عيسى (ع) أهل الكتاب بمجيء النبيّ محمد (ص): (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (الصف/ 6).

ما هو الدور المركزي للنبيّ في حياة الناس؟ لعلّ البعض يعتقد أنّ الدور المركزي هو التعريف بالله تعالى، والبعض الآخر يعتبره داعياً إلى عبادة الله تعالى، وثالثٌ يؤكد على وجوب انقياد الناس إلى الأوامر والنواهي، والواقع أنّ الرسول أُرسل إلى الناس لهدايتهم، وإرشادهم إلى خيرهم وصلاحهم وفلاحهم، وما يسعدهم في الدنيا، ويثيبهم في الآخرة. فالرسول لم يأتِ ليفرض أعباءً على الناس، وليس دوره أن يربط الناس بالله تعالى والغيب بعيداً عن حياتهم الدنيا ومتطلباتهم، إنما جاء ليهديهم إلى الإيمان بالله تعالى، ويعرفهم على خالقهم، ويرشدهم إلى طريق الاستقامة والسلوك الحسن والعمل الصالح، ويبشّرهم وينذرهم، ويبيِّن لهم الحلال والحرام، وهذا ما تضمنه قوله جلّ وعلا: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ)، أي يأمرهم بكلّ ما هو خير، فالحلال لمصلحتهم، والمنع عن الحرام لمصلحتهم.

(وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ)، فالمنكر يضرُّ بهم، ويسيء إليهم، وهو منكرٌ لأنّ العقل يُنكره، والإنسان ينكره، وليس لأنّ الله تعالى أنكره، إنما أنكره الله تعالى لأنّه منكرٌ بذاته، يفسد حياة الإنسان، ولا يتوافق مع مصلحته.

(وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ)، التي تكون طيبة الطعم والنتيجة، وطيبة المستقبل، وطيبة الحياة، ويأنس بها الإنسان وتنفعه، وهي الحلال بعينه.

(وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، الخبائث جمع خبيثة، وهي الأمور السيئة والمؤذية التي تضر الإنسان، جسدياً، ونفسياً، وروحياً، ومعنوياً، فأضرار الخبائث متنوعة، وهي الحرام.

(وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)، الإصر: الذي يمنع من فعل الخيرات، والأغلال جمع غل: التي تقيِّد الإنسان وتطوِّقه. فدور النبيّ (ص) أن يُسقط ما يمنع عنك الخيرات، ويحرِّرك من القيود التي تحرمك من إنجاز الأعمال الحسنة والنافعة لك في هذه الدنيا، يريد الله تعالى سعادتك وانطلاقتك نحو الخير، وأن تأخذ حصتك غير منقوصة في هذه الدنيا: (حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف/ 32)، فالشريعة لا تقيِّد، ولا تمنع الحلال والطيبات على الأرض، فهي محلّلة لمصلحة البشر، ولا صحّة للإدعاء بأنّهم محرومون.

(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف/ 157)، الذين ساروا مع النبيّ (ص) وصدّقوه، وساندوه، ونصروه، واتبعوا النور وهو القرآن الكريم الذي أُنزل معه، هم المفلحون والفائزون، فالنور يوضِّح معالم الطريق، ويرشد إلى المصالح لنتبعها، والمفاسد لنتجنبها، وهذا هو الفوز العظيم.

 

1- حُرمة الخبائث:

سأل أحد أصحاب الإمام الكاظم (ع) قائلاً له: لِمَ حرّم الله عزّ وجلّ الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟ فقال (ع): "إنّ الله تبارك وتعالى لم يحرِّم ذلك على عباده، وأحلّ لهم ما سوى ذلك من رغبة فيما أحل لهم، ولا زهد فيما حرّمه عليهم، ولكنه تعالى خلق الخلق فعلم ما يقوم به أبدانهم، وما يُصلحهم، فأحلّه لهم وأباحَه، وعلم ما يضرُّهم فنهاهُم عنه وحرّمه عليهم". إذاً كلُّ ما أحلّه الله تعالى خيرٌ للإنسان، وكلّ ما حرّمه شرٌّ للإنسان، والوقائع تثبت ذلك، فنموذج المحرمات وانعكاساتها ماثلٌ أمامنا.

ما هي آثار شرب الخمر؟ الخمر يُذهب العقل، فيتصرف الإنسان بطريقة غير عاقلة وغير متوازنة، قد يخطئ، أو يسيء، أو يتكلم بالكلام الفاحش، أو يرتكب المنكرات، أو يحرم عياله من العيش الطبيعي! كما يلجأ شارب الخمر إلى أجواء موبوءة من سنخيته: فيرتاد أماكن الرقص والغناء والخلاعة والإباحية، ويتواجد في أجواء الصحبة الفاسدة، ويقيم العلاقات الجنسية المحرمة، ويقصِّر في أداء واجباته... إلخ. والعقل. إنّ مضار الخمر كثيرة، فهي تضيّع الأموال وتؤذي الصحّة، ولا تُحصى أضرارها على بدن الإنسان، إضافة إلى أضرارها الروحية والنفسية. حرّم الله الخمر لأضراره، على الرغم من وجود بعض المنافع فيه، قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِم) (البقرة/ 219)، فالمنافع القليلة لا تمنع الأضرار الكبيرة. وفي القليل منها خطر توليد الرغبة بالكثير ثم الإدمان، ولذا شمل التحريم القليل والكثير، ففي الحديث الشريف: "كلُّ مسكِرٍ حرامٌ، فما أسكر كثيرُه فقليلُه حرامٌ"، ما يقطع الطريق على الانحراف والفساد.

حرّم الله تعالى الزنا، وقد اكتشف العلم أضراره الكثيرة ومنها: نقل مرض الإيدز، والأمراض التناسلية العديدة التي ينقلها الرجل أو تنقلها المرأة، وتدمير العلاقات الأسرية، فضلاً عن الآثار التربوية السيئة، وانتشار ظاهرة أولاد الزنا، وقد توصّل العالم اليوم إلى أخطار العلاقة خارج مؤسسة الزواج، وبدأ يروِّج لوحدة الشريك الزوجي، والامتناع عن العلاقات المفتوحة وغير المنضبطة. عن الإمام الرضا (ع): "حرّم الله تعالى الزنا لما فيه من الفساد، من قتل الأنفس، وذهاب الأنساب، وترك التربية للأطفال، وفساد المواريث، وما أشبه ذلك من وجود الفساد". أمّا أداء حقّ الغريزة فمشروعٌ عبر الزواج، ولا حرمان منه.

وحرّم الله تعالى الميسر، أي القمار، فالإنسان الذي يلعب القمار يفقد توازنه، وعند خسارته يدمر حياة منزله وأسرته، لأنّه يأمل دائماً بالربح، ويفرِّط برزقه في غير محله، وهو لن يحصل إلّا على رزقه المقسوم، فالتعجيل بالحرام لا يزيد رزقاً وإنما يُنقص من حلاله.

من المشاكل التي يواجهها مجتمعنا حبوب المخدرات، التي يروِّجها تجار بلا ضمير في صفوف الناشئة وتلامذة المدارس بأسعار بخسة، مستغلين سهولة تناولها، وآثارها في اللذة الآنية. يمكن للإنسان أن يروِّح عن نفسه بألعاب الكرة، أو السباحة، أو تأمل الطبيعة والتنزه فيها.. إلخ، بدلاً من تعاطي المخدر وارتكاب الحرام. يتعوّد الإنسان على تعاطي المخدر مرة بعد مرة فيصبح لاهثاً وراءه، معطلاً لقدراته، غارقاً في المفاسد، فإياكم أن تقبلوا من أي شخص حبة بعنوان أنّها تريح العقل أو تنشط أو تريح على المستوى النفسي.

وحرّم الله تعالى مقدمات الكبائر لأنّها تفتح الباب إليها، فالتحريم حمايةٌ ووقايةٌ استباقية لتحصين الإنسان، قال الله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (النور/ 30)، النظر المحرّم يؤدي إلى حرامٍ أكبر، ومَن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه، فمن أوّل الأمر انتبه إلى الضوابط التي تحميك.

 

2- حلِّية الطيبات:

أمرنا الله تعالى بالعبادات لتقوية إرادتنا وتسهيل مسارنا على طريق الخير والصلاح، أمرنا بالصلاة فقال: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت/ 45). لمصلحتك عليك أن تصلي فتقوي صلتك بالله تعالى، وتعزِّز الرقابة الإلهية لديك، وتقوي إرادتك، فإذا واجهت منكراً رفضته، وإذا واجهت منكراً آخر رفضته، إلى أن تجد نفسك رافضة لكلّ المنكرات، وذلك ببركة الصلاة التي زوّدتك بالقوة التي تواجه بها المنكرات.

أحلّ الله الطيبات من الطعام على أنواعه المختلفة، ومنه النباتات والثمار المتنوعة: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأنعام/ 141).

ومن الطعام لحومُ الأنعام والطيور المحلّلة شرط اتِّباع طريقة الذّبح الشرعية، لفوائد أكيدة في تحديد الحيوانات المحلّلة، وطريقة ذَبحها أو اصطيادها: (وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (الأنعام/ 119).

ومنه لحومُ البحر التي سخّرها الله تعالى للإنسان، وما في البحر من ثرواتٍ يستفيد منها، أو استخدام للتنقل من بلد إلى آخر، وغيرها من الفوائد: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل/ 14).

وأحلّ الله الزواج، ففيه تَلبيةٌ لرغبةِ الإنسان الفطرية، والتناسل المرغوب للحصول على الولد، وهو من اللّذات المحللة بشروطها المحدّدة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الرّوم/ 21).

وأحلّ الزينة بحدود يمكن التعرف عليها من الأحكام الشرعية لكلٍّ من الرجال والنساء، وقد شجّع القرآن على التزين عند الذهاب إلى المسجد: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف/ 31).

بل نهانا الإسلامُ عن تحريم الطيبات، فهي مشروعةٌ ومتاحةٌ لنا في هذه الحياة الدنيا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (المائدة/ 87). فالمحرّم هو الخبائث التي تضر الإنسان على كلّ المستويات، قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ) (المائدة/ 3).

حرّم الله تعالى المحرمات لأضرارها المادية والمعنوية على الإنسان، وأحلّ الطيبات ففيها الخيرات والأنس والمصلحة والراحة والثواب. عندما يأمرنا الله تعالى بالأوامر وينهانا عن النواهي، فهو يوجهنا لمصلحتنا كعالِمٍ خبير. فإذا أردت أن تكون صحّتك جيدة، وعقلك نقياً، وروحيتك عالية، وتعيش أسعد حياة في هذه الدنيا من الناحية النفسية والمعنوية، فاسلك طريق الإسلام.

كلّ الأوامر الإلهية لمصلحتنا، وكلّ النواهي الإلهية لمصلحتنا، سواءً عرفنا مبررات وعلل الأوامر والنواهي أو لم نعرفها، فبعضها بيّن الله لنا عللها كالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والخمر الذي إثمه أكبر من نفعه، لكنه لم يبيِّن لنا علل كلّ شيء، ولا حاجة إلى ذلك، إذ يكفي أنّ الأوامر من الله تعالى لنتبعها، فهي صادرة من عليم خبير.

 

3- أوامرُ الله خيرٌ محض:

لاحظ كيف تفاعل العظماء مع الأوامر الإلهية، فقد أمر الله تعالى إبراهيم (ع) أن يذبح ولده إسماعيل (ع)، فهمّ إبراهيم (ع) إلى تنفيذه واثقاً من حكمة الله تعالى ومصلحته، فلم يسأل عن مبررات الأمر بالذبح وأخطاره، وإنما اهتم بأمر الله تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (الصافات/ 102-107). انظر إلى العبرة: ذهب إبراهيم (ع) لينفذ أمر الله تعالى، وهو مقتنعٌ بأنّه لا يأمر بأمرٍ إلّا وفيه مصلحة، وأطاع إسماعيل (ع) أمر الله تعالى لأنّه يعلم بأنّه لا يأمر بأمرٍ إلّا وفيه مصلحة، فلم يتوقف أي منهما عند صعوبة مشهد الذبح، وإنما لاحظا أمر الله تعالى، وقد تبيّن أنّ الهدف من الأمر الإلهي إبرازُ عظمة ومكانة كلّ منهما، وإظهار استعدادهما لبذل كلّ شيء تنفيذاً لأمره.

في المقابل رفض إبليس أمر الله عزّ وجلّ بالسجود لآدم، (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (الأعراف/ 12)، فلم ينظر إبليس إلى الأمر الإلهي، بل إلى التفصيل المرتبط بأنانيته وتكبره، وهذا خطأٌ قاتل، فالعبرة بتنفيذ السجود طاعة لله تعالى، بصرف النظر عن شكل وطبيعة الأمر. عن الإمام الصادق (ع): "أمر الله إبليس بالسجود لآدم، فقال إبليس: يا رب، وعزتك إن أعفيتني من السجود لآدم، لأعبدنّك عبادةً ما عبَدَكَ أحدٌ قط مثلها. قال الله جلّ جلاله: إني أحبُّ أن أُطاع من حيث أُريد".

مسؤوليتنا أن نربي أنفسنا وأهلينا على الأوامر والنواهي الإلهية، وهم يتحملون مسؤولية أعمالهم بعد ذلك، فعن أبي بصير في قول الله عزّ وجلّ: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا). سأل الإمام الصادق (ع): "كيف أقِيهِمْ؟ قال: تأمُرُهُم بما أمر الله، وتنهاهُم عمّا نهاهُمُ الله، فإن أطاعُوكَ كُنتَ قد وقَيْتَهُم، وإن عَصَوْكَ كُنتَ قد قَضَيتَ ما عَلَيكَ".

إنّ طريق الصلاح مشفوعةٌ بعون الله تعالى، فعن أمير المؤمنين علي (ع): "ما أمر الله بشيء إلّا وأعان عليه"، فالله تعالى أمرنا بالصلوات الخمس في اليوم وأعاننا عليها بالهداية والأجر وسهولة أدائها، وأمرنا بالصيام وأعاننا عليه بتوفير الأجواء الإيمانية التي تصاحبه في شهر رمضان المبارك وتساعدنا عليه. وأمرنا بالقتال وهو خير لنا ووعدنا بالنصر: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة/ 216).

يلخص أمير المؤمنين علي (ع) نتائج الطاعة بوصفه للمتقين أنّهم: "أصابُوا لَذّةَ زُهدِ الدنيا في دنياهُمْ، وتَيَقّنُوا أنّهم جيرانُ الله غَداً في آخرتِهِم". فالمتقون رابحون لملذات الدنيا المحلّلة، ومثابون عليها بجنة الله تعالى وعطاياه في الآخرة، أما الكافرون فخاسرون في الدنيا، يأكلون حرامها فينالون منه متاعاً قليلاً زائلاً، ثم يوم القيامة يحاسبون بأشد العذاب في جهنم.

 

المصدر: كتاب مفاتيح السعادة

ارسال التعليق

Top