• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أهمية التنفس العميق.. شهيقاً وزفيراً

أهمية التنفس العميق.. شهيقاً وزفيراً
التنفّس أمر نقوم به جميعاً، وهو المسؤول عن بقائنا أحياء. ومع ذلك، فإنّ القليلين منا فقط يتنفسون كما يجب. تظهر الأبحاث بأنّ الجنين في بطن أُمّه يتنفس بشكل أفضل من الراشدين. وبالحقيقة، نحن نتنفس على الوجه الأفضل حين لا نعي ذلك – أي عندما نكون نائمين. أن نتعلم تحسين طريقة تنفسنا وسيلة ممتازة للتعامل مع الضغط النفسي. وإذا أردنا أن نقارنها بالوسائل الأخرى التي قد نلجأ إليها للتخلص من الضغط النفسي، نجدها الأفضل: فهي لا تسبب السمنة عكس تناول لوح عريض من الشوكولاه، وأقل إرهاقاً من جلسات التمارين في النادي الرياضي، وأقل كلفة من الذهاب للتسوق في فترة ما بعد الظهر. وهي مجانية، بسيطة، ويمكن استعمالها في أي وقت نشعر فيه بالحاجة للهدوء. ولنأخذ القول المأثور القديم: "خذ نفساً عميقاً وعدّ للعشرة". يبدو لنا للوهلة الأولى أنّ هذا القول يفيد فقط بأن علينا أن نتوقف قليلاً ونفكر قبل الإقدام على أمر نندم عليه لاحقاً. لكن ما ننساه غالباً هو الجزء من الجملة المتعلق بالنفس العميق، مع أنّه بنفس أهمية الجزء الآخر، إن لم يكن أشد أهمية منه. سنتناول من خلال هذه الحلقة، الطرق المتعددة التي بإمكاننا أن نتنفس من خلالها، ونقدّم طرقاً عملية لتحسين التنفس والمساعدة على الاسترخاء.   - التنفّس ينعشنا (Breath Freshening): عندما نتعرض للضغط النفسي، نبدأ بالتنفس عن طريق الصدر أي بطريقة يطلق عليها تسمية "التنفس الصدري". يصبح تنفسنا ضيِّقاً، غير منتظم، وسريعاً، إن كمية أقل من الهواء يصبح بإمكانها الوصول إلى الرئتين، مما يؤدي إلى زيادة سرعة نبضات القلب، وإلى توتر عضلي شديد. وكما نلجأ للتنفس الصدري عندما نتعرض للضغط النفسي، نلجأ إليه أيضاً عندما لا نقوم بالكثير من الحركة أي حين نكون غير نشطين Inactive. إنّ الحياة العملية في المكتب – أي الجلوس أمام جهاز الكومبيوتر لساعات طويلة – تتطلب نوعية جلوس تدفعنا لتنفس مماثل. إنّ العمل في المكتب يجعلنا نتبع أسلوباً في التنفس يزيد من الضغط النفسي بدلاً من التخفيف منه. إنّ البديل للتنفس الصدري هو التنفس عن طريق الحجاب الحاجز Diaphragmatic Breathing: عوضاً عن أن يكون التركيز في عملية التنفس على الصدر، يصبح التركيز على الحجاب الحاجز. إنّ الحجاب الحاجز هو عبارة عن حاجز عضلي يفصل بين رئتينا وجهازنا الهضمي ويقع في أعلى البطن. وهذا الحاجز العضلي محكم الشد ومرن بطبيعته، ينقبض عندما نتنفس، ويهبط إلى أسفل مسبباً اتساعاً في القفص الصدري يساعدنا على التنفس بشكل أفضل (الشهثيق)، ويعود برفق بعد ذلك إلى مكانه الطبيعي لمساعدتنا على إخراج الهواء (الزفير). وفي حين أنّ التنفس الصدري غير عميق، وغير منتظم، وسريع، فإنّ التنفس من خلال الحجاب الحاجز عميق، ومتوازٍ، وغير مقيد، يتيح للجهاز التنفسي بالعمل بشكل جيِّد. إنّ التنفس عن طريق الحجاب الحاجز يستخدم كل كمية الأكسجين التي تدخل إلى الرئتين، ويزوّد الأوعية الدموية بالأكسيجين اللازم، الأمر الذي يؤدي إلى التخلص من الفضلات في الجسم أي من ثاني أكسيد الكربون. وكما أنّ التنفس الصدري يقود إلى زيادة سرعة نبضات القلب والتوتر العضلي، فإنّ التنفس عن طريق الحجاب الحاجز يخفّض من نبضات القلب، ويجعل ضغط الدم طبيعياً.   - أهمية التنفُّس: شهيقاً وزفيراً.. إنّ الهدف هو أن نتعلم (وأن نتذكر) كيف نتنفس مستعملين الحجاب الحاجز. إذا قمنا بذلك، فإمكاننا أن نمنح الاسترخاء لجسمنا ونبعد عنا الضغط النفسي. والخطوة الأولى للقيام بذلك، هي أن نكون واعين للطريقة التي نتنفس من خلالها. إبدأ بالتمدد على الأرض أو الجلوس بوضعية مسترخية على كرسي، من دون شبك الرجلين أو اليدين ببعضهما البعض. ضع يدك اليمنى على بطنك أو معدتك، تماماً فوق خط الخصر Waistline، ويدك اليسرى على صدرك. أغلق عينيك مركّزاً على تنفسك: أي يد من يديك ترتفع وأي منهما تنخفض فيما تشهق وتزفر؟ في أغلب الأحيان، يتنفس الراشدون من خلال صدورهم (وبالتالي فإن يدهم اليسرى تتحرّك أكثر من اليمنى). والآن حاول أن تحرّك معدتك فيما تتنفس بحيث تشعر أن يدك اليمنى تتحرّك أكثر من اليسرى. هل بإمكانك أن تلاحظ الفرق بين نوعين من التنفس؟ في البداية قد يبدو لك أمراً مستغرباً أن تحرّك عضلات معدتك بينما تتنفس لكن بعد حين يصبح ذلك طبيعياً أكثر وغير متعب. حاول ألا تدع تنفسك يتحوّل إلى متقطع ولا تبالغ في استعمال عضلات معدتك في التنفس. بل ركّز على استعمال الحجاب الحاجز. واتبع في ذلك إيقاعاً هادئاً: قم بهذا التمرين لدقائق معدودة. إذا أردت أن تلمس لمس اليد تأثير الضغط النفسي على التنفس، فكّر بأمر يسبب لك عادة ضغطً نفسياً، كأزمة سير خانقة علقت فيها فيما ينتظرك موعد هام تريد الذهاب إليه. لاحظ أي من اليدين تتحرك الآن؟ أظهرت الاختبارات أن معظم الناس ينتقلون في هذه الحال وبشكل أوتوماتيكي، من التنفس من خلال الحجاب الحاجز إلى التنفس الصدري. وبكلمات أخرى تبدأ يدهم اليسرى بالتحرك. خلال الأيام العديدة القادمة، ركّز على تنفسك ولاحظ كيف تتنفس في أوقات متعددة من اليوم: هل تتنفس من صدرك أكثر مما تتنفس من الحجاب الحاجز؟ ما إن نعي كيف نتنفس، يصبح بإمكاننا التركيز على جعله أفضل. فيما يلي طريقتان للقيام بذلك، قد تساعداننا على الاسترخاء.   - التنفس من خلال الحجاب الحاجز: الطريقة الأولى لتنفس أفضل: التنفس مع التفكير الإيجابي (Suggestive Breathing): إنّ المفتاح لتنفس أفضل هو التركيز على الحجاب الحاجز بدلاً من الصدر. لكن بإمكاننا أن نجعل تنفسنا أفضل أيضاً من خلال التركيز على العقل، إضافة إلى الجسم. بينما أنت تتنفس من خلال الحجاب الحاجز، حاول أن تقول أو تفكّر: "أنا أخرج التوتر من داخلي. على الرغم من أنّ هذه الفكرة قد تبدو مستغربة بعض الشيء، إلا أنها تساعدك على الاسترخاء. وهذا المبدأ هو نفسه المستعمل في التصور أو التخيل Visualization. أظهرت الأبحاث أن دماغنا في هذه الحال يعطي ردة الفعل نفسها كما لو أنّ الحدث يحصل فعلاً. عندما نتخيل أننا نخرج التوتر من جسمنا، يستجيب دماغنا بنفس الطريقة كما لو أننا نخرج التوتر فعلاً. فبعد كل شيء، لا يهم ما إذا كان الوضع حقيقياً أم متخيلاً، بل المهم هو أن يؤدي إلى مساعدتنا على الاسترخاء. في هذا التمرين، بينما نتنفس شهيقاً نصبح أكثر وعياً للتوتر في جسمنا، فنقول في أنفسنا: نحن نتنفس للاسترخاء. نتوقف قليلاً بعد ذلك حابسين النفس في داخلنا ونزفر، جاعلين التوتر يخرج بالكامل منا. قائلين في أنفسنا: "نحن نخرج التوتر من داخلنا". لكن علينا أن نحذر من أن نقول هاتين العبارتين بصوت عال في مكان عام، خشية أن نتعرّض لنظرات الآخرين الساخرة. إنّ بعض الأشخاص يذهبون إلى أبعد من ذلك قليلاً عندما يقومون بهذا التمرين، فيتخيلون شيئاً إيجابياً عندما يتنفسون. فيما يزفرون يتخيّلون أن ضغطهم النفسي وتوترهم يخرج منهم على شكل غيمة حمراء من الضباب. هذه الغيمة تنطلق بعد ذلك رويداً رويداً في الهواء وتختفي تماماً في النهاية.   الطريقة الثانية لتنفس أفضل: تنفس أقل (Breath – less): عندما يشعر الناس بالخوف الشديد أو يكونون تحت ضغط نفسي يميلون إلى التنفس أقل، أو إلى اللهاث: وإذا أردت التأكد من ذلك خذ نفساً واحبسه قليلاً في داخلك. ينتج عن ذلك إحساس بامتلاء الجسم وبعدم وجود كمية كافية من الهواء. الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تنفس سريع وضيق. وهذا الأمر قد يتسبب لك بضغط نفسي كبير. مرة أخرى، الحل هو بالتنفس من خلال الحجاب الحاجز. لكن هذه المرة، بدلاً من التفكير أو القول "أخرج التوتر من داخلي"، جرّب استعمال ما يطلق عليه تسمية "دورة العشر ثوان" (Ten – Second Cycle). أوّلاً، تنفس من خلال أنفك بينما تعدّ "واحدا.. إثنان.. ثلاثة.." وتوقف قليلاً عند "أربعة". ثمّ أخرج الهواء من فمك (زفير) في الوقت الذي تعد فيه "خمسة.. ستة.. سبعة.. ثمانية..". والآن توقف قليلاً عند "تسعة" و"عشرة" ثمّ تنفس "شهيقاً" من جديد. ما تحاول القيام به هو أن تكون مدة زفير أطول من مدة الشهيق. من خلال أخذنا نفساً أعمق نحاول أن نقلل من عدد الأنفاس التي نحتاج أن نأخذها. كلما اقتربنا أكثر من العدد المثالي للأنفاس التي يجب أن نأخذها في الدقيقة الواحدة، وكلما كانت فترات التوقف بين نفس وآخر أطول، كلما شعرنا باسترخاء أكبر. إنّ المردود الحقيقي للتنفس أفضل يكون عندما لا نستعمله كملاذ أخير في مواجهة الضغط النفسي، بل عندما نستعمله بانتظام، مما يؤدي إلى جعل أجسامنا في وضع أقرب إلى الاسترخاء على الدوام. كيف يمكننا أن نذكر أنفسنا بضرورة جعل تنفسنا منتظماً باستمرار؟ بإمكاننا مثلاً استعمال ملصقات صغيرة من الورق وإلصاقها على جهاز الكومبيوتر أمامنا لتذكرنا بالتنفس من خلال الحجاب الحاجز وبطريقة الجلوس الصحيحة: وعلينا أن نتذكر دائماً هذا الأمر: إذا استطعنا تحسين تنفسنا، والذي هو بمثابة أكثر الوظائف الجسمانية أهمية، عندها نصبح مجهزين بطريقة أفضل بكثير للتعامل مع الضغط النفسي عند حصوله.   - المعدل المثالي للتنفس (شهيقاً وزفيراً) في الدقيقة الواحدة: يتنفس الناس بالواقع أكثر مما يحتاجون إلى ذلك فعلاً. إن أغلبنا يأخذون نفساً كل ست ثوان تقريباً وبأحسن الأحوال كل ثماني ثوان، في حين أن أحد الاختبارات الهامة دل مؤخراً على أنّ التنفس المثالي يجب أن يكون أبطأ من ذلك (أي بمعدل نفس كل عشر ثوان).   - أفكار هامة في سطور.. * تمدّد أو اجلس بوضعية مسترخية (من غير أن تشبك يديك أو رجليك). * أغلق عينيك. * إنتبه للطريقة التي تتنفس من خلالها، ويمكنك إذا أردت أن تضع إحدى يديك على البطن والأخرى على الصدر. * تنفس من خلال الأنف. * حاول أن تتنفس من خلال الحجاب الحاجز، بحيث أنّ اليد اليمنى تصعد وتنزل، في حين أنّ اليد الأخرى تتبع حركتها. * إذا كنت تجد أنّه من الصعب بالنسبة إليك التنفس من خلال الحجاب الحاجز، ادفع بيدك اليمنى إلى أسفل بينما تشهق، ودع بطنك يدفعها إلى أعلى بينما تزفر. * قم بذلك لدقائق معدودة – متنفساً بهدوء (شهيقاً وزفيراً).

ارسال التعليق

Top