طارق عبد الرؤوف عامر/ مدير إدارة جودة التعليم الأزهري
ولئن كانت الطفولة مرحلة نمو وتغيير دائم لا يتوقف حتى أنّ اليوم الواحد قد يضيف مزيداً من النمو في بعض الأحيان سواء في مرحلة المشي أو مرحلة النطق أم مرحلة التقاط الخبرات وظهور الاستعدادات.
ولئن كانت مرحلة المراهقة مرحلة تفجر جسدي وروحي مع النمو العلمي المتزايد، فإنّ مرحلة الشباب الباكر الممتدة حتى النضج هي مرحلة نمو من نوع متميز ليس فيها التغيير السريع الذي يميز مرحلة للطفولة ولا التفجر المتقلب الذي يصحب مرحلة المراهقة إنما فيها النمو المفضي إلى النضج وهو لون خاص غير اللونين السابقين.
فهي مع حيويتها الفائقة وبخصوصيتها فإنّ هناك إضافات توسع وتعمق، ما هو موجود في الإنسان من الناحية الجسدية والعقلية والنفسية والروحية أكثر مما هي إضافة عناصر جديدة لم تكن موجودة من قبل.
وليس معنى هذا أنّه لا تضاف عناصر جديدة إلى الشخصية الشبابية في هذه المرحلة كلاً فهناك إضافات مهمة وخطيرة وحيوية بل معناه فقط أنّ الصورة الحقيقية بالإضافة ليست كما يراها للشباب من زاوية رصدة الخاصة حين ينظر إلى نفسه فيظن أنّ كلّ شيء فيه قد تغير، وإنّه يفتح كلّ يوم آفاقاً جديدة ويكتشف من نفسه جديد كلّ يوم.
إنّ السبب في هذه الزاوية التي يراها الشاب في نفسه أنّ الآن قد دخل في مرحلة الوعي فهو يعي أحاسيسه وأفكاره، ويعي التغيرات التي تطرأ على نفسه وفكره وجسمه وروحه فيخيل إليه أنّها جديدة جدة كاملة وأنّها قد بنيت في كيانه فجأة بغير جذور سابقة أما الذي يراقب الأحوال من الخارج فإنّه له رؤية أخرى.
صحيح أنّه حدث وتجد أشياء جديدة لم يكن لها وجود واضح من قبل، ولكن معظم التغير الحادث هو في الحقيقة إضافة إلى الخطوط الموجودة بالفعل، والتي لم يكن الشاب على وعي كامل بها من قبل لأنّه في المراهقة يعيش فترة حالمة تحلم أكثر من تتجه إلى الإدراك والوعي.
ففي المراهقة تبدأ فورة الجسد وفي الشباب الباكر تتركز هذه الفورة وتزيد قوة سواه في طول القامة أم نحو الأعضاء أم قيامها بوظائفها.
وفي المراهقة كذلك تبدأ فورة النفس والمشاعر وفورة الأحلام والتطلعات وفورة القيم والمبادئ وفي الشباب الباكر تتركز هذه الفورة وتزداد قوة فالمشاعر متحمسة والعواطف جياشة والأحلام والتطلعات أقوى، ولكنها أكثر واقعية من خيالات المراهقة الحالمة لأنّها تتطلع إلى حلول عملية سواء أكانت هذه الحلول ممكنة التطبيق حقيقية أم كانت متعذرة أم حتى مستحيلة إنما المهم أنّ طريقة تناولها والتفكير فيها طريقة عملية، وليست مجرد خيالات حالمة على طريق المراهقة أما القيم والمبادئ فهي اليوم أكثر اتساعاً ووعياً وأكثر جدية في حين كانت في فترة المراهقة قيما ساذجة ومبادئ محصورة النطاق.
وفي المراهقة بدأت المواهب والاستعدادات تظهر ولكنها الآن أكبر بروزاً وأوضح وبهذا فإنّه في جميع الاتجاهات فيها إضافة وإضافة حيوية، ولكنها إضافة التعمق والتحسين فيما هو موجود بالفعل أكثر مما هي إضافة جديد لم تكن له جذور من قبل.
ولعل السبب الذي يؤدي إلى أهمية مرحلة الشباب هو الخصوبة الفائقة، وأنّ هذه الخصوبة يمكن أن تكون خصبة في الخير مثلما يمكن أن تكون خصبة في الشر، ولذلك فإنّه من الممكن التغلب على مشاكل هذه الفترة أي فترة الشباب بالتوجيه والرشيد فبالتوجيه الرشيد نستطيع تغليب احتمال الخير على الشر وجعل الثمرة تنضج في موعدها بينما الغفلة والإهمال أو التوجيه الخاطئ يمكن أن يؤدي إلى تغليب احتمال الشر وتخريج شخصية شاذة أو منحرفة يشقي بها صاحبها ويشقى معه أهل، وقد يشقى بها المجتمع بل والبشرية جمعاء، وكم من طغاة عرفهم التأريخ واشتهروا وذاع صيتهم في الطغيان، وكان السبب الرئيسي في طغيانهم أنهم قد تلقوا بذور انحرافاتهم في هذه الفترة الخطيرة من العمر ثمّ تلقفتهم الشياطين.►
المصدر: كتاب الشباب واستثمار وقت الفراغ
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق