• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إشراقة النور في يوم المبعث النبويّ الشريف

عمار كاظم

إشراقة النور في يوم المبعث النبويّ الشريف

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة/ 2)، ويقول تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة/ 33). تصادف ذكرى المبعث النبويّ الشريف في اليوم السابع والعشرون من شهر رجب الذي بعث الله تعالى فيه رسوله برسالته إلى الناس من أجل أن يبلّغهم رسالة الله، وليخرجهم من الظلمات إلى النور، كما قال الله تعالى في كتابه: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (الحديد/ 9).

لقد كانت الرسالة الإسلامية إشراقة في عقول الناس التي أظلمت من خلال الخرافات التي عششت في داخلها، وكانت إشراقة محبّة في قلوب الناس التي حملت كلّ الحقد والعداوة والبغضاء. وأراد الله تعالى للرسالة أن تشرق في حياة الناس لتهديهم إلى الصراط المستقيم. وانطلق النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة كما علّمه الله، وهو الذي كان في مدى الأربعين سنة التي سبقت إرساله بها يعيش تأمّلاته وعبادته في غار «حراء»، ولكنّ الله تعالى لم يُنزل عليه الكتاب ويبلغه بتفاصيل الإيمان ممّا أمره به ونهاه عنه، وممّا وجّهه إليه، إلّا عندما أرسله بالرسالة: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا - والمراد من الروح كما ورد في بعض التفاسير القرآن - مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى/ 52).

كما قال الله تعالى لنبيّه: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) (المدثر/ 1-3)، (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (المزمل/ 5)، (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الزخرف/ 43)، فانطلق النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) صادعاً بالرسالة، وكان يأتيه الشخص والشخصان فيدخلون الإسلام، ثمّ ينطلق هذا وذاك ليهدوا غيرهم إلى الإسلام. وعاش النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مرحلة من أصعب المراحل في مكة، حيث اضطهده المشركون هو وأصحابه، حتى اضطروا للهجرة إلى «الحبشة»، وكان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يجتمع برؤساء القبائل والعشائر ويقصدهم إلى بيوتهم عندما يأتون إلى «مكة» في المواسم ليدعوهم إلى الله تعالى، حتى إذا استكمل دعوته هاجر إلى المدينة وبدأت المعاناة هناك، حيث شنّ عليه المشركون حرباً متحركة انطلقت في أكثر من مرحلة، بلغت القمة في حرب «الأحزاب» التي حاول فيها المشركون القضاء على الإسلام في مهده، ولكنّ الله تعالى كفى المؤمنين القتال.

وتحالف اليهود مع المشركين، بعد أن كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد وثّق العهد معهم، ولكنّهم نقضوا عهد الله من بعد ميثاقه، وعاش النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلّ تاريخه هذا في خطّ الرسالة، ولكنّه في الوقت نفسه كان يعيش الألم كلّ الألم، والإيذاء كلّ الإيذاء، حتى قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما أوذي نبيّ مثلما أُوذيت»، لأنّه في كلّ تاريخه كان يتلقى الصدمات على كلّ المستويات، حيث كان المشركون يحاصرون الإيمان كلّه والإسلام كلّه، وكانوا يتحرّكون في المناطق التي يبسطون عليها نفوذهم من أجل أن يبعدوا الناس عن الإسلام، وكانوا يخوّفونهم بما يملكون من قوّة حتى لا يدخلوا في الإسلام، حتى إذا نصر الله تعالى نبيّه وجاء فتح «مكة» بدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً.

لقد أراد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) - من خلال الرسالة - أن يعمّق الإسلام في عقول الناس، ولذلك كان يقوم في الناس بين وقت وآخر ليعلّمهم ويربّيهم ويجيبهم عن كلّ أسئلتهم، كان يعيش مع الناس كأحدهم، ويعيش المحبّة لكلّ الناس معه، (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة/ 128)، وكان ليّن القلب، فلا يحمل في قلبه ثقلاً على أحد حتى الذين يعادونه ويخاصمونه، وكان ليّن اللسان، فلم تصدر منه أية كلمة قاسية أو عادية ضد كلّ الناس: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159).

واستطاع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يربّي صفوة طيِّبة من أصحابه على خطّ الإسلام كلّه، وقد تحدّث الله تعالى عن هؤلاء الذين استقاموا وواصلوا الاستقامة في الخطّ ولم يغيّروا ولم يبدّلوا، (مُحمَّدٌ رَّسُول اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ) (الفتح/ 29). وأراد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصنع للحياة مجتمعاً يقوم على المحبّة والتسالم، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ممّا رُوِي عنه: «المسلم مَن سلم المسلمون من يده ولسانه»، فالمجتمع الإسلامي هو مجتمع يعيش الناس فيه بسلام مع بعضهم البعض، فلا يتعدى إنسان على إنسان بسوء في كلامه وعمله، حتى أنّ الله تعالى آخى بين المؤمنين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ - وحمّلهم المسؤولية في أنّهم إذا تنازعوا فيما بينهم فعلى الجميع أن ينهض ويعمل على إصلاح ذات البين - فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات/ 10).

ارسال التعليق

Top