• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إصلاح العملية التربوية

محمد الروبي عبدالوهاب*

إصلاح العملية التربوية

◄أطراف هذه القضية الشائكة أربعة: المجتمع والمتعلم ودار العلم والمعلم، فما دور كلّ طرف من هذه الأطراف؟ وما الاتجاه الذي يسير فيه الآن، والاتجاه الذي يجب أن يكون عليه، حتى نوفق بين هذه الأطراف كي نصل إلى الهدف الذي نسعى إلى تحقيقه؟

لذلك فإننا نسأل أوّلاً: هل المجتمع الذي نعيش فيه يريد للمتعلم أن يصل للدرجة الثقافية التي يأملها التربويون منه؟ أم أنّه يريد شخصاً يملأ الفراغ ويسير على وتيرة السابقين ويطبّق قوانين ولوائح أكل عليها الزمن وشرب؟.

إذا أجبنا عن هذا التساؤل بكل صدق نكون قد بدأنا الخطوة الأولى للعلاج، فالمجتمع لا يريد إلا إنساناً يسعى طيلة الشهر كادحاً كادّاً لكي يحصل في نهايته على راتب يستطيع أن يعيش منه هو وأسرته، دون النظر لكونه مبتكراً أو عبقرياً، بل أحياناً قد تؤدي عوامل أخرى إلى دفن أصحاب المواهب والقدرات الخلاقة، وقد يؤدي نبوغ الفرد إلى فصله وتسريحه من العمل، وقد يتطور الأمر إلى اتهامه بالجنون وإيداعه في أقرب مصحة للأمراض العقلية، فالمجتمع الذي يرفض كلّ جديد ولا يتقبل الأفكار النابغة ويرى فيها مخالفة للسنن التي سار عليها الأقدمون سنوات طويلة، كيف يشجع الثقافة والمثقفين؟

إن البداية تكون بإصلاح نوعية معينة من أفراد المجتمع وإعدادهم لمستقبل التغييرات التي سوف تحدث حتى لا نصطدم بالرفض من جانبهم حين نصل إلى مرحلة التطبيق العلمي والعملي.

فمن الآن يجب أن تقوم أجهزة الإعلام المختلفة بالتوعية اليومية لأفراد المجتمع وحثّهم على تبني الأفكار الجديدة، وتشجيع المواهب والنابغين، وإعداد المؤسسات التعليمية الخاصة لتشجيع الأفراد وإفهامهم أن ما نُقْدم عليه هو الإصلاح بعينه، أي زرع الأفكار الجديدة محل الأفكار القديمة التي لا تناسب ما نصبو إليه، وهو ما يتطلب تضافر الجهود، وإضافة إلى ما سبق فإن هناك مجتمعات ليس لديها الاستعداد لتقبّل النصيحة أو حتى الإصغاء لفكر جديد، بل يتعدى الأمر إلى أبعد من ذلك، حيث يتطور إلى هجوم ضار ينجم عنه إجهاض الفكرة قبل ولادتها، ومن ثمّ النكوص من جديد.

أما عن المتعلم وهو الهدف الأساسي والرئيسي الذي قامت من أجله العملية التعليمية، فيجب علينا أن نعدّه الإعداد الجيد منذ نعومة أظفاره، ونبدأ بالمنزل وقبل دخوله المدرسة، ثمّ يتدرج إدخال المواد الثقافية مع باقي المواد على أن تعمل المؤسسات وكلّ من يهمه الأمر على تدعيم هذا الاتجاه، ويقوم فريق عمل بإعداد منظومات يومية وأسبوعية وشهرية وسنوية، وتوضع خطة قصيرة الأجل وخطة طويلة الأجل، وتقوم بإجراء المسابقات وترصد لها الجوائز، ويتم إضافة درجات وعلامات تمييز للنابغين وتكون لهم الأولية في الأماكن الراقية لقيادة المجتمع ومنحهم مكافآت مادية لتشجيعهم على صقل مواهبهم.

وتقدم الجهات المعنية الدعم والعون الكافي للمتعلم، وبهذا نكون قد وصلنا إلى بداية الطريق إلى الحل الجذري.

وعن دور العلم عن اختلافها واتجاهاتها، فيجب أن تكون معدة إعداداً جيداً يسمح بالابتكار والإبداع وتشجيع المثقف، وتخصص حصص ومحاضرات وندوات لحث الطلاب على السير في الاتجاه السليم، لذلك يجب أن تزوّد بكل ما تحتاج إليه من الوسائل العصرية التي تواكب الجديد في كلّ مجال، فليس من المعقول أن يدرس الطلاب في بلاد حولنا مبادئ الحاسب الآلي منذ بداية إدراكهم، في الوقت الذي يتم فيه تعليم أولادنا على أصابع اليد، ويجب توفير المكان الجيد المناسب والملائم، فمن غير المعقول أيضاً أن يجلس التلميذ مرتعداً من البرد بسبب عدم وجود زجاج للنافذة، ونطلب منه أن يركز ليبدع فالمكان المناسب المعد والمجهز بجميع الأجهزة والأثاث هو أساس العملية الثقافية.

والعنصر الرابع وهو المعلم، فيجب إعداد جيل من المعلمين يكونون على اقتناع تام وإيمان كامل بالدور المنوط بهم فعله، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. ويعطى كلّ الصلاحيات التي تساعده في عمله لإعداد ذلك الجيل الذي نريد منه أن يمتطي صهوة الجواد ليحلق ملتحقاً بركب الحضارة، ومن أجل ذلك نرى ضرورة:

-         زيادة ميزانيات البحث العلمي وربط مراكز الأبحاث بالشركات والمصانع لتتولى الإنفاق والتمويل والمساهمة في دعم الأنشطة الثقافية والعملية.

-         تغيير محتوى الأنظمة التعليمية والمناهج بحيث تدعم الثقافة والابتكار بدلاً من الحفظ.

-         عدم استيراد نماذج غربية غريبة عن المجتمع، لأن ما يصلح لمجتمع قد لا يصلح لمجتمع آخر، مع الوقع في الاعتبار حاجات وميول ورغبات وواقع المجتمع الذي نعيش فيه، وتطويع الظروف المحيطة بنا للتوافق مع معطيات ذلك النظام.

-         خلق جو تعيش فيه الثقافة، وذلك بعدم تكميم الأفواه، وسجن الأفكار الخلاقة وأصحابها وإتاحة الفرصة لكل مبدع لأن يدلي بدلوه دون عقاب أو محوه من الحياة ومجازاته بجزاء (سنمار).

-         يجب ربط الجامعات والمجتمع بشكل وثيق.►

 

*مدرس لغة إنجليزية/ السعودية

 

المصدر: مجلة العربي/ العدد 493

ارسال التعليق

Top