• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إقامة العدل سبيل لصنع المجتمع المسلم

إقامة العدل سبيل لصنع المجتمع المسلم

◄في المفهوم الإسلامي الأصيل، أنّ الله تعالى أنزل كلّ الرسالات، وأرسل كلّ الرُّسل، ووضع الميزان كلّه من أجل هدف واحد، وهو إقامة القسط بين الناس، والقسط هو العدل: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد/ 25)، فالعدل هو أساس كلّ الرسالات، وهو الذي يوحِّدها في كلِّ مفاهيمها وشرائعها، حتى إنّ الإيمان بالتوحيد هو حركة عدل، لأنّ علينا أن نحفظ لله حقّه في أن نوحّده بالألوهية فلا إله غيره، ولا شريك له، وأن نوحّده بالعبادة فلا معبود غيره، وأن نوحّده بالطاعة فلا طاعة لغيره.

إنّ علاقة الإنسان بربِّه هي علاقة عدل، وهكذا هي علاقة المسلمين برسول الله (ص)، لأنّ من حقّ الرسول (ص) الذي أرسله الله تعالى رحمةً للعالمين، والذي جاهد في الله حقَّ جهاده، والذي أُوذي كما لم يؤذَ نبيّ مثله، من حقّه على المسلمين أن يلتزموا رسالته ويتّبعوها، وأن يجعلوها عنواناً لحياتهم، وشريعةً لقوانينهم، وأن يعيشوا معنى رساليته في معنى رسوليته، ليبقى خطّ الرسالة في خطِّ التوحيد من خلال الشهادتين: أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله. وقد ربط الله تعالى بين محبّته من قِبَل الناس وبين اتّباعهم الرسول (ص)، فقال تعالى على لسان رسوله: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (آل عمران/ 31).

والعدل هو ما يربط الإنسان بالإنسان، سواء كان الإنسان مسلماً أو غير مسلم، لأنّه لا دين للعدل، فالعدل للناس جميعاً، ولا دين للظلم فالظلم ليس ديناً مع الناس جميعاً، وقد ورد في تراث الأئمّة من أهل البيت (ع)، أنّ «الله عزّوجلّ أوحى إلى نبيّ من أنبيائه في مملكة جبّار من الجبّارين، أن ائتِ هذا الجبّار وقل له إنّني لم أستعملك على سفك الدماء واتّخاذ الأموال، وإنّما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فإنّي لن أدع ظلامتهم وإن كانوا كفّاراً»، فالله لا يريد لنا أن نظلم الكافر، كما لا يريد لنا أن نظلم المسلم، بل أن نعطي كلّ ذي حقّ حقّه، قريباً كان أو بعيداً، ضعيفاً كان أو قوياً، وهذا هو معنى العدل.

رفض الظلم:

وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (ص): «ما من مظلمة أشدُّ من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عوناً إلّا الله»، وهي مظلمة الضعيف، فإنّ ظلم الضعيف هو أقسى الظلم وأشدّه وأفحشه. وورد عن رسول الله (ص): «اتّقوا الظلم فإنّه ظلمات يوم القيامة». ويريد الله تعالى منّا أن نعمل على أن نقتلع الظلم من داخل نفوسنا، وأن نرفضه من ألسنتنا وفي سلوكنا، وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق (ع): «العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم»، لأنّ الإنسان الذي يختزن الرِّضى بظلم الظالم، هو مشروع جنيني للظلم، كما أنّ الإنسان الذي يعذر الظالم، هو حركة بيانية في تأكيد الظلم، وقد ورد في بعض الكلمات المأثورة: «مَن عَذَر ظالماً بظلمه، سلّط الله عليه مَن يظلمه، فإن دعا لم يُستجب له ولم يأجره الله على ظُلامته». وورد في الحديث: «مَن أكل من مال أخيه ظلماً ولم يردّه إليه، أكل جذوةً من النار يوم القيامة».

وورد عن الإمام عليّ (ع): «الظلم ثلاثة: ظلم لا يُغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب، فأمّا الظلم الذي لا يُغفر فالشِّرك بالله ـ وهذا ما عبّر عنه الله تعالى حكاية عن قول لقمان لابنه: (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان/ 13)، فالمشركون يظلمون الله في حقّه في التوحيد ـ أمّا الظلم الذي يُغفر، فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات، وأمّا الظلم الذي لا يُترك، فظلم العباد بعضهم بعضاً»، ويتابع الإمام عليّ (ع) كلامه: «القصاص هناك شديد، ليس هو جرحاً بالمدى، ولا ضرباً بالسياط، ولكنّه ما يُستصغر ذلك معه».

تربية النفس على العدل:

في ضوء ذلك كلّه، علينا أن نربّي أنفُسنا وأجيالنا على العدل، لأنّ الله أقام الإسلام على أساس العدل، وعلينا أن نعمل بكلّ ما عندنا من قوّة في أن نكون موقعاً واحداً في مواجهة الظالمين والمستكبرين، أن نعطي الضعفاء حقوقهم، فلا يظلم الإنسان زوجته أو أولاده أو الموظفين عنده أو الضعفاء الذين يقعون في دائرة مسؤولياته. إنّ الله تعالى أراد للمسلمين أن يصنعوا مجتمع العدل، وأن يقدّموا الإسلام للناس على أنّه إسلام العدل الذي يعطي لكلّ ذي حقّ حقّه.

ومن العدل للإسلام أن نأخذ بأسباب الوحدة الإسلامية التي يلتقي فيها المسلمون على عقيدة الإسلام، وأن يتحاوروا فيما اختلفوا فيه، وأن ينطلقوا كما قال الله تعالى وهم في معركة مع المستكبرين كلّهم: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف/ 4).►

ارسال التعليق

Top