• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

استغلال الوقت الضائع لتحسين الإنتاج

د. عدي عطا حمادي

استغلال الوقت الضائع لتحسين الإنتاج

◄يعد موضوع (التغيير والتطوير) التكنولوجي من الموضوعات البالغة الأهمية بالنسبة للمنظمات الصناعية في وقتنا الحاضر حيث أنّ نجاح هذه المنظمات يعتمد إلى حد كبير على مدى قدرتها على توظيف التطور المستمر في تكنولوجيا الإنتاج واستخدامه بما يحقق لهذه المنظمات القدرة التنافسية في بيئة تتسم بالتغيير المستمر والمتسارع، الأمر الذي يفرض على هذه المنظمات وضع الخطط الكفيلة باستيعاب هذه التغييرات والمستجدات ذات العلاقة بنشاطات وأعمال المنظمة في بيئة العمل الصناعي.

لعلّ أوّل بدايات الاهتمام بالوقت في الممارسات الإدارية الحديثة وبأسلوب علمي ومنطقي كانت مع دراسات فردريك تايلور رائد حركة الإدارة العلمية في أوائل القرن العشرين من خلال دراساته المعروفة بدراسات الوقت والحركة واستطاع من خلالها أن يحقق ما كان يمثل مدخلاً جديداً في الإدارة وفي إدارة المنشات الصناعية على وجه التحديد بعد أن أوضح أنّ ضياعاً وهدراً كبيراً في الطاقات الإنتاجية بسبب سوء استخدام الوقت وإنّ ما كان ينتج بيوم واحد يمكن أن ينتج بساعة واحدة إذا ما أخضعت الأنشطة للتحليل العلمي للعمل من خلال البحث التجريبي لاكتشاف أفضل طريقة لإنجازه واختيار العمال المؤهلين الذين نقدم لهم التوجهات ويلتزمون بتلك الطريقة المفضلة والتخلص من الأفعال والحركات الزائدة وغير الضرورية وجعل تلك الحركات موجهة نحو أغراض محددة تصل إلى نهايات معلومة.

إنّ اتجاهات تايلر في دراسة الوقت قد استرعت انتباه المتخصصين في مجال إدارة الأعمال والمهندسين والفنيين وأصحاب العمل. وقد نظمت عدة مؤتمرات أشرفت عليها جمعية الإدارة الأمريكية (AMA) والمعهد الأمريكي للمهندسين الصناعيين (AIIE) إضافة إلى الجهات الأخرى كانت تهدف جميعاً إلى وضع أسس علمية لدراسة الوقت أثناء العمل ووضع معايير ومقاييس لأوامر الأفراد ارتباطاً بالوقت اللازم وإنجاز الأعمال والأنشطة.

بعد ذلك شهدت الدراسات الإدارية التي تدور جميعها حول محور أهمية الوقت وضرورة التعمق بفهمه والتعامل معه كمتغير مهم في حياة الأفراد والمنظمات مجالاً خصباً للتعمق في دراسة الوقت وتبيان أهميته للمنظمات بشكل عام والمنشآت الصناعية على وجهة التحديد بشكل خاص ومن هذه الدراسات على سبيل المثال لا الحصر دراسات (باركنسون) الذي صاغ قانون سماه باسمه (قانون باركنسون) والذي ينص على أنّ العمل يمتد لمجرد ملئ الوقت المخصص وعليه فإنّ الموظف المشغول أو المنشغل هو الذي لديه فائض من الوقت وعليه فإنّ الانشغال والتشاغل من قبل الموظفين ليس فنياً ولا يمثل حرصاً أو إصلاحاً وإنما هو أحد مظاهر سوء استغلال الوقت المحدد بطريقة جيدة.

أما (بيتر دروكر) الذي عاش في أواسط ونهايات القرن العشرين فقد اعتبر الوقت أحد المؤشرات التي تستخدمها الإدارة في قياس إنتاجية المنظمة باعتباره أحد الموارد النادرة والهامة والثمينة.

في حين أنّ (واين مور) اعتمده كمؤشر من مؤشرات قياس العمل والإدارة داخل المنظمات. ولعلّ من المناسب أن نشير هنا إلى أنّ هناك قلة قليلة جدّاً من الكتب باللغة العربية التي تناولت موضوع إدارة الوقت حيث ركزت على المتغيرات البيئية الخارجية للمنظمة والتي ليس لها القدرة على التحكم فيها زيادتاً أو نقصاناً. تقديماً أو تأخيراً.

إنّ هذه الدراسات رغم قلتها في أدبيات إدارة الأعمال وملاحظة المهندسين العاملين في هذا المجال لفتت أنظار الباحثين إلى خطورة هذه الظاهرة المتمثلة بسوء استخدام الوقت وعدم توظيفه من قبل المنظمات بشكل سليم فضلاً عن النظرة القاصرة والضيقة إلى طبيعة وأثر هذا المتغير الهام في حياة المنظمات عامة ومنشآت الأعمال بشكل خاص.

يعد الوقت عنصر هاماً من عناصر الإنتاج والأداء وإن حسن توظيفه واستخدامه واستثماره ويعتبر أحد مؤشرات نجاح المنظمات الإدارية المعاصرة. إنّ الوقت يمثل قيمة حضارية ومجتمعية متعددة المضامين في جانبه الاعتباري والمادي فضلاً عن كونه يمثل قيمة اقتصادية عالية إذا ما أحسن استثماره خاصة بالنسبة للبلدان النامية التي لا تزال تنظر إلى الوقت نظرة لا ترتقي إلى ما هو مطلوب منها مقارنة بالبلدان الصناعية المتقدمة.

إنّ أهمية التعامل مع الوقت (وقت العمل) يجب ألا يقل بأي حال من الأحوال من التعامل مع أي مورد آخر من الموارد التي تستخدمها المنظمات لإنجاز عملياتها ونشاطاتها المختلفة كالموارد التي تستخدمها المنظمات لإنجاز عملياتها ونشاطاتها المختلفة كالموارد البشرية والمالية والنقدية والتكنولوجية. وهذا لا يقتصر فقط على نشاطات الأعمال ذات الطبيعة الإنتاجية وإنما يمتد ليشمل جميع المنظمات الإنتاجية والخدمية.

ويستند رواد المدخل التقليدي في حركة الإدارة العلمية للوقت إلى فلسفة تحسين أيّة عملية عن طريق تجزئتها إلى مكونات ودراسة محتوى العمل لكلّ من مكونات تحسين مناهج العمل. وقد انبثق حقلان ومجالان منفصلان عن بعضهما البعض هما دراسة الطريقة (طريقة العمل) وقياس العمل، إذ تعد دراسة طريقة العمل أسلوب علمي منظم بهدف استنباط حالة أفضل من خلال دراسة واقع حالة معينة والتي تعتمد على تجزئة الحالة وعرض أجزائها بأسلوب منظم وواضح ومن ثم اختبار تلك الأجزاء اختباراً (انتقادياً).

أما قياس العمل فيعرف بأنّه مجموعة أساليب تستخدم لتحديد الوقت الذي بموجبة يتم إنجاز العمل. ومن بين أهم الأساليب والخطوات التي يتضمنها قياس العمل في تحديد الأوقات القياسية:

·      اختيار العمل المراد قياسه، حيث يتم من خلاله تحديد نوع النشاط المراد قياسه.

·      تعريف الطريقة المختارة، وفيه يتم تعيين الطريقة المناسبة من بين عدد من الطرق.

·      تجزئة العملية إلى عناصرها، حيث يتم تحليل العملية إلى الأجزاء والمكونات التي تتألف منها.

·      قياس كمية العمل المستغلة لكلّ عنصر والتي بدورها تنبثق عنها الملاحظة المباشرة ودراسة الوقت، وكذلك الأوقات المحددة مسبقاً والتخمين.

·      التركيب من بيانات قياسية وتحديد المساحات اللازمة.

·      استخراج الوقت القياسي وتحديد الوقت المخصص للطريقة المعرفة.

وذلك لغرض الوصول إلى أسس للمقارنة بين الطرق البديلة المتاحة تحت تصرف المنشأة المعنية، واستمرارية مستمرة للعلاقة بين العامل والطاقة (القدرة)، وتخطيط مؤشر الإنتاج وتحديد كلف العاملين ومعيار لوضع الحوافز.

مما تجدر الإشارة إليه أنّ المدخل (التقني – المادي) الذي اصطلح عليه بهندسة العمل يستمر استخدامه بصورة ناجحة في أغلب الأحيان خاصة عندما يندمج مع السياق الاجتماعي الذي تؤدى به الأعمال. وإنّ الهدف الأساس كان وما زال تقليص الحركات العامل وتجنب الحركات غير الضرورية والاقتصار على الحركات الضرورية فقط وتحديد الأوقات القياسية لهذه الحركات لغرض زيادة إنتاجية العامل وكفائته وزيادة إنتاجية الماكنة وكفاءتها. فالموضوعية في الزمن تكمن في عدالته وكونه ذو معيار لا يطاله تفسير ضمني أو تأويل فكري وهذه العدالة الكامنة في جوهر الزمن هي التي تجعله معياراً مقبولاً للحكم على نوعية الأداء تأكيداً لحقيقة أنّه يمتنع عن التطويع ويرفض التحيز.►

 

المصدر: كتاب مهارات إدارة وتنظيم الوقت

ارسال التعليق

Top