أسرة
1- الإحسان إلى (غير المُسلِم) في القرآن الكريم:
أ- البرّ والإحسان للمُسالمين منهم:
قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة/ 8-9).
ب- الحوار والتفاهم معهم بالحكمة والموعظة الحسنة وبالتي هي أحسن، والإلتقاء معهم على ضوء النقاط المُشتركة:
قال سبحانه: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) (آل عمران/ 64).
وقال جلّ جلاله: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (العنكبوت/ 46).
ت- عدم اتِّهامه أو إلصاق جرم ارتكبه مسلم به، فمَن رمى غير المسلم بجريرة المسلم فقد حلّ غضب الله عليه:
قال تعالى: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (النساء/ 112).
ث- لا يصحّ إكراه غير المسلم على الدخول إلى دين الإسلام إلّا إذا توفّرت لديه القناعة الكافية عن طريق الدرس والبحث والنظر والمُقارنة:
قال سبحانه: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة/ 256).
2- الإحسان إلى (غير المُسلِم) في الأحاديث والروايات:
أ- لأهل الدِّين – من المسلمين وغير المسلمين – علامات يُعرَفون بها، فلابدّ من تشخيصها أوّلاً حتى يسهل التصنيف ولئلا يختلط الصالح بالطالح، وحتى يمكن الإحسان للصالحين منهم:
يقول الإمام علي (ع):
"إنّ لأهل الدِّين علامات يُعرَفونَ بها:
1- صدق الحديث.
2- وأداء الأمانة.
3- والوفاء بالعهد.
4- وصلة الرحم.
5- وقلة المؤاتاة للنِّساء.
6- وبذل المعروف.
7- وحُسن الخلق.
8- وسعة الصّدر.
9- واتِّباع العلم.
10- وما يُقرِّب إلى الله عزّ وجلّ.
طوبى لهم وحُسن مأب".
ب- في (سنن أبي داود عن ابن عباس): "كانت المرأةُ تكون مقلاتاً (يموت أولادها فهي قليلة الولد)، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تُهوِّده، فلمّا اُجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله عزّ وجلّ: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة/ 256)".
ت- إنّ حامل الضمير، اليقظ، من أيِّ دينٍ كان، يستحقّ اللّطف والمروءة والإحسان:
يقول أمير المؤمنين علي (ع): "أمّا علامة المؤمن، فإنّه (يفهم) و(يرأف) و(يستحي)"!
ث- الإحسان إلى ضعيفهم وفقيرهم، والمُقعَد أو المُتقاعد منهم:
رأى علي (ع) رجلاً نصرانيّاً يستعطي، فسأل: ما هذا؟ فقيل له: رجلٌ نصراني؟ فقال: "أفبعدَ أن استعملتموه"، أي استفدتم من خدمته وطاقته يوم كان متمتِّعاً بالصحة والحيوية، وتركتموهُ يستجدي في شيخوخته، ثمّ أمر له بجراية (مال) من بيت المال!
وكان (ع) يؤكِّد نظرته الإنسانيّة بالقول: "الناس إمّا أخٌ لكَ في الدِّين أو شبيهٌ لكَ في الخَلْق".
3- الإحسان إلى (غير المُسلِم) في الأدب:
يرى (أحمد شوقي) أنّ الأديان كلّها تلتقي على مكارم الأخلاق، فلابدّ من الإحسان لأبنائها وأتباعها والمُستهدين بهديها، فيقول:
الكتبُ والرُّسلُ والأديانُ قاطِبَةً **** خزائنُ الحِكمةِ الكُبرى لواعيها
محبّةُ اللهِ أصلٌ في مراشِدِها **** وخشيةُ اللهِ أسٌّ في مبانيها
وكلُّ خيرٍ يُلقى في أوامرِها **** وكلُّ شَرٍّ يوقّى في نواهيها
تسامحُ النفسِ معنى من مروءتها **** بل المُروءةُ في أسمى معانيها!
وفي الأمثال العربية تأكيد على أنّ رعاية العهد والإحسان لِمَنْ تعهّدت إليه هو دين بحد ذاته، حيث يُقال: "لا دينَ لِمَنْ لا عَهْدَ له".
وكان (ابن حزم الأندلسي) يقول: "ثِق بالمؤمِن وإن كانَ على غير دينك، ولا تَثِق بالمُستخفّ وإن أظهر أنّه على دينِك"
ويرى (لامارتين) أنّ مسؤولية الأديان هي بناء الضمير (التقوى) أي جهاز التنبيه للخطأ والخطر من عبادة (الهوى) دون الله تعالى، فيقول: "إنّ ضميراً خالياً من الله كالمحكمة الخالية من القاضي"!
وقال الشاعر:
ما دُمتَ مُحتَرِماً حقِّي فأنتَ أخي **** آمَنتَ باللهِ أم آمنتَ بالحَجَرِ
4- برنامج الإحسان إلى (غير المُسلِم):
في (رسالة الحقوق) يقول الإمام زين العابدين (ع):
"وأمّا حقّ اهل الذِّمّة[1]:
1- فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله.
2- وتفي بما جعل الله لهم من ذمّته وعهده.
3- وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم.
4- وتحكم فيهم بما حكم الله على نفسِكَ فيما جرى بينك وبينهم من معاملة.
5- وليكن بينكَ وبين ظُلمهم من رعاية ذمّة الله، والوفاء بعهده وعهد رسوله (ص)، حائل.
فإنّه بلغنا أنّه قال: (مَن ظلمَ مُعاهِدٌ كنتُ خصمه)، فاتّقِ الله"!
وجاء في (الموسوعة الإسلامية المُيسّرة) ج2، مادة (أهل الذِّمّة)، ما يلي:
"نُسجِّل أسبقيّة قانونية كُبرى للإسلام، لأنّه قدّم رؤية تشريعية مُتكاملة تُنظِّم علاقة أتباعه بالآخرين ممّن لا يدينون به، ضمن إطار علاقة سلميّة. بل وأكثر من ذلك، فإنّ هذه التشريعات قدّمت صيغة لحياة مُشتركة، وعيش واحد مفتوح أمام كلّ إنسان مهما كان مُعتقده تحت مظلّة الإسلام المُستوعب.
وتبتدئ مفردات العيش الواحد من: المأكَل والمشرَب المُشترك، ومن التزاوج إلى رفع التشنّج في العلاقة العامّة:
ويتمتّع أهل الذِّمة في الإسلام باستقلال ذاتي تشريعي وقضائي"[2].
[1]- أهل الذمة: هم غير المسلمين، في دار المسلمين، الذين يتمتّعون بحماية المسلمين والدِّفاع عنهم مُقابل ضريبة مالية تُسمّى (الجزيّة)، وهم اليهود والنصارى. وعقد الذِّمة لازم لا يملك المسلمون نقضه، ويبقى الإحسان للمسالمين منهم عنواناً عامّاً وقاعدةً عريضة للتعاطي معهم.
[2]- ص 432-433.
ارسال التعليق