• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإمام الجواد (عليه السلام).. مواعظ نورانية وآداب إلهية

عمار كاظم

الإمام الجواد (عليه السلام).. مواعظ نورانية وآداب إلهية

أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) هم أئمّة الحقّ، وأعلام الدِّين، وألسنة الصدق، والإمام الجواد (عليه السلام) تاسع أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) الذي اضاءت الدنيا بعلمه وبفضائله وکمالاته. كلماتٌ من نور الهداية تبرز أصالة الخلق الإسلامي والوعي الرسالي، تلك هي أحاديث الإمام الجواد (عليه السلام) التي أوصى بها الناس، وحثَّهم على الالتزام بها عملاً وسلوكاً. فمن جملة ما قاله (عليه السلام): «كيف يضيع مَن الله كافلُه، وكيف ينجو مَن الله طالبُه، ومَن انقطع لله وكّله الله إليه، ومَن عمل على غير علم كان ما يُفسد أكثر ممّا يُصلح، مَن أطاع هواه أعطى عدوّه مناه». إنّه (عليه السلام) يتعجّب من تصوّرات بعض النماذج من الناس، فهناك الذي يوحي لنفسه بالضياع والحيرة والتمزق في عملية سقوط أمام احتمالات الحاضر والمستقبل، فيتعجب كيف يضيع وهو المخلوق الذي كفله الله في رزقه وفي كلّ تفاصيل حياته في نطاق النظام الذي أودعه الله في السنن الكونية والتاريخية. إنّ المؤمن لا يشعر بالضياع، بل الكافر هو الذي يشعر بالضياع، لأنّ المؤمن الذي يؤمن بأنّ الكون في رعاية الله لا يفكّر بالضياع. وهناك الذي يهرب من ربِّه ويشعر بأنّه قادر على النجاة منه بفعل ما يملكه من القوّة من خلال الوسائل المتجمّعة عنده، ولكنّه لا يفكّر بأنّ الله المهيمن على الكون كلّه في الحاضر والمستقبل لا يفلت منه أحد ولا ينجو منه مطلوب. وهناك الذي يكل أمره إلى الله وينقطع إليه ويقطع أمله من كلّ مَن عداه، فإنّ الله يكله إليه، فهو حسبه وبه الكفاية وعليه التكلان. وهناك الذي ينطلق إلى العمل من دون تخطيط لخطوطه ومفرداته ومراحله على أساس العلم الذي ينفتح عليه، فإنّه سوف يتعرّض للفساد بفعل حالة التخبط في السير على غير هدى أو كتاب منير، لأنّ الجهل سوف يقود صاحبه إلى ما يفسده وهو يفكّر أنّه يصلحه، فتكون نتائج الفساد عنده أكثر من نتائج الصلاح.

وفي قوله أيضاً (عليه السلام): «لن يستكمل العبد حقيقة الإيمان حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك حتى يؤثر هواه وشهوته على دينه». إنّ على المؤمن أن يعيَ حقيقة دينه في طبيعته من حيث انطلاقه من قاعدة الحقيقة التي تحكم الحياة كلّها والوجود كلّه، ومن حيث أثره في تركيز موقف الإنسان على أرض صلبة لا اهتزاز فيها، ومن حيث نتائجه في النجاة من عذاب الله في يوم القيامة.. وعلى هذا الأساس، فلابدّ له من أن يختار السير على الخطّ الديني في العقيدة وفي الشريعة وفي المنهج وفي الحركة، لأنّه الخطّ المستقيم الذي يحصل به الإنسان على رضا الله والقرب إليه، وأن لا يطيع شهوته في حركة غرائزه في نقاط ضعفها، فإنّ الشهوة لا تخضع لقاعدة ولا تتحرّك في خطة ولا تنسجم مع الاستقامة، بل إنّها تهتز بالإنسان في كلّ مواقعه، ولا تثبت به على أساس متين، وتؤدّي به في النهاية إلى الهلاك الدنيوي والأخروي عندما تتغلّب عليه وتصادر التزامه الديني وتتحرّك به مع الأهواء ليضيع في متاهات الحياة فيسير على غير هدى، أمّا الثابتون على دينهم الذين ينظرون بعين البصيرة إلى عمق الشهوات في نتائجها السلبية، فهم الناجون عند الله، الكاملون في إيمانهم.

وفي قوله (عليه السلام): «إيّاك ومصاحبة الشّرير، فإنّه كالسيف المسلول، يَحسُن منظره ويقبح أثرُه». إنّ مسألة اختيار الصاحب لابدّ أن تخضع لدراسة دقيقة في المواصفات التي يتمتع بها في أخلاقياته الاجتماعية، من حيث إنّه يحبّ الخير أو يتبنى الشرّ، أو أنّه يرتكز على قاعدة الحقّ أو يتحرّك في خطّ الباطل، أو أنّه ينفتح على العدل أو ينطلق في مواقع الظلم، ليختار الخير لا الشرير، والمحق لا المبطل، والعادل لا الظالم، لأنّ للصاحب تأثيراً نفسياً وروحياً وأخلاقياً على صاحبه بفعل العلاقة الحميمة التي تجعله ينجذب إليه فيتأثر به لا شعورياً، لأنّ للعاطفة دورها في المؤثرات الذاتية على الإنسان الآخر الذي يرتبط به الإنسان ارتباطاً وثيقاً.

ارسال التعليق

Top