• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإنسان ذلك المعلوم

عبدالحميد محمّد الدرويش

الإنسان ذلك المعلوم

◄الإنسان ذلك الكائن المعلوم، وليس بالكائن المجهول..

وربما لا يعجب بعضهم هذا الأمر، ويبحثون عن جهالته.. وإليهم تتوجه الأبحاث لتؤكد حقيقة هذا الكائن، وأين يقفون؟ هل هم على مشارف الحقيقة أم ابتعدوا كثيراً في إبحارهم خارج النطاق؟.

والذات ومظاهرها من المشكلات الرئيسة في تاريخ الفكر الفلسفي، التي تحثُّ الفلاسفة منذ القدم لدراستها، والعلماء للبحث فيها وكشف حقائقها، ولعلّ الشعار الفلسفي:

 

اعرف نفسكَ:

الذي رفعه فيلسوف اليونان سقراط (470-399 ق. م) ما زال حتى يومنا هذا مرفوعاً يستحث الفلاسفة والعلماء منذ قبل الميلاد بأكثر من أربعة قرون حتى يومنا هذا.

وحيث إنّنا نرى الذات الإنسانية مكونة من:

(النفس + الروح + الجسد)

والنفس تتمظهر بـ:

·      البناء الجسدي: الموروث عن الآباء والأجداد: Breath.

·      البناء الداخلي: المتمثل بالغرور والصلف Self وهي التسمية المرتبطة بالآثار السلبية كالصلف: Selfsame، Self-same.

وهذا يرتبط بالشخصية الذاتية، وهي التعبير الواضح والصريح الذي يعرّف Privy عن:

الأنا الذي يتعلق بالآخرين، فيقال عنه: أنت Entity.

والاسم الذي يشار به إلى فرد معيّن كشارة وسمة: Charisma ومنه الانتساب إلى أم ad Hominem.

والبروز في الصفات النفسية أو الجسدية: Personality وإن ربطناه بالحسن من الخلق كان ثوباً من الثقة المودعة فيه Subjective.

علماً أنّ علماء النفس يقولون: إنّ الذات معناها نشاطٌ موحد مركّب من الإحساس والتذكر والتصوّر والشعور والتفكير، وهي نواة الشخصية.

وقسمها بعضهم إلى: ذات واقعية وذات مثالية.

فالذات الواقعية هي ذات حقيقية (أو ذات شخصية) تمثل مستوى الاقتدار، في حين أنّ الذات (المثالية) هي ذات تطلعية يؤمل منها أن تكون – أي: تمثل – ما يطمح الفرد أن يكون أو يصبح، أما مفهوم الفرد عن سلوكه الاجتماعي فيمثل الذات (الاجتماعية).

ويركّز علماء النفس الإنساني على بناء الذات عن طريق الخبرات التي تنمو من خلال تفاعل الإنسان مع المحيط الاجتماعي، ويطلقون على العملية الإدراكية في شخصية الإنسان (الذات المدركة) والتي من خلالها تتراكم تلك الخبرات، فيتم بناء الذات ويكوِّنُ الفرد مفهوماً عن ذاته.

ولما كانت الذات هي شعور الفرد بكيانه المستمر وهي كما يدركها وهي الهوية الخاصة به وشخصيته، فإنّ فهم الذات يكون عبارة عن تقييم الفرد لنفسه، أو بتعبيرٍ آخر: هو مجموعة مدركات ومشاعر لدى كلّ فردٍ عن نفسه.

إذاً: بناء الذات يخضع للمعايير السائدة في المجتمع.

فالفرد يؤثّر في الآخرين ويتأثر بهم، وبمقدار هذا التأثر ونوعه تتشكل ذاته.

ترتكز (الذات المثالية) في بناء مكوناتها على المعرفة بأنواعها الثلاثة:

1-  المعرفة الحسية: معارف تتعلق بظواهر الأشياء الخارجية.

2-  المعرفة العقلية: معارف عميقة متعلقة بقوانين الأشياء وخواصّها.

3-  المعرفة الكلامية: معارف بيانية متعلقة بأسماء الأشياء وأسماء الأفعال (المصادر) التي تقع من الأشياء وعليها.

في حين ترتسم ملامح (الذات الشخصية) بسلوك الفرد اليومي والذي هو محاولته المتكررة لتعديل الظروف حتى تتناسب مع مقتضيات حياته.

وتلعب عوامل مختلفة – السيكولوجية، الاجتماعية، الإعلامية – في شرح سلوك (الذات الاجتماعية) ونشاطها الاتصالي.

يرى بعضهم الذات، على أنّها الأساس الذي يتحول بموجبه الفرد إلى فاعلٍ اجتماعي، له ارتباطٌ بالآخرين، إذ من خلال الذات يكوّن الإنسان صورة نفسه، وصورة الآخرين، بوصفها موضوعات أساسية للتفاعل. وإنّ هناك علاقة تبادلية بين الذات والمجتمع.

لهذا: فالذات تشمل العقل والنفس.

فالنفس البشرية، هي بتعبيرٍ آخر: الذات الفاعلة بالتآزر مع العقل البشري، وهي تنشأ عبر عمليات التفاعل، واكتساب الخبرة المتولدة عنه وعن طريق استخدام الرموز واللغة والإشارات والنفس عند بعضهم جزآن:

جزء عفوي مندفع أطلق عليه الأنا.

والجزء الآخر اجتماعي ضميري، ناشئٌ عن القيم والمعايير والتوقعات الاجتماعية أطلق عليه: الذات الاجتماعية.

لهذا: أوضح بعضهم أنّ الأنا لا تخضع دائماً لسيطرةٍ أو ضبط الذات الاجتماعية، بدليل: أنّ الإنسان يخترق القواعد الاجتماعية، ويسلك سلوكاً قد لا يتوقعه الآخرون منه.

إذاً: فالذات هي الفرد عبر علاقاته التبادلية مع الآخرين.

والذات: هي فاعل ومفعول.

فالأنا هي الذات التي تفكر وتعمل، أي: الأنا الفاعل.

أما الأنا المفعول فهي وعي الذات بذاته، كموضوع في العالم الخارجي للأفراد.

والذات يصعب فصلها عن مفهوم الأنا المفعول أو الذات الخارجية.

فالذات الخارجية تنبثق عن الأفعال الكلامية والحوارية، مما يعمل على تطوير الوعي بفكرة الذات.

لهذا: نجدُ أنّ الذات الداخلية إنّما هي استجابة الفرد لاتجاهات الآخرين.

أما الذات الخارجية فهي اتجاهات الآخرين ومواقفهم، كما يفهمها ويتصورها الفرد. إذ تعمل هذه الاتجاهات على تكوين الأنا المفعول. وبالتالي: فإنّ الفرد يتحول عند التفاعل معها إلى أنا داخلية، تنظر برؤية متكاملة داخلية وخارجية تجاه الآخر.

والذات الداخلية هي حصيلة تفاعل بيولوجي واجتماعي.

إذاً: فالذات هي عملية انعكاسية، بين ذات الفرد والعالم الخارجي. وهذا يشيرُ إلى أنّ الذات تقع في عملية تفاعل مع المجتمع، كموضوعٍ متناقضٍ معها، وليس مجرد نتاجٍ لهُ.

وهذا يعني بالضرورة: أنّ الإنسان من الممكن أن يخلق وعياً خاصاً به. يخلق بموجبه نمطه السلوكي، بدلاً من الاستجابة الحتمية للواقع.

المبدأ الأساسي لفلسفة الفعل ينطلق من أنّ الفعل وحدة الوجود إذ تبرز الذوات والعقول ومعرفتنا حول أمور الحقيقة من خلال الفعل التجريبي المباشر، ولا يمكن فصل العقل والذات عن الفعل الاجتماعي.

إنّ الفعل يظهر العملية التفاعلية الاجتماعية من فاعلية العقل والذات والمجتمع، وتكون الذات المبدعة تتويجاً لتلك الفعالية التي تتحقق من خلال الاتصال والتواصل اللغوي بين الأفراد.

مفهوم الذات يتأتّى من خلال فاعليتها  وانبثاقها من الأنا ME ومن ثمّ تسلك طريق تحققها بعلاقتها مع الآخر المعمم، وباتخاذها دور الآخر لتصل إلى درجة تحققها كموضوع.

فالذات عند بعضهم: هي ذات مسيطرة، يتحكم بها عقل مهيمن، ينزع إلى السيطرة، حيث يصبح الفرد مجرد رقم في كتلة عددية.

وعند آخرين: أنّها سيطرة تؤدي إلى سيطرة اللامعقول على العقلانية الشكلية السائدة، بمعنىً آخر: النظرة إلى الآخر على أنّه مصم أو عدو يجب التخلص منه أو إقصائه أو تحجيمه أو عدم الرد عليه، بل عزله أو نفيه إلى الخارج لئلا يفسد القطيع الذي تسيطر عليه تلك الذات المتورمة المهيمنة المسيطرة.

فالفرق بين الذات الفاعلة يكمن في قدرتها على تنظيم الواقع وتشكيل خطٍّ خاصٍّ بها.

وعرّفها آخر فقال: الذات تتولد تلقائياً نتيجة لعلاقة الفرد بالمجتمع، لكن لديها قابلية كبيرة للخلق والإبداع.►

 

المصدر: كتاب رحلة مع الذات

ارسال التعليق

Top