• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التخطيط وعامل الزمن

التخطيط وعامل الزمن

التخطيط من وظائف الإدارة، ويعرّف بأنّه القيام بعمليّات، وإجراءات منطقية لمواجهة موضوع مستقبليّ، وتحقيق أهداف مستقبلية. ويعرّف أيضاً بأنّه إحضار أو تصوّر المستقبل في الحاضر من أجل الوصول إلى الهدف المرسوم بأقلّ جهد، وأقلّ تكاليف، وفي أقلّ مدّة زمنيّة.

وهكذا تجد أنّ عامل الزمن يدخل طرفاً أساسياً في التخطيط. فأنت حينما تزمع رسم خطّة لمشروع معيّن – مهما كان حجمه ونوعه – تواجهك أسئلة من قبل:

متى يتمّ الإعداد للمشروع؟

ومتى يُشرع فيه؟

ومتى يتمّ الإنتهاء منه؟

ولنفترض أنّ ذلك المشروع هو تأليف كتاب، فواجبك أن تحدّد موعد الإعداد للكتاب، وموعد الشّروع في كتابته، وتعيين المدّة التي يستغرقها حتى يكمل على وجه التقدير والتقريب. وبذلك تكون على هدىٍ من أمرك فيما يرتبط بعامل الزّمن وعلاقته بالتخطيط، تتمكن من التحكّم فيه وتنظيمه، أليس كذلك؟

يقول الإمام عليّ (ع):

"التدبير قبل العمل يؤمنك من النّدم".

وتتناول الأحاديث والروايات الشريفة التخطيط بمصطلح الحزم، ومعلوم أنّ له علاقة وطيدة بالزمن والعمل، ويشمل الحزم أموراً منها:

1-  النظر في عواقب الأمور والتدبّر فيها..

2-  استعمال الذكاء والرّويّة..

3-  الإستظهار (الإحتياط، والحذر، والاستعداد، والاستعانة)..

4-  التدبير في العمل..

5-  التفكير قبل العمل..

6-  معرفة الموارد..

7-  الاستيضاح قبل الجزم والقطع..

8-  العزم..

9-  مبادرة الفرص، ومعاجلة ما أمكن منها..

10-                   مشاورة ذوي الخبرة والرّأي والعقل..

11-                   اجتناب الجبن..

12-                   التزام تقوى الله..

13-                   تحمّل المسؤوليّات، وترك ما لا يعني..

14-                   حفظ التجارب..

15-                   طاعة الله ومعصية النفس، وجهادها..

16-                   الوقوف عند الشّبهات..

17-                   عدم الانشغال بالدنيا عن العمل للآخرة..

18-                   حسن اختيار الأخلّاء والأصدقاء..

19-                   تجنّب الاستبداد بالرّأي..

20-                   تجنّب التبذير والإسراف..

21-                   أخذ عامل الزمن بعين الاعتبار..

والحازم يجيد التحكّم في أوقاته، ويعرف كيف يغتنمها ويستثمرها، ويعرف كيف ينظّم أعماله، ومن سماته:

1-  استعمال العقل..

2-  مجاهدة النفس وإصلاحها..

3-  الهمّة في الدِّين..

4-  الجدّ في أمر الآخرة..

5-  الفضل في كلّ فعل..

6-  الصّبر على الحق..

7-  الصّمود على الحق..

8-  كفّ الأذى..

9-  البساطة في المعيشة، والزّهد فيها..

10-                   مداراة الزّمان..

11-                   شكر النّعمة..

12-                   عدم الانشغال بالنّعمة عن العمل للعاقبة..

13-                   الصّبر عند إدبار النّعمة..

14-                   الحلم وكظم الغيظ..

15-                   اغتنام الفرص..

16-                   تعجيل مكافأة الإحسان..

17-                   الجود بما في اليد..

18-                   تجنّب تأخير عمل اليوم إلى الغد..

19-                   ذكر الموت وحسن الاستعداد له..

20-                   توهّم العجز لفرط الاستظهار..

21-                   الصّبر والنّظر في العواقب..

22-                   حفظ التجارب والاستفادة منها..

23-                   تجنّب الطمأنينة قبل الخبرة..

24-                   أصالة الرّاي..

25-                   الحذر..

جدير ذكره أنّ ما تقدّم ذكره من الأمور التي يشملها الحزم هي من سمات الحازم أيضاً، وهي كلّها أساسيّة في تخطيط وتنظيم الأوقات والأعمال..

 

أربع قواعد هامة في تنظيم الأوقات والأعمال:

 

الأولى: "برمجة" الأعمال:

للإنسان – المسؤول الهادف في الحياة – أعمال، وفي كلّ يوم وساعة له أعمال. ويمكن تقسيم تلك الأعمال إلى: ثابتة، وغير ثابتة (طارئة أو استثنائية).

أ‌)       الأعمال الثابتة:

وهي الأعمال الإعتياديّة المحكومة بالعادة، ومنها: العمل المعيشي (الوظيفة أو المهنة أو الحرفة)، والعبادة (كالصّلاة والدّعاء)، وتنمية الكفاءات، وصلة الأرحام، وزيارة الأصدقاء، والتسوّق والترفيه، والرّاحة، والنّوم.

إنّ غالبية النّاس يشتركون في ممارسة العمل المعيشي (الوظيفة)، حيث يمضون فيه قرابة ثلث اليوم (8 ساعات) يوميّاً، مع اختلافهم في نوع الوظيفة أو الحرفة، علماً بأنّ كثيراً منهم يشتركون في نوعها أيضاً. وهكذا الحال بالنسبة لبقية الأعمال الثابتة، فهي موجودة لدى كلّ الناس، بعضها مشترك، وبعضها الآخر يختلف تبعاً لتخصّص الإنسان ومهنته. فصلة الأرحام – مثلاً – عمل يشترك فيه الجميع، أمّا العمل الطبي – مثلاً – فهو من خصوصيّات الطّبيب، والعمل الهندسي هو من خصوصيات المهندس، وهذه الأعمال هي أعمال ثابتة، يوميّة كانت – كالعمل الطبي أو الهندسي أو غير ذلك – أو أسبوعية أو شهريّة – مثلاً – كصلة الأرحام وزيارة الأصدقاء..

ولبرمجة الأعمال الثّابتة فهي بحاجة إلى تنظيم، ومن تنظيمها جدولتها (أي رسم جدول لها) لترشيد الأوقات والتحكّم فيها، وملاحظة وكشف مسبّبات إتلاف الوقت وتضييعه – إن وجدت – ومن ثمّ رفعها..

وقد تكون الجدولة ذهنيّة (أي في الذهن)، لكن الأفضل أن تكون تدوينيّة، وذلك بأن يتناول المرء ورقة وقلماً ويدّون الأعمال الثابتة التي يؤدّيها خلال أربع وعشرين ساعة، ثمّ يقوم برسم جدول لها خلال أسبوع، وهذا قد لا يستغرق منه سوى ربع ساعة من الزمن أو أقلّ..

وقد يقول قائل:

وما الدّاعي إلى جدولة الأعمال، ورسم الجداول؟.

وأليس ذلك مضيعة للوقت؟.

وللإجابة على ذلك:

إنّ جدولة الأعمال تهدف التحكّم في الأوقات وتنظيمها واغتنامها وتحقيق الإنتاج الجيِّد. وهي ليست مضيعة للوقت، على اعتبار أنّ الإنسان لا يحتاج في كلّ يوم إلى جدول أعمالٍ ثابت، إلّا إذا كان رجل أعمال بحيث تكون له أعمال مختلفة في كلّ يوم. وتكون جدولة الأعمال أمراً ملحّاً بالنسبة للإنسان الحريص على أوقاته، المنتج في أعماله، الهادف في حياته. أمّا ذلك الإنسان الذي يقتل الساعات والأيّام والشهور والسنوات بشكل لا أباليّ، فلا يوجد لجدولة الأعمال في قاموسه أيّ معنى..

إنّ أي شخص مكلّف مسؤول يمكن له أن ينظّم أعماله الثابتة ويجدولها. قف مع نفسك: هل أنت طالب؟ هل أنت عامل في شركة أو مؤسّسة خاصة أو حكومية؟ هل أنت طبيب؟ هل أنت مهندس؟ هل أنت مدرّس؟ هل أنت متفرّغ للعمل في سبيل الله؟ هل أنت...؟ مهما كان نوع العمل الذي تمارس، والحرفة التي تزاول – طالما أنّ ذلك في إطار الحقِّ والخير والصلاح والفضيلة – تناول ورقة وقلماً، وارسم جدولاً تبيّن فيه أيّام الأسبوع والأعمال التي تقوم بها بالتفصيل في كلّ يوم (على مدار 24 ساعة)، مع تحديد المدّة الزمنية التي يستغرقها كلّ عمل (من الساعة كذا إلى الساعة كذا)..

وحول جدولة الأوقات والأعمال يجدر ذكر الإيضاحات والملاحظات التالية:

1-  يفضّل للإنسان أن يستيقظ مباشرة مع أذان الفجر، وذلك للتعجيل بالصّلاة من جهة، ولإطالة الفترة الصباحية الخصبة التي تليها من جهة أخرى..

2-  يفضّل للمرء – وخصوصاً إذا كان نومه ثقيلاً – اقتناء ساعة تنبيه للاستيقاظ للصّلاة، وللتنبيه لأي موقت زمنيّ مطلوب. ويستحب له أن يقرأ – بعد الصّلاة – ولو صفحة واحدة – مع التأمّل – من كتاب الله المجيد، وأن يختار دعاءً يقرأه لكلّ يوم، وإن كان دعاء الصباح – المرويّ عن الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) – من أبرز الأدعية التي يستحب قراءتها عند الصّباح..

3-  في الفترة الواقعة من بعد صلاة الفجر إلى ما قبل الخروج للعمل، يفضّل للإنسان أن يستمع إلى نشرة خبريّة إذاعية، ذالت موقت مناسب، ونوعية مناسبة باعتبار أهميّة معرفة الأحداث والعصر بالنسبة للإنسان. ويفضّل الاستماع لنشرتين أو ثلاث نشرات خبرية في اليوم، واحدة في الصّباح، وأخرى في وسط النّهار، وثالثة ليلاً، فإن لم يتمكن من الوسطى اكتفى بالاثنتين الأخيرتين، فإن لم يتمكن منهما اكتفى بواحدة كحدّ أدنى. ويمكن الاستعانة بالصّحف اليومية لمعرفة الأحداث والأخبار..

4-  المداولة على الرياضة الصباحية ولو بالحدّ الأدنى (عشر دقائق)..

5-  إنّ الفقرة الصباحية المخصصة لتنمية الكفاءات هي من أخصب فترات اليوم، وتعتمد على تخصّص الإنسان وتوعية عمله، فقد تستغل في القراءة التخصّصية، أو الكتابة التخصّصية، أو غير ذلك..

6-  مع أنّه من المستحب للإنسان الإطالة على مائدة الأكل، إلّا أنّه حريّ به أن يجعل مدة إفطاره – وهكذا مدة غدائه وعشائه – محدّدة، وأن لا يجعلها مفتوحة، لكي لا تضيع عليه الأوقات. ومن الظواهر السلبية جعل مدّة الوجبة الغذائية مفتوحة.

7-  للتهيّؤ لموعد الخروج من أجل العمل الوظيفي (الوظيفة)، اعمل على أن تتحكّم في وقتك، بحيث لا يحين موعد الخروج إلّا وأنت فارغ من كلّ شيء، لكي لا تتأخّر عن موعد بدء عملك..

8-  في ساعات عملك اجعل الانتاج دينك وطريقتك، وإذا كان عملك يتيح لك فرصاً في تنمية كفاءاتك – كالقراءة وغيرها – فلا تستنكف من اغتنامها..

9-  حينما تعود من عملك أنت بحاجة إلى قسط من الرّاحة، وهذه قد تكون بالنّوم إن كان الوقت ملائماً، وقد تكون بالاسترخاء، بأن تتمدّد وتبسط جميع عضلات جسمك، وقد تشرك ذلك بمشاهدة بعض البرامج التليفزيونية النافعة..

10-                   لاشكّ أنّ لأهلك وأولادك عليك حقاً، وفي الفترة المخصّصة لذلك حريّ بك أن تتحدّث إلى أهلك في الموضوعات التي تهمك وتهمها، وأن تربي أطفالك، وتلاعبهم، وتقضي معهم وقتاً سعيداً. ويمكنك – إذا كان لك أطفال – أن تتصابى معهم، وتوارد لهم القصص النافعة والمسلّية، وأن تعلّمهم ما يحتاجونه، وبإمكانك أن تنتهز كلّ فرصة مناسبة لذلك..

11-                   يفضل للمرء أن يصلّي في المسجد، وتستحب الصّلاة جماعة. أما بالنسبة لوجبة العشاء فتجعل خفيفة وغير مشبّعة بالدّهون (قليلة الدّهنيات)..

12-                   خليق بالمرء أن يغتنم أيّ فرصة سانحة تمكنه من تنمية كفاءاته، خلال يومه وليلته..

13-                   يمكن للمرء استعمال قاعدة "نم مبكّراً واستيقظ مبكّراً". ويمكنه خفض ساعات نومه إلى سبع أو ستّ ساعات، وخصوصاً في فصول الصيف والخريف والرّبيع، أما في فصل الشتاء فيفضل أن لا تزيد ساعات النّوم عن ثمان ساعات، إلّا إذا كانت حالة الشخص تتطلب أكثر من ذلك..

14-                   تتضمن الجدولة كلّ الأعمال التي يمارسها المرء خلال اليوم والليلة، بما في ذلك النّوم، والرّاحة، والترفيه، وأوقات الصلاة، والوجبات، وهناك من الأعمال ما قد يمارسها المرء في الأسبوع مرّة واحدة أو أكثر، كالتسوّق بهدف شراء مستلزمات المنزل..

15-                   اعمل على أن تحصر فكرك في العمل الذي تقوم به، وأن تركّز فيه، لتجنّب حدوث ازدحام ذهني، أو تشتّت، أو قلق، أو تردّد في أداء الأعمال..

16-                   بالنسبة ليوم الإجازة – وهو يوم الجمعة غالباً في البلاد الإسلامية – يمكن للمرء أن ينوّع طريقة استغلاله واستثماره له. ومن الطرق ما يلي:

أ‌)       أن يبقى في المنزل ويقسمه بين تنمية الكفاءاتُ، والاستراحة، والترفيه، والاهتمام بالأهل والأولاد إذا كان متزوجاً..

ب‌) أن يخصّص قسماً منه لصلة الأرحام أو زيارة الأصدقاء..

ت‌) أن يخصص قسماً منه للترفيه خارج المنزل..

ث‌) دعوة الأقرباء أو الأصدقاء إلى الطعام..

17-                   إنّ جدولة الأعمال لا تتنافى، والمرونة، شريطة أن لا تتحوّل المرونة إلى حالة تسيّب وتضييع للأوقات. ومن فوائد المرونة أنّها تخفّف على المرء ضغط الالتزام الدّقيق بأوقات جدول الأعمال، وتخفيف ما يُدعى بـ"الرّوتين"..

وكما أنّ جدولة الأعمال تفيد المرء في التحكم في أوقاته وتنظيمها وترشيدها في الظروف العادية، كذلك تفيده أيضاً في الظروف الطارئة، بل ربّما تبدو الجدولة مطلوبة أكثر في مثل هذه الظروف، لتغير المكان والعادة والأجواء. ومن الظروف الطارئة السّفر لمن ليس شغله السّفر، وفيه يلزم للمرء أن يضبط نفسه، وأن يستعمل عقله، وأن يتكيّف مع الظرف، ويحسن تنظيم واستثمار أوقاته، ويفضّل أن يجدول أعماله، وجدولتها أمر في غاية البساطة والسهولة..

وبكلمة: إنّ جدولة الأعمال – مهما كانت الظروف – خليق أن تصبح عادة وطبعاً في المرء.

ب‌) الأعمال غير الثّابتة:

إضافة إلى الأعمال الثّابتة، للإنسان أعمال أخرى طارئة أو استثنائية، قد تكون يوميّة، أو أسبوعيّة، أو شهرية يفضّل للمرء تدوين الأعمال الطارئة في ورقة أو مفكّرة صغيرة، وترتيبها حسب قاعدة الأهمّ فالمهم، ثمّ القيام بها. وتبرز أهميّة التدوين في حالة كثرة الأعمال الطارئة وتشعبها، وصعوبة حفظها وترتيبها في الذّهن، إذ الأعمال الكثيرة قد يصعب حفظها، ومن المحتمل أن يُنسى بعضها..

 

الثانية: لا تؤجل عمل اليوم إلى غد:

يقول الإمام عليّ (ع): الحازم من جاد بما في يده، ولا يؤخّر عمل يومه إلى غده".

روى الدكتور "وليم سادلر" – أحد كبار الأطبّاء النفسانيّين – أنّ مدير إحدى المؤسّسات الكبيرة بشيكاغو جاء في عيادته يومياً يشكو التعب والإجهاد. وبينما هو يروي له قصّته، دقّ جرس الهاتف، وإذا بمدير المستشفى الذي يعمل فيه الدّكتور يطلب منه موافاته بتقرير عن مسألة معنيّة، فسارع إلى كتابة التقرير وأرسله لساعته..

ثمّ عاد يستمع لقصّة زائره، ولكن جرس الهاتف دقّ مرّة أخرى، وكان هناك طلب عاجل أيضاً، فبادر إلى تنفيذه. وما كاد يفعل حتى جاء زميل له يستشيره في أمر مريض في حالة خطرة، فأدلى إليه بالمشورة المطلوبة، ثمّ أقبل على زائره – مدير الأعمال – معتذراً عن تأخيره، وشدّ ما كان عجبه حين ردّ عليه هذا قائلاً:

"لا داعي للإعتذار. إنّ الدقائق التي قضيتها الآن هنا، جعلتني ألمس مصدر علّتي، وقد تعلّمت منك عمليّاً كيف أعالجها بأن أنجز مثلك كلّ ما أستطيع إنجازه من الأعمال، دون أن أؤجّله ساعة أخرى.

أجل، إنّ من أهمّ القواعد في تنظيم الأعمال واستثمار الأوقات، القيام بأعمال اليوم في اليوم نفسه دون تأجيلها إلى الغد أو المستقبل، وأنّ من أبرز عوامل تراكم وتعطيل الأعمال، وإتلاف الأوقات، والإصابة بالتعب والاجهاد والهم، تأجيل اليوم إلى الغد.

صحيح أنّ هناك أعمالاً لا يقام بها الّا عندما يحين وقتها، ولكن أليس لكلّ يوم أعماله الخاصّة به؟

إنّ القيام بالأعمال في وقتها وعدم تأجيلها تضفي على الإنسان راحة وسعادة إضافة إلى إنجازها، بخلاف تأجيلها إذ لا يضفي على الإنسان سوى الإجهاد والتعب النفسي والجسمي، مضافاً إلى توقّف الأعمال وضياع الأوقات والفرص. وفي قصّة رجل الأعمال – المتقدّمة – دليل على ذلك.

إنّ التقصير في العمل يعني – من جملة ما يعنيه – أمران: التّقصير في القيام بالعمل وأدائه، أي التقصير في الكيف والكمّ، والأمر الآخر وضع العمل في قائمة التأجيل.

ومن صور تأجيل الأعمال – دنيويّة كانت أو أخرويّة – التسويف، بأن يقول المرء: سوف أقوم بالعمل الكذائي، ويتركه أو يجعله في قائمة التنفيذ بالمصادفة، فتتراكم الأعمال، وتضيع منه الأوقات وتجري عنه الفرص..

يقول الإمام عليّ (ع):

"كلّ معاجلٍ يسألُ الإنظار، وكلّ مؤجَّلٍ يتعلّل بالتّسويف".

ويعود تأجيل الأعمال – ومنها تأجيل أعمال اليوم إلى الغد – إلى أسباب منها:

1-  فقدان تنظيم الأعمال..

2-  الخلود إلى الراحة تفضيلاً على أداء الأعمال.

3-  الإزدحام الذهني بالأعمال لدرجة لا يُدري معها أيّ عمل يُقام به.

4-  الاستهانة بالعمل وقيمته.

5-  عدم التغلّب على حاجز – البدء في العمل.

6-  استصعاب الأعمال لدرجة التّرك والتعطيل.

7-  الإنخداع في أداء الأعمال، والإعجاب بالنفس.

8-  الاعتماد على الآخرين في القيام بالأعمال وتنفيذها.

9-  الانخداع بالوقت، كأن يتصور المرء أن لديه متّسع من الوقت ليقوم بالعمل.

10-                   الكسل.

تأجيل الأعمال هو صورة من صور التّقصير فيها، أو ما يؤدّي إلى ذلك الأمر الذي يتسبب في همّ الإنسان واجهاده.

يقول الإمام عليّ (ع): "من قصّر في العمل ابتُلي بالهمّ".

فلكي تنظّم أعمالك وأوقاتك لا تنس هذه القاعدة الهامّة: أنجز كلّ عملٍ حان موقت القيام به ولا تؤجّل عمل يومك إلى غدك، ولا عمل ساعتك إلى ساعة أخرى، إلّا لضرورة أو اضطرار..

 

الثالثة: الأهم فالمهم:

يقول الإمام عليّ (ع): "من اشتغل بغير المهمّ ضيّع الأهمّ".

تُدعى هذه القاعدة أيضاً بـ"قاعدة سلّم الأولويّات"، إذ الأعمال في الحياة ليست كلّها على درجة واحدة من الضرورة أو الوجوب. أو الأهمية. فهناك عمل أكثر ضرورة، وهناك عمل ضروري، وهناك عمل أقل من ضروري، أو عاديّ. وبالنسبة للأهمية هناك أهمّ، ومهمّ، وعاديّ. وبالنسبة للأهمية هناك أهمّ، ومهمّ، وعادي الأهمية. وما بين كلّ مستويين من الأعمال هناك – أيضاً درجات.

وبمراعاة قاعدة سلّم الأولويات يتمكّن المرء من التحكّم في أوقاته، وتنظيم أعماله وأدائها بحكمة ونجاح. بينما الخطأ أن تجد قسماً من الناس لا يجيد فنّ استعمال هذه القاعدة، فتراه ينشغل بأعمال أقلّ أهميّة، ويترك الأعمال الضرورية والأكثر أهمية، فتصاب أعماله بالارتباك وربّما بالشّلل والعطل.

والأمثلة على ذلك كثيرة جدّاً، منها:

-         أن ينشغل المرء بأداء المستحبّات على حساب الواجبات، كأن يسهر الليل راكعاً ساجداً لله، فيتعب، وينام وتفوته صلاة الفجر الواجبة.

-         أن يقدّم إخماد النّار على انتشال المصاب من وسطها.

-         أن ينشغل بالأوراق الفرعيّة على مكتبه، وينسى أعماله الأكثر أهميّة.

-         أن يهتم بـ"ديكور" الأشياء على حساب جوهرها.

-         أن ينشغل بـ"التكتيكات" وينسى "الاستراتيجية".

يقول الإمام عليّ (ع):

"لا قربة بالنوافل إذا أضرّت بالفرائض".

ويقول (ع):

"إذا أضرّت النوافل بالفرائض فاتركوها". أي فاتركوا النوافل.

وكمثال على تقديم المهمّ على الأهمّ قصّة ذلك الذي آثر زيارة قبر الرسول الأعظم (ص) على تمريض وإيناس صاحبه المريض، فماذا كانت قصّتهما؟.

ورد في حديث أنّ رجلين ذهبا إلى الحجّ. وفي المدينة المنوّرة تمرّض أحدهما، وكان يؤنسه صاحبه، فأراد صاحبه أن يذهب إلى زيارة قبر رسول الله (ص)، حيث كانت مدّة بقائهم في المدينة قليلة، وقد شدّوا رحالهم من أماكن بعيدة، والرجل مشتاق لزيارة قبر الرسول. فقال له المريض: لا تذهب فإني أؤنس بك، فإذا ذهبت إلى الزيارة أبقى وحدي. لكنّ الرجل أبى، وقال: إنّ أجر زيارة الرسول عظيم وعظيم، فلا أترك الزيارة، وسوف أرجع إليك عن قريب..

ثمّ ذهبت إلى الزيارة، وبعد مدّة ذهب لزيارة الإمام الصادق (ع)، ونقل له القصة، فقال له الإمام الصادق (ع): بقاؤك مع صديقك تمرضه ويؤنس بك، أفضل عند الله – سبحانه وتعالى – من زيارتك لقبر رسول الله (ص)، مع أنّ ثواب زيارة الرسول عظيم وكبير.

فلكي تحسن التحكم في أوقاتك، والتنظيم لأعمالك، خليق بك أن تلتزم قاعدة سُلّم الأولويّات..

 

الرابعة: اختيار الوقت المناسب.. وما هو الوقت المناسب؟

سُئل أحد المشاهير قبيل وفاته:

ماذا يحتاج المرء لكي يشقّ طريقه في الحياة؟ أيحتاج إلى العقل، أم الطاقة، أم التربية والعلم؟.

فهزّ رأسه، وقال: كلّ هذه الأمور تساعد. ولكن ثمّة شيء اعتبره أهمّ منها جميعاً، وهو معرفة الوقت المناسب!

وما هو الوقت المناسب؟

الوقت المناسب للقيام بعمل ما، أو لعدم القيام به. الوقت المناسب للكلام، أو للصمت. فعلى المسرح، التوقيت هو العامل الأكثر أهميّة، كما يعرف كلّ ممثّل. وأنا أعتقد أنّ ذلك هو مفتاح الحياة أيضاً. فإذا كنت تتقن فنّ معرفة الوقت المناسب في زواجك، وفي عملك، وفي علاقاتك مع الآخرين، فإنّك لن تحتاج إلى السعي وراء السعادة والنّجاح، ذلك أنّهما سيجتازان بابك من تلقائهما..

وقد كان الرجل على صواب وحقّ. فإذا استطعت أن تغتنم اللحظة المناسبة حينما تسنح، وأن تتصرّف قبل انقضائها، تتيسّر أمامك قضايا الحياة. وأولئك الذين يحالفهم الفشل باستمرار، يحزّ في نفوسهم – غالباً – ما يبدو لهم من أنّ العالم يقف منهم موقف المعادي. إلّا أنّ ما يفوتهم هو أنّهم لا يعلمون أنّهم يبذلون الجهد المناسب دائماً، ولكن ليس في الوقت المناسب!.

يقول أحد قضاة محاكم الزّواج في أميركا: حبّذا لو يعلم المتزوّجون أنّ هناك فترات تكون فيها حساسيتهم على أشدّها، فلا يتساهلون بأي هفوة أو نقد أو حتى بأي نصيحة! ولو أنّ الزوجين يدرس أحدهما الآخر دراسة دقيقة، بحيث يعلم متى ينبغي الشكوى، ومتى يحمل إظهار المحبّة والرقة، لانخفض معدّل حوادث الطّلاق إلى النصف بلا أدنى ريب..

إنّ التصرّف اللائق والسلوك الرائق ليسا – غالباً سوى توقيت مناسب. هل ثمّة أشدّ إزعاجاً من زيارة شخص لك في وقت غير مناسب، أو مقاطعتك وأنت تتحدّث، أو تروي قصّة أو نادرة؟! ومن منّا مَن لم يعانِ من ثقيل مطيل لم يتزحزح من مكانه، فإذا بزيارته تبدو كأنّها مؤبّدة؟!.

إنّ التوقيت قد لا يكون هبة طبيعية تولد مع المرء، كالأذن الموسيقيّة التي يتمتع بها البعض، إلّا أنّه مهارة يمكن أن يكتسبها كلّ من يهتم ببذل جهد في هذا السبيل. ولكي تتقن في التوقيت الصحيح من أجل التحكم في أوقاتك وتنظيم أعمالك، وتقويم سلوكك، عليك بأن تقوم بالمتطلّبات الخمسة التالية:

أوّلاً: اذكر دائماً أنّ التوقيت الصحيح أمر حاسم في الشؤون البشرية. وما أن تعي الأهمية الكاملة لـ"معرفة الوقت المناسب" حتى تكون قد خطوت أوّل خطوة نحو اكتساب القدرة على الإفادة منه.

ثانياً: اعقد تعاهداً مع نفسك (تعاهداً ستنقضه في بعض الأحيان بلا ترديد) يقضي بألّا تتكلّم أو تقوم بأيّ عمل وأنت فريسة ثورات الغضب، أو الخوف، أو الأذى، أو الحسد، أو الحقد... فإنّ هذه المشاعر كفيلة بأن تدمّر أداة التوقيت مهما تكن متقنة الصّنع. ففي أحد الاجتماعات العامّة – مرة – ساد الصّخب، ففقدت رباطة جأشي، وتلفّظت ببعض الكلام القارص السّاخر، وقد سقط الإقتراح الذي كنت أؤيّده. وكان والدي حاضراً الاجتماع، فلم ينبس ببنت شفة. ولكن عندما أويت إلى فراشي، قرأت على قصاصة ورق وُضعت فوق وسادتي هذه العبارة البالغة الدلالة لأرسطو: "كلّ امرىء يمكنه أن يغضب، إنّ ذلك أمر في غاية السهولة. ولكن أن يكون غاضباً على الشخص المناسب، وإلى الدرجة المناسبة، وفي الوقت المناسب، وللغاية المناسبة، وبالطريقة المناسبة، فذلك ليس في إمكانية كلّ واحد، وليس سهلاً".

ثالثاً: اشحذ قوى التحسب واستباق الأمور التي تتمتّع بها، فالمستقبل ليس كتاباً مغلقاً، فالكثير مما سيحدث يحدّده ما يحدث الآن. ومع ذلك فإنّ قليلين – نسبيّاً – يبذلون جهداً واعياً للامتداد إلى ما يتجاوزهم، فيزنون الاحتمالات الممكنة، ويتصرّفون على هذا الأساس..

إنّ هذه النظرة إلى المستقبل من الأهمية بمكان كبير في حقل التجارة والأعمال، بحيث أنّ العديد من المؤسسات والشركات تجعل منها شرطاً للتقدّم في الوظيفة..

هل يكون الجمعة القادم مناسباً لقضائه في رحلة بحرية ممتعة؟ يحسن بنا أن نجهّز بعض المأكولات والمرطّبات، فلعلّنا نقدم على تلك الرحلة..

هل بدأت صحة حماتك الأرملة بالتدهور؟ يستحسن أن تواجه إمكانية انتقالها إلى الإقامة تحت سقف بيتك، أو إلى أحد المستوصفات أو المصحّات..

إنّ فنّ التوقيت الصحيح ينطوي على معرفة الوقت الذي يزيل عمل ما – الآن – متاعب ستحدث في المستقبل، أو يوفّر فوائد عتيدة.

رابعاً: تعلّم الصبر. ليس هناك ثمّة مبدأ سهل لإكتساب الصبر. إنّه مزيج ممتاز من الحكمة وضبط النفس، إلّا أنّ على المرء أن يعرف أنّ عملاً واحداً يؤتى قبل أوانه يمكن أن يُفسد كلّ شيء.

خامساً: معرفة كيف تخرج من نفسك وتتجاوزها، وهذا آخر المتطلّبات وأصعبها وأخطرها. إنّ كلّ لحظة يتشاطرها كلّ مخلوق حيّ، سوى أنّ كلّ شخص يراها من وجهة نظر مختلفة. ومعرفة الوقت المناسب تعني معرفة كيف يبدو ذلك للآخرين.

والآن فلكي تُحسن تنظيم أوقاتك وأعمالك واستثمارها، خليق بك العمل بالقواعد الأربع المذكورة، وهي:

1-  برمجة الأعمال وجدولتها..

2-  اجتناب تأجيل عمل اليوم إلى الغد..

3-  اعتبار الأولويّة في الأعمال (الأهمّ فالمهم)..

4-  اختيار الوقت المناسب.

 

المصدر: كيف تستثمر أوقاتك؟ (دليلك في تنظيم الوقت وإغتنامه واستثماره) رضا علوي

ارسال التعليق

Top