الإنسان لابدّ له أن يكون حراً في كافة شؤونه الحياتية، وأن لا يقف أي سد أو عائق في وجه تقدمه وحركته. فالحرّية الفكرية من أكثر المواهب قدسية عند الإنسان والتي يحتاج إليها حاجة ماسة، فالفكر هو من أهم عناصر الإنسان التي لابدّ من تربيتها، ولابدّ من وجود الحرّية الفكرية عند الإنسان لأنّ التربية الفكرية بحاجة إلى حرّية، أي إلى عدم وجود عوائق ومعرقلات تعرقل التفكير. وتُطرح اليوم في عالمنا المعاصر قضية بالغة الأهمية باسم «حرّية العقيدة»، والعقيدة هنا عامّة بما فيها العقيدة الاجتماعية، والسياسية، والدينية. هذا يعني أنّ المطمح الإنساني الكبير هو ظهور عالم حرّ يُتاح فيه لكلّ أحد التعبير عن عقيدته ورأيه بحرّية، ولكلّ أحد الحقّ في انتخاب العقيدة التي تروق له، والتعبير عنها بحرّية، ولابدّ في عالم كهذا أن يزول الخوف، والفقر، ويستتب الأمن بشكل كامل، ويعم الرخاء الاقتصادي.. فلابدّ لكلّ أحد من التمتع بحقّ حرّية العقيدة والبيان، ويشمل هذا الحقّ عدم شعوره بالخوف والاضطراب لما لديه من عقائد. وأن يكون حرّاً في اكتساب المعلومات والأفكار ونشرها بكافة الوسائل الممكنة وبدون أيّة اعتبارات حدودية.
الحرّية الفكرية نابعة عن الموهبة الإنسانية التي تتيح له التفكير في القضايا، ولابدّ أن تكون هذه الموهبة حرّة باستمرار لأنّ التطوُّر والتكامل الإنساني رهين بها. فالفكر منطق، والإنسان لديه قوّة باسم قوة التفكير، وبإمكانه أن يحسب ويختار في القضايا على أساس الفكر والمنطق والاستدلال.
وبما أنّ الإنسان موجود عاقل ومفكِّر، لهذا يتميز بالقابلية على التفكير في القضايا، مما يتيح له اكتشاف الحقائق إلى حد ما وبما تسمح له به طاقاته، مهما كان نوع ذلك التفكير، سواء كان تفكيراً استدلالياً واستنتاجياً وعقلياً أو تفكيراً تجريبياً. فالله قد وهب الإنسان مثل هذه القوّة، ومنحه العقل كي يفكر به ويكتشف المجهولات، لأنّه يرد على هذا العالم جاهلاً: (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا) (النحل/ 78).
فالإنسان يطلّ جاهلاً على الدنيا ولابدّ له أن يعلم. فكيف يعلم؟ يجب أن يعلم عن طريق التفكير والدراسة، والتفكير هو أن يفكّر الإنسان في كلّ قضية بما لديه من استعداد وموهبة ويصل إلى النتيجة عن طريق علمي، وهل بإمكان الإسلام أو أية قوّة أخرى أن تقول بأنّ الإنسان لا حقّ له في التفكير؟ كلا، فالتفكير عمل ضروري لا غنى عنه، ولابدّ للبشرية منه. والإسلام ليس قد منح حرّية التفكير فحسب وإنّما عدّها كإحدى الواجبات، وإحدى العبادات.
القرآن الكريم يحثّ على التفكير وباستمرار وفي كافة المجالات: في التاريخ، والخلقة، والخالق، والأنبياء، والنبوّة، والمعاد، وتعاليم الأنبياء. وهو يحفل بالحث على التفكير في مثل هذه القضايا. وقد عدَّ الإسلام التفكير عبادة. وهناك العديد من الأحاديث التي تدور حول هذا المضمون: «تفكّر ساعة خير من عبادة سنة»، و«تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة» و«تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة». وهذا التغيير في التعابير وكما ذهب إلى ذلك الكثير من العلماء يعود إلى الاختلاف في نوع التفكير وموضوعه. فهناك تفكير يقود الإنسان لما يعادل عاماً من العبادة، وهناك تفكير آخر يقوده لما يعادل ستين عاماً من العبادة وآخر لما يعادل سبعين عاماً. وقد ورد في الأحاديث: «كان أكثر عبادة أبي ذر، التفكُّر».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق