• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحجّ موسم شامل لجميع العبادات

عمار كاظم

الحجّ موسم شامل لجميع العبادات

لله سبحانه وتعالى نفحات، ينعم بها على عباده، ومواسم خير يحبّ الله سبحانه أن يرى من عباده فيها حُسن الطاعة، وما يكاد ينتهي موسم حتى نستقبل موسماً خيراً منه، وها نحن نستقبل شهور الحجّ، والتي فيها العشر من ذي الحجة، وهي خير أيام السنة، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما من أيام العمل الصالح فيهنّ أحبّ إلى الله من هذه الأيام العشر..»، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «ولا الجهاد في سبيل الله، إلّا رجل خرج بنفسه وما له فلم يرجع من ذلك بشيء».

ويرجع سبب تفضيل عشر ذي الحجة عن بقية أيام السنة لاجتماع أُمّهات العبادة فيها من صلاة، وصيام، وصدقة، والحجّ الذي لا يأتي مجتمعاً مع غيره من العبادات إلّا في العشر من ذي الحجة، وبها يوم عرفة الذي يباهي الله سبحانه وتعالى ملائكته باجتماع عباده للتضرع إليه بالدُّعاء، وهو خير يوم يدعو فيه العباد ربّهم سبحانه وتعالى، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير الدُّعاء دعاء يوم عرفة»، وهو اليوم الذي يتكرّم الله فيه على عباده، فيستجيب لهم ويشهد ملائكته بالغفران لمن بذل وتضرّع في هذا اليوم، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما من يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة».

فعلينا أن نحسن استقبال هذه الأيام المباركة بالتوبة الصادقة، والعزم على اغتنامها، بكلّ سُبُل الطاعة المتاحة حتى نجني الخير الكثير إن شاء الله. وما أجمل أن نتفكر في مناسك الحجّ لنأخذ منها دروساً وعِبراً في تطويع النفس، على طاعة الله سبحانه، حتى ولو لم نكن من الذين أنعم الله عليهم بزيارة بيته الحرام هذا العام، ومع هذا نستطيع أن ننهل من مدلولات الحجّ، وأسراره، ما يغيرنا إلى الأفضل.. فالعبادات المفروضة علينا هي نفسها التي فُرضت على صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن تأثيرها عليهم أعظم من تأثرنا نحن بها؛ لأنّهم أدركوا وفقهوا الحكمة وسرّ كلّ عبادة، فبرغم الانتهاء من العبادة أو النسك، إلّا أنّهم يحيون ويتحرّكون بأثره عليهم في فكرهم ومعاملاتهم، وهذا ما لا نحسنه نحن، وكأنّ أثر العبادة ينتهي منّا بمجرد انتهائنا من أدائها، ونعود من العمرة والحجّ بآثار مادّية، من حلق رأس أو تقصير، أكثر منها آثار على الروح والخلق، ولهذا لم نسجل في صفحات تاريخنا مجداً يذكر في شهورنا وسنواتنا، كما مُلئت نفس الشهور بأحداث مشرقة وبطولات مجيدة، حفرت في صفحات تاريخ صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

إنّ الله عزّوجلّ قد فرض على عباده فرائض عدّة، بعضها بدني كالصلاة والصوم، وبعضها مالي كالخُمس والزكاة، وجمعهما معاً في فريضة الحجّ فكان مشتملاً على الواجبات المالية كبذل الهدي. وعلى الواجبات البدنية كالطواف والسعي. وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على عِظم هذه الفريضة وأهميّتها عند الباري عزّوجلّ. وممّا يمتاز به الحجّ أيضاً أنّه عبارة عن زيارة لله عزّوجلّ، بذهاب الحاجّ والناسك إلى بيت الله تعالى زائراً له، وعبّر عنه في الروايات بضيف الله، وهذا شرف عظيم لمن تفكّر وفكّر في ذلك، وهذا بدوره يزيد في أهميّة الحجّ ومنزلته.

ومن جهة ثالثة يمتاز الحجّ بأنّه مقسوم، فإنّ الله تعالى يتولى تقديره، فمن كَتَبَ له الحجّ وُفِق إليه وإلّا فلا، فهو كالرزق المقسوم، وقد ورد أنّه يقدر وفد الحجيج في ليلة القدر؛ وهذا يعني أنّ امتثال هذه الفريضة لا يكون إلّا بعد قضاء الله بذلك، وتوفيقه تعالى له وهذا شرف آخر للحاجّ عليه أن يلتفت إليه ليكون شكوراً لله على هذه النِّعمة ولا يكون كفوراً. ومن آثار الحجّ، أنّه يغفر الذنوب جميعاً، بل هناك ذنوب مستعصية قد لا تُغفر في غير الحجّ، ولذا ورد أنّ من الذنوب ما لا يغفر إلّا «بعرفات» وإنّما سُمّي «عرفات بعرفات» لأنّه يعترف فيه بالذنب، فهو محل غفرانها ومحوها بإذن الله تعالى، وفي الخبر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنّه قال: «فإذا وقفت بعرفات إلى غروب الشمس فلو كان عليك من الذنوب قدر رمل عالج وزبد البحر لغفرها الله لك». وبالمراد بالرمل العالج الجبال المتواصلة، المحيطة بأكثر أرض العرب.

ارسال التعليق

Top