• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الخُلق.. مقياس الإيمان

عمار كاظم

الخُلق.. مقياس الإيمان

إنّ الإسلام لا يكون إسلاماً حقيقياً حتى تمتلىء به النفس، فيكون كلّ ما يصدر عنها إنّما هو قبس من نوره الوضّاء، وفيض من ينابيعه الصافية. مثله في ذلك مثل الطعام بالنسبة للأجسام. فهو يتفاعل داخل الجسم، ويتحوّل إلى قوى وطاقات ونشاط يظهر أثره، ويبرز للعيان. وجملة التعاليم الإسلامية تستهدف تحقيق الخلق العالي، والأدب الرفيع، وإشاعة الرحمة والبرّ والإحسان. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّما بعثت لأُتمم مكارم الأخلاق». ومن أجل هذا المعنى نجد الارتباط الوثيق بين عقيدة الإسلام وتشريعاته، وبين هذا المعنى. فكلّها وسائل لصقل النفس، وتهذيبها، وإقامتها على الصراط السوي. فالعقيدة من إيمان بالله وتقديس له؛ من شأنها أن توقظ حواس الخير، وتربي مَلَكة المراقبة، وتبعث على طلب معالي الأُمور وأشرافها، وتنأى بالإنسان السيئ من الأعمال. والله سبحانه هو الكمال المطلق، والرحمة الواسعة؛ ولا يدخل في حظيرة قدسه إلّا مَن تخلّق بأخلاقه واتصف بصفاته. وفي الأثر: «تخلّقوا بأخلاق الله». وجميع العبادات، والمعاملات، وكلّ أوامر الله ونواهيه إنّما تتّجه هذا الاتجاه، وتدور في هذا الفلك. (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد/ 25). فالآية تقرر أنّ الغاية من إنزال الكُتُب، وإرسال الرُّسل إقامة الحقّ والعدل في الأرض.

ولا يدع الإسلام أي ناحية من نواحي الخُلق الحسن إلّا ويدعو إليها بقوّة، ويحثّ عليها في حماسة. ومقياس الإيمان.. الخُلق: يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم». وقد يجهد المرء نفسه في عبادة يستمد منها دوام الثواب بحيث لا ينقطع في ليل ولا في نهار، فيديم صيام النهار فلا يفطر. وقيام الليل فلا يفتر. ولاريبَ في أنّ المواظبة على هذا، والمثابرة عليه من عمل الصدِّيقين، وليس كلّ إنسان بقادر عليه ولا مستطيع له. ولكنّ الإسلام يفتح باب هذا الخير من طريق الخُلق. فيقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ المؤمن ليدرك بحُسن خُلقه درجة الصائم القائم». وتفاضل الناس واقتسامهم المنازل والدرجات عند الله بحسب الحالة الخلقية التي وصلوا إليها. وإنّما يثقل ميزان الفرد أو يخف حسب قيمته الخلقية؛ يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حُسن الخلق، وإنّ الله يبغض الفاحش البذيء».

والخُلق إنّما يصدر عن نفس سمحة، وضمير حي. فكما يبدو حسنه في الأمر الكبير يتجلى كذلك في الأمر الذي يبدو وكأنّه لا شأن له. فالإحسان إلى المُسيء خُلق حسن، والابتسامة في وجه الصديق خُلق حسن كذلك. وإنّ النفس الفاضلة التي تنطلق على سجيتها. لا تفرّق بين هذا ولا بين ذلك. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تحقّرن من المعروف شيئاً ولو أنّ تلقى أخاك بوجه طليق». ونار الله الموقدة التي هي شديدة الأوار، والتي وقودها الناس والحجارة إنّما يطفئها نصف تمرة، أو كلمة طيِّبة. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيِّبة». وغفران الله يحيط بالمذنب إذا تفجر في قلبه نبع البرّ والرحمة. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله كتبَ الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَةِ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة، وليحُدّ أحدُكُم شفرته، وليرح ذبيحته». وإدخال السرور على الناس، والاهتمام بضروراتهم من أقرب القربات. سُئِل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أفضل الأعمال فقال: «إدخال السرور على المؤمن. قيل: وما إدخال السرور على المؤمن؟ قال: سد جوعته، وفك كربته، وقضاء دينه». وهكذا يمضي الإسلام يضع الأُسس الأدبية لحياة راقية رفيعة تتوجها الأخلاق.

ارسال التعليق

Top