◄من الشائع الاعتقاد أنّ السعادة في الحياة هي لحظات تصنعها الظروف الإيجابية، ومنها النجاح والكسب المادي والعلاقات الحميمة إلّا أنّ الباحثين في خصائص الإنسان ومشاعره، يؤكدون عكس ذلك. والسبب حسب رأيهم هو أنّ السعادة الحقيقية هي في داخل كلّ منا، وأنّ الظروف الإيجابية التي تمدنا بلحظات الفرح، لا تتحقق إلّا من خلال إحساسنا بهذه السعادة، والعمل للوصول إليها وترجمتها بأساليب تتوافق مع شخصياتنا وطباعنا.
والسؤال المطروح: أين نجد السعادة وكيف نصل إليها؟
لماذا لا نبحث عنها؟
شعور مرتبط بالفكر:
إنّ الشعور بالسعادة يرتبط مباشرة بالفكر وبالقدرات الكامنة من جهة، وبكيفية الاستفادة منهما من جهة ثانية وهذا يعود إلى نسبة معرفة الإنسان وبمقدرته على التحكم بأفكاره، وبالإضافة إلى مستوى رؤيته لمرتبة وجوده في محيطه الاجتماعي. ومن هنا الاعتقاد أن تحقيق السعادة ينبع من قرار نتّخذه بملء إرادتنا، وخصوصاً بعد التعرّف إلى مسبِّبات الحزن والفشل والإحباط وسواها من المشاعر السلبية.
دور الشعور بالحزن:
إنّ الشعور بالحزن قد يشكل بحدّ ذاته طريقاً إلى السعادة الداخلية باعتباره حالة تعكس مفارقات الواقع.
فهذا الشعور الذي ينشأ عموماً نتيجة الأحداث الأليمة والفشل أو الشعور بالعجز تجاه تحقيق الأهداف، قد يقودنا آلياً إلى تحليل مسبّباته وبالتالي إلى تقييم ردّات الفعل السلبية التي تطرأ على سلوكنا بفعل تأثيراته، الأمر الذي يجعلنا نكوّن قناعات أكثر واقعية وفي حال اقتنعنا نتيجة التحليل المنطقي أنّ الحزن وما يتفرع عنه من ردات فعل غير سوية، هو احتجاج ضمني على واقع مغاير لتطلعاتنا وآمالنا، فسنتخذ القرار بمعالجة هذا الواقع وصولاً إلى التأقلم معه أو تغييره وهذا بالطبع يمنحنا الشعور بالتفوّق والمقدرة على المواجهة وصولاً إلى بناء الثقة القوية بالنفس والاعتزاز بتحمّل المسؤولية وبالتالي ملامسة إطار السعادة الداخلية.
الخوف من تحمّل المسؤولية:
يؤكد الاختصاصيون في العلاج النفسي عموماً على أنّ المشاعر السلبية وفي مقدمتها الحزن والقلق، مبطنة بميول فطرية إلى المواجهة والتحدّي وإثبات الذات لأهداف تخدم البقاء والتطوّر. لذا فإن إدراك الإنسان اللّاواعي لضرورة تحقيق هذه الأهداف، وعجزه عن ذلك بسبب الشعور بالنقص والخوف من تحمّل المسؤولية، يزيد من حزنه وقلقه، ويبعده عن الإحساس بشعور السعادة. وقد يتفاقم شعوره هذا في حال وجود ضغوطات تؤثر على توازن رؤيته لنفسه، وإحساسه برؤية الناس له؛ والمعنيون بهذه الحالة النفسية، يشكلون كما ثبت نسبة لا يستهان بها من مختلف الفئات الاجتماعية، وتجمعهم صفات مشتركة في مقدمتها الميل إلى التصرّف كمستضعفين يستجدون رضى الغير ويضعون اللّوم على الظروف.
لمعالجة هذا الواقع، ينصح الاختصاصيون المعنيين بالاعتياد تدريجاً على القيام بواجباتهم والعمل على اكتشاف قدراتهم الفردية التي تجعلهم يتساوون مع أقرانهم من حيث القوة والإرادة الحرة والمقدرة على تحمّل المسؤولية والشعور بالاطمئنان. وهذا يؤكد على نظرية الدكتور كوفمان التي تعرّف محققي الإنجازات، بالسعداء من ذوي الثقة بالنفس والذين أسهم شعورهم بالثقة والسعادة في تربّعهم على عرش النجاح وليس العكس.
كيف نواجه الظروف الأليمة؟
المعروف أن في الحياة محطّات للألم والحزن سببها أحداث غير متوقّعة تحدث خللاً في الإيقاع الحياتي اليومي، الأمر الذي يحرّك عوامل الرفض الفطرية وما يرافقها من مشاعر سلبية.
لنأخذ مثلاً المعاناة الناجمة عن فراق قريب أو حبيب أبعده السفر أو الموت. فهذه المعاناة تنشأ عموماً من فقدان علاقة هي جزء من الذات، لأنّها حققت أثناء وجودها مشاركة حية في تحمّل الأعباء والمسؤوليات، وتبادل الأحاسيس. لذا فإذا ما استوعبنا بعمق سبب الألم وخلفياته ودوافعه، تعلّمنا كيف نخفّف من وطأة المعاناة على طريق اتخاذ القرار بتحمّل المسؤوليات التي كان يواجهها الشريك الغائب، واعترفنا حتماً بحقّ الموت والفراق وشعرنا بالاطمئنان المستد من القوة.►
المصدر: كتاب إستمتع بحياتك وعش سعيداً
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق